صاروخ من غزة

حجم الخط
2

عساف الذي لم يبلغ بعد سن الـ24، من سكان مخيم خان يونس للاجئين صعد الى الوعي قبل نحو ثلاثة اشهر كاسطورة حديثة العهد، حقيقية: بجهود مضنية خرج من القطاع المغلق الى القاهرة، قفز من فوق سور الفندق كي يصل الى مقابلة التصنيف والاختيار، اضاع فرصة التقاط رقم للمشاركة وعندها أعطاه غزي آخر رقمه للامتحان وقال: ‘لك فرصة في الفوز، ليست لي’.
عائلة أمه جاءت من القرية الفلسطينية المهدمة بيت دراس (اليوم بيت عيزرا، شرق عسقلان) وعائلة أبيه من بئر السبع. في غزة معروف هو منذ زمن كمغني حفلات وأعراس، ظهرت موهبته منذ الصبا. والان باتوا في تشيلي البعيدة يعرفونه. وهذه أنباء طيبة، إذ ان الجالية الفلسطينية هناك ثرية جدا، وهذه على أي حال هي مصلحة تجارية. فاختيار ‘الايدل’ منوط بعدد الرسائل القصيرة التي يحصل عليها كل متنافس، وكل رسالة تكلف مالا شيكل ونصف الشيكل لشركات الاتصال الوطنية وجوال (2.85 في بداية المنافسة). من يستطع ذلك يحق له أن يرسل 100 رسالة قصيرة باسمه، لربح شركات الخلوي. ولكن من يمكنه؟
بالتأكيد ليس معظم سكان مخيمات اللاجئين. المصريون، الذين تجندوا لتأييد ابن بلادهم من دون صلة بجودة الصوت، هم أكثر بكثير من الفلسطينيين (ومن جهة اخرى معظمهم حتى أفقر من الفلسطينيين). بنك فلسطين تعهد بالتبرع بعدد من الرسائل تساوي الرسائل التي تؤيد عساف، لتعويض الفارق الديمغرافي مع المصريين. ‘الـ 48’ (اي الفلسطينيين من مواطني اسرائيل) يمكنهم ان يصوتوا عبر الانترنت. ولؤي ابن العاشرة يبلغ بان الاكراد والعراقيين سيصوتون لنا.
حكم الرسائل القصيرة صدر يوم السبت، وأصبح عساف بطل العصر للفلسطينيين، من الشباب والكبار. خريجو الجامعات الغربية وخريجو السجون. سكان مخيمات اللاجئين في البلاد وفي المنفى. الشقق الفاخرة في رام الله وفي حيفا والسجناء من نساء ورجال. ناشطو م.ت.ف قدامى ومن ابتعد عن السياسة الجميع جلسوا ليشاهدوا بالبث الحي والمباشر المنافسة اللامعة وانصتوا الى الهراء الذي اطلقه الحكام ورافقوا بسعادة عساف الذي تسلق من مرحلة الى مرحلة. كتابات في الفيسبوك موضوعها عساف، شاشات ضخمة في المطاعم وفي الشوارع، دقات قلب متسارعة وهو يغني ‘بجودة أقل مما في المرات السابقة’، قضم الاظافر قبل بث النتيجة في كل مرحلة. منذ اجتياح الجيش الاسرائيلي في 2002 لم يشهد الفلسطينيون تجربة توحدهم بهذا القدر. الحاكم اللبناني في المنافسة، المغني راغب علامة، وصف عساف بانه صاروخ سلام ومحبة يمر من فوق مدن فلسطين، القدس والناصرة، غزة ورام الله.
وحتى في الوحدة توجد شروخ: بعض من رجال الدين في الضفة وفي غزة (ليس فقط من مؤيدي حماس) اعربوا عن معارضتهم للظاهرة وللبرنامج، الذي يبث في محطة الـ ‘ام.بي.سي’ السعودية، التي يمكن لنا أن نفهم لماذا. جمهور مختلط من الرجال والنساء مكشوفات الشعر والصدر، تقليد للعادات الغربية وكله بالبث الحي امام الملايين. هذا ليس غناء، هذا صرف للانتباه عن فرائض المؤمنين، ليس رجوليا وينسي مصير السجناء، قال المعارضون. ويبث البرنامج بالضبط في الفترة التي ينشغل فيها شرطة حماس بمحاولات اخرى لفرض وحدة في السلوك: قبل نحو شهرين أمسكوا في الشوارع شبانا بشعور طويلة وفرضوا عليهم الحلاقة، ووزير الداخلية في القطاع تحدث مؤخرا عن المهمة التي امامه: الحفاظ على ‘رجولة’ الرجال. وفي الاسابيع الاخيرة تدير الشرطة حملة ضد المخدرات واقراص الترمادور مخفف الالام الباعث على الادمان الذي بواسطته يهرب الناس من الافكار والمشاكل ولكن أفراد الشرطة الناشطين اقتحموا المقاهي التي تتجرأ فيها النساء على تعاطي النارجيلة الى جانب الرجال. ونفى الناطقون بان هذه سياسة من فوق وادعوا ان هذه مبادرة من أفراد الشرطة.
هكذا حصل الان عدة مرات منذ صعود حماس: رجال الامن أو مسلحون مجهولون حاولوا بهجمات عنف فرض سلوك ‘اسلامي’ موحد حسب التفسير الاكثر تطرفا (مثل وقف الغناء في الاعراس، تفريق مخيمات صيفية لوكالة الغوث أو العباءة كزي موحد للتلميذات). وعندا اصطدموا بالمعارضة الجماهيرية ادعى الناطقون الرسميون ان هذه مبادرات خاصة وتوقفت الهجمات. وعندما ضعفت المعارضة (مثل التشدد في الفصل بين البنين والبنات في المدارس) استمرت السياسة.
لقد فهم حكم حماس بانه لا يمكنه ان يوقف موجة الحماسة والانفعال لعساف، وبعض من الناطقين بلسانه يمتدحون الان الشاب الذي اصبح ‘سفير فلسطين’. هذا السفير الذي صعد الى المسرح وهو مريض، غنى للسجناء والشهداء (على الكوفية) اغنية من التسعينيات تتماثل مع م.ت.ف (وبين الاغاني التي منعت حماس انشادها في 2007 2008. وقد قام الحكام والجمهور وغنوا معه فأهلوا الاغنية كاغنية فلسطينية للعموم.
حتى الان اتخذ عساف جانب الحذر من أن يكون اداة في يد السلطة الفلسطينية (التي أيده مسؤولوها منذ البداية) ضد سلطات غزة. ولكن في نفس الوقت ترسم ظاهرة عساف الحدود لحماس. في نسبة معاكسة لحجم المنافسة الفني الصغير تثبت كم يتوق الفلسطينيون لبطل وطني اسمه وعمله ينطويان على الفرح، النجاح والحياة، وليس الحزن، المعاناة والفشل.

عميرة هاس
هآرتس 24/6/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مازن من فلسطين:

    فلسطيني وافتخر

  2. يقول د . أبو مالك.:

    ألف مبروك لإبن فلسطين بهذا الإنجاز الكبير، ومبروك لشعب فلسطين المناضل بكلّ أنواع النضال : من الطلقة والصاروخ إلى الأدب والفن الذي يجسّد فيه شباب شعبنا أصالة هذا الشعب ، بل وعناده على أن يكون موجودا وباقتدار في كلّ الميادين في هذا العالم الذي تشوّت لديه صورة شعبنا وأمّتنا وكأنّنا قطيع من الوحوش المُتعطّشة للدماء بفعل الإٌعلام الصهيوني المُتغلغل في العالم الغربي ، هذا هو شعب فلسطين التوّاق إلى الحرية والسلام والعيش بأمان في وطنه فلسطين ، نعم لقد رفع هذا الشاب الميدع راية فلسطين عاليا بعدما يُقارب قرنا من الزمان عمل الصهاينة على طمسها ولكن هيهات لهم ذلك ، فلا زلنا نقبض على الزناد ، وحناجر شبابنا تصدح بأنغام الحريّة والسلام الذي يُعيد إلينا حقوقنا كاملة غير منقوصة ولو كلفنا النضال لقرن آخر من النضال بالمال وبالروح وبالكلمة الجريئة …. هذا هو شعب فلسطين ، شعب الجبّارين ، شعب الإنتفاضلت …. وفي النهاية أقول: الف تحية لعندليب فلسطين وألف تحية لكلّ من صوّت لشعب فلسطين .

إشترك في قائمتنا البريدية