أكثر من طوشة عرب!

حجم الخط
0

عقب أحداث أيلول الأسود، أو المعركة بين النظام الأردني وحركة المقاومة الفلسطينية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وبدأ أبناء المجتمع الواحد يُرمّمون علاقاتهم ويستعيدونها، شيئاً فشبئاً، وكفلسطيني- أردني، وضعته الأحداث في فسطاط الخصم، مع كل من يشاركونه تفاصيل حياته اليومية، بين المدرسة والمسجد وما بينهما! فقد خرجت للقاء صديق شرق أردني ينتمي لعشيرة بدوية، خاصّةً وأنني سمعت أنّ بعضاً من أقاربهسقطوا في حمّى الوطيس!
اخترت المسجد ووقت صلاة العصر، الّتي كنّا نقدّم أحدنا الآخر للإمامة، لأنّ الإمام المُعيّن كان كثير أو دائم الغياب، ثُمّ نجلس بعد الصلاة، للنتداول في هموم الأمّة، الّتي كنّا نظنّ أنّها بدأت للتو وستنتهي عمّا قريب! تقدّمت بعد الصلاة لمصافحته وتقبيله، وحاولت أن أنقل تأثُّري وأسفي، من خلال عباراتٍ مبعثرة، ولكنّه سرعان ما أسكتني بإشارة من يده، قائلاً: لا تدير بال! وقبل ان تمسك الدهشة بملامحي، أردف دون توقُّف: طوشة عرب: يروح بيها زلام!
بالأمس وأنا أتأمّلُ الأحداث الدائرة رحاها على الساحة العربيّة، من الشام لبغداد إلى مصر فتطوان! بسطت مفرداتها أمامي، شيعي سنّي، يساري يميني، قومي ناصري، إسلامي علماني، نفطي رأسمالي: بعثرتها، أعدت ترتيبها، وضعتها تحت فنجان، خضضتها، ركّبتها، بعثرتها، ولم أنجح في العثور على تفسير مقنع، يُبرّر، فظاعة ما يجري! وأخيراً استحضرتُ عبارة صديقي الخالدة ‘طوشة عرب’! محاولاً إسقاطها على الواقع المتحول لساحتنا السياسية! وهل هي طوشة عرب فعلاً؟ وإذا كانت كذلك فكيف ستنتهي؟ طوش العرب عادة تنتهي بمصالحة، وتبويس رؤوس ولحى واسترضاء خواطر، ودفع ديّات متبادل لأولياء الدم من الطرفين أو الأطراف! ولكن حتّى تصل الأمور إلى هذه النهاية السعيدة، فلا بدّ أن يتصدّر المشهد شيخُ أو شيوخ من أصحاب الهيبة والكلمة المسموعة! وبحثت في المشهد عن شيخ تنطبق عليه المواصفات، لأرشّحه لهذا الدور، فلم أعثر للأسف على أحد، لأنّ الكلّ منغمس في بركة الدم، ولم يبق أحدٌ خارجها، أو على حافّتها حتّى، كي نستفيد من حياديّته في تطييب الخواطر، ونزع الأضغان! واعرباه: حتّى الشيوخ خلعوا عباءاتهم وتركوا مضاربهم وتشمّروا واقتحموا المعمعة!
الكلّ له مآربه الخاصة، والكلُّ إمّا محسوب أو ‘مسنود’ من طرف ما! صاحب العمامة والجبّة، وصاحب البدلة والربطة، الحليق والملتحي، وخرجت بنتيجة أنّ كلّا من الرموز يؤدي دوراً ما كُلّف به، وان لا أحد بريءٌ ونظيف، ليصلح لدور الحكم، وإذن فقد فقدنا حتّى آخر ملامحنا، وآخر ملاذات الشرف والنخوة، الّتي تؤهلنا للأخذ على يد الظالم والمُفتئت، أو إسماع من صمّ أذنيه، بقوّة الزعامة وهيبتها! للأسف أفرغت الأمّة حتّى من زعاماتها، وحلّ محلّها، صغار الشيوخ وصغار الدكتاتورات وشيوخ الحارات، وصغار رجال الدين، الذين نفختهم الأحداث لأكبر من حجمهم بكثير! والكلُّ مستميت في الفاع عن جحره الصغير فقط، لا الأُمّة ولا حتّى القبيلة!
وإذن يا صديقي فهذه ليست طوشة عرب تقليدية، وليس لها مواصفاتها، خاصّة أنّ من يديرون المشهد من خلف الستار ليسوا عرباً، فهم روس وأمريكان وانكليز وفرنسيون وعجم وتتار وغير ذلك! فهل يجتمع كلّ أولئك تحت عباءة عربية، أو حتّى عمامة إسلامية، والصوت اليهودي الذي ينفخ في العصبيات، ويؤلب الآوس على الخزرج، قريب جدّا من صيوان الأذن! ليست سورية وحدها المستهدفة! ولم يكن من قبيل الصدفة أن يقفز أحد الرموز الحاضرة في المشهد بين فلسطين’تحت الاحتلال’ والقاهرة، ليخرّب المشهد السياسي، ويعيد خلط الأوراق، جارّا إلى صفّه كُلّ أصحاب الولائج! كثيرون في المشهد يلعبون مثل هذا الدور!
وإذن فلن تنتهي الطوشة العربية بمجلس شيوخ عاجز عن الانعقاد، ولا بقعدة عربية، لا يحضرها غير العرب، والأمل الوحيد أن يخرج عملاق من بين الأقزام/زعيم من بين الراقصين على الإيقاع، كبير من بين الصغار، سيّد من بين العبيد، من يشير بكفّه فيطاع، حتّى ولو طال الانتظار!

نزار حسين راشد
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية