مع نهاية كل دورة رئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ينظر العالم بترقب لمعرفة الضيف الجديد الذي سيحل في البيت الأبيض، كما يحاول المحللون تتبع مشاريع القادم الجديد من خلال قراءة سيرته السابقة وطروحاته في حملاته الانتخابية. واليوم بات واضحا ان الأمر قد استقر على سباق الحمار الأزرق (شعار الحزب الديمقراطي) ومرشحته هيلاري كلينتون، والفيل الأحمر (شعار الحزب الجمهوري) ومرشحه دونالد ترامب.
شخصية المرشحين
يرى الكثيرون ان سباق الانتخابات الحالي فيه الكثير من المفارقات وقد تنبثق عنه العديد من المفاجآت، بحكم طبيعة المرشحين. فكلينتون بعد ان كانت السيدة الأولى إبان رئاسة زوجها بيل كلينتون في عقد التسعينيات، تصدت للعمل السياسي، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها السيدة الأولى في الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة، حيث تنافست في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي عام 2008 لكنها تنحت في المراحل الأخيرة مفسحة الطريق أمام ترشح الرئيس أوباما ومن ثم فوزه في دورته الرئاسية الأولى، لتشغل حقيبة وزارة الخارجية في إدارة أوباما في الدورة الأولى، وهي إذا ما نجحت في السباق الحالي فستكون أول امرأة تتبوأ المنصب في تاريخ رئاسة الولايات المتحدة. أما دونالد ترامب، فهو رجل أعمال شهير تقلب بين الحزبين الأمريكيين أكثر من مرة، عرف عنه التهور وإطلاق تصريحات مثيرة للجدل، وتصريحاته وسلوكياته ترسم صورة تهريجية لا تليق بالرصانة المطلوبة لشاغل كرسي الرئاسة، لكن في الوقت نفسه هناك العديد من الأمريكيين الذين يجدون فيه ملامح الشخصية الأمريكية النموذجية القائمة على المغامرة والقوة والنجاح، فهو يقدم نموذجا للرأسمالية الناجحة اقتصاديا في نظر جمهوره، ويقدم على هذا الأساس الكثير من الوعود بالتغيــــيرات بعـــــد ثماني سنوات من ابتعـــاد الجمهـــوريين عن البيــــت الأبيض، وكانت المفارقة غير المتوقعة من عدد كبير من المراقبين انه اجتاز بقية مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الحزب وبات المرشح الرسمي للجمهوريين.
الاستراتيجية الأمريكية والتغييرات التكتيكية
كثيرا ما كتب عن اختلاف الإدارات الأمريكية في تعاطيها مع الشأن الداخلي والخارجي، ومع الاعتراف بأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات وذات استراتيجية شبه ثابتة تقوم على خدمة المصالح الأمريكية، إلا ان تعاطي الإدارات المتعاقبة فيه هامش من الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، فقد بات واضحا منذ منتصف القرن الماضي ان الديمقراطيين يركزون في سياساتهم على الشأن الداخلي وإعطاء الأولوية للسياسات الاقتصادية والخدمية، وبشكل خاص مشكلة البطالة والخدمات الصحية وشؤون الأقليات واندماجهم في المجتمع ما خلق أرضية داعمة للحزب في الولايات التي تتواجد فيها الأقليات ذات الأصول اللاتينية والافريقية والشرق أوسطية، من جانب آخر نرى ضعف أو تراجع شهوة التدخل أو الحراك الخارجي في فترات إدارة الديمقراطيين للولايات المتحدة. على العكس من ذلك يركز الحزب الجمهوري جهوده في تصدير صورة أمريكا القوية عبر الفعالية التي قد تصل إلى تدخلات خارجية سياسية وعسكرية، مقابل نوع من السياسة المحافظة في التعاطي مع مشكلات البطالة والأقليات والصحة وغيرها من المشاكل الداخلية التي تعتبرها الإدارات الجمهورية ستتأثر وتتحسن بالتأكيد في حال حصول الولايات المتحدة على مواقف قوة في العالم.
السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط
لطالما مثلت منطقة الشرق الأوسط أحد المحاور ذات الأهمية الكبرى في رسم السياسات الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى فترة حكم الرئيس أوباما، إذ ان هذه المنطقة تحوي أكبر احتياطي عالمي في مصادر الطاقة، كما ان وجود إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة فرض نمطا من السلوكيات السياسية على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومنذ إدارة كارتر الديمقراطية التي لعبت دورا مهما في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في نهاية سبعينيات القرن الماضي، بقي هاجس الوصول إلى حل يرضي جميع أطراف النزاع أمريكيا، الغاية منه عدم تهديد المصالح الحيوية الأمريكية وحفظ أمن إسرائيل. لكن انكفاء إدارة الرئيس أوباما على معالجة الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 2008 ومحاولة الديمقراطيين لملمة ما بعثره المحافظون الجدد إبان رئاسة جورج بوش الأبن من مشاكل في المنطقة، جعلت الإدارة الأمريكية تتخذ سياسة الابتعاد التدريجي أو الانسحاب من المنطقة. فقد سحبت القوات الأمريكية من العراق عام 2011 كما وعد الرئيس أوباما، وتمت جدولة الانسحاب من أفغانستان، كذلك اتبعت إدارة أوباما سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والمشاكل التي اشتعلت بعد موجات الربيع العربي التي ضربت المنطقة منذ 2011 فلم تتورط في فعاليات عسكرية إلا بشكل محدود عبر تقديم الدعم العسكري ضمن إطار حلف شمال الأطلسي في ضرباته التي أطاحت نظام معمر القذافي في ليبيا، كذلك كانت خطة الإدارة الأمريكية تقوم على تقديم المشورة والدعم المحدود لفصائل المعارضة السورية الساعية لإطاحة نظام بشار الأسد في سوريا، ومع ظهور ما عرف بتنظيم الدولة الإسلامية وتغوله في المنطقة وتهديد أمن حلفاء الولايات المتحدة، ابتدأت الإدارة الأمريكية فعاليات خجولة عبر المشاركة في قصف مناطق التنظيم أو تقديم خبرات التدريب والدعم اللوجستي للقوات العراقية أو البيشمركه في كردستان العراق.
الملف الإيراني الساخن
كذلك كان تعاطي إدارة أوباما مع الملف الإيراني مثيرا لغضب أو احتجاج الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة في دول مجلس التعاون الخليجي، التي رأت في هذه الخطوة تخليا أمريكيا عن حلفائها وميلا في العلاقات لصالح عدوها الإيراني، كما أصبح التصعيد الأمريكي في موضوع مناقشة مسؤولية الحكومة السعودية واحتمالية ربطها بأحداث 11 ايلول/سبتمر 2001 ناقوس خطر يدق منذرا بتوتر العلاقة بين البلدين، كل تلك المواقف كانت مبنية على سياسة إدارة أوباما المعلنة التي عرفت بـ (إعادة التوازن تجاه آسيا) اعتقادا منها بأن الصين هي القضية الأهم التي تواجه الولايات المتحدة وحلفائها، وان الدول المطلة على المحيط الهادي أهم بكثير من دول الشرق الأوسط.
فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الدول أكثر من 1.1 ترليون دولار أمريكي في عام 2012 مقابل أقل من 200 مليار دولار أمريكي هي قيمة التبادل التجاري مع 22 دولة من دول الشرق الأوسط عام 2011 وبلغ حجم الصادرات الأمريكية إلى هذه الدول نحو 70 مليار دولار (تمثل الأسلحة السلعة التصديرية الأولى فيها) والواردات من هذه الدول 122 مليار دولار، وحظي بالنصيب الأكبر منها البترول من كل من المملكة العربية السعودية والعــــراق، ومن الجدير بالذكر ان الموقف الأمريكي من الملف الإيراني، وما ترتب عليه من موقفها من حلفائها في الشرق الأوسط ربما كان على خلفية تراجع أهمية نفط الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية بسبب زيادة إنتاج حقولها الجديدة في ولاية داكوتا الشمالية، والاعتماد على النفط الصخري وتراجع استهلاك الغازولين في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 مع ازدياد التوجه نحو استخدام الطاقة الخضراء خلال الأعوام العشرين المقبلة مما يؤدي إلى تراجع اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الهيدروكربونية.
تغير موازين القوى
يرى بعض السياسيين ان المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا قد تغير موازين القوى في الشرق الأوسط في حال توجه تركيا الحليف الأمريكي الاستراتيجي نحو روسيا، وهذا يعني تنامي النفوذ الروسي في المنطقة، الذي باتت خطواته تتقدم باطراد منذ بدأ الحوار الإيراني- الغربي حول البرنامج النووي، وتقاعس الدعم الغربي في حسم الموضوع السوري، وتمدد التحالف الإيراني – الروسي ليملأ الفراغ الحاصل في ميزان القوى نتيجة تراجع الدور الأمريكي، لكن يبقى موضوع إسرائيل وأمنها عصا الرحى في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبناء على ذلك ستبقى الإدارات الأمريكية جمهورية كانت أم ديمقراطية ذات تأثير ملموس، قد يشهد تراجعا أو تقدما بحسب تكتيكات الإدارات المختلفة، لكن يبقى المسعى الأساسي هو محاولة حل أزمة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
قراءات ونتائج محتملة
يرى المحللون من المعطيات المتوفرة، أنه في حالة فوز كلينتون فإن إدارتها ستمثل امتدادا لحقبة رئاسة أوباما وخطوطها الاستراتيجية دون ان نشهد تغيرا ملحوظا على توجهاتها تجاه المنطقة، بينما ستكون إدارة ترامب من النوع المفاجئ والصاخب الذي قد يفوق ما أقدمت عليه إدارة جورج بوش الابن، وهذا ما أعلنه ترامب مرارا عبر مواقف تدفع في اتجاه التصعيد في المنطقة وتفعيل سياسات الكراهية التي تصب في حقل الإسلاموفوبيا وتزيد من تأججها عالميا، وما ينتج عن ذلك في موضوع الهجرة من الشرق الأوسط الملتهب نحو بلدان الغرب.
فإدارة ترامب ستكون إدارة يمينية بكل ما قد تثيره الكلمة من مخاوف في الشرق الأوسط، لكن التوقعات ستظل تدور في فلك التكهنات حتى تنجلي معركة السباق إلى البيت الأبيض وحينها يكون لكل حادث حديث.
صادق الطائي
المهم ،ماذا يجري في عالمنا العربي ،مما يستعصي على الفهم،كيفما قلبت الامر؟
المهم ،ماذا يجري في بلادنا من عجاءب وغراءب من دون مساءلة ومحاسبة عن هزيمة او فشل تنمية ،تعليم صحة …الخ.
السdاسة الامريكية لم تنحسر عن الشرق الاوسط ولكنها عادت الى الاستتراتيجة الامريكية الناجحة خلال القرن الماضي باستخدام وكلاء في المنطقة لانهم اقدر تأثيرا واقل كلفة (رأسمالية بحتة) وهم كما تعلم سلموا امر الشرق الاوسط الجديد الى ايران وما تمثله من امكانية كل شيئ بثمن وهل هنالك ثمن اكبر من العراق؟ بثرواته وسوريا بموقعها على شاطئ المتوسط؟ وجزئيا الى اسرائيل ……ويجنون الفوائد من بعيد… كان هذا اهم بمود الاتفاق النووي وهو كالعادة على حساب العرب الذين يتلهون باشتثمارات في اوبر!
حاليا هناك قوى صاعدة في منطقتنا هي تركيا و روسيا و ايران و قوى عائمة هي اسرائيل والخليج و قوى نازلة هي بقية الدول العربية. اما العامل الرئيسي في الصعود فهو القدرة على اتخاذ سياسات مستقلة او القدرة على مقاومة التأثير الغربي و الامريكي منه خاصة. و عامل النزول في كل الدول العربية ما عدا دول الخليج هو بسبب فشل هذا الدول في بناء اقتصاد قوي وموارد بشرية حامية لها بسبب غياب الحريات و التحالف مع الاعداء. و بالطبع فان اسرائيل هي قوة عائمة بقواها الذاتية التي راكمتها على مدى اكثر من قرن و لكنها ما زالت رهينة بشكل كبير جدا للغرب الذي اوجدها في وقت ما و لكن تغيرت اولياته و اوضاعه. و تبقى دول الخليج عائمة ايضا بقوتها المالية و لكنها تفتقر الى القوى الذاتية الاخرى.