عن انزعاج السيسي من دعوته لعدم الترشح وإعلان نظامه حربا على «زي إيكونوميست»

رغم جدية الاهتمام الواسع الذي أثارته مجلة «زي إيكونوميست» البريطانية بشأن مصر مؤخرا، عندما اعتبرت ان من الضروري ان يمتنع الرئيس عبدالفتاح السيسي عن إعادة الترشح للرئاسة في العام 2018 لتتمكن مصر من التغلب على أزمتها الاقتصادية الخانقة، وجدت نفسي غير قادر إلا على السخرية في كل مرة حاول أغلب الإعلاميين المصريين نطق اسم المجلة التي فضحت ضآلة لغتهم الانكليزية، ضمن حجم الكارثة الإعلامية والتعليمية.
وللأسف فان بعض اولئك الإعلاميين ينتمون إلى مهنة الصحافة منذ عقود، ولابد انهم قرأوا اسم المجلة مرات عديدة، ويبدو ان الجهات التي ألقت الحرب على المجلة أما نسيت أو فشلت بدورها في تصحيح اسمها أثناء إصدار التعليمات.
ولو ان المجلة اكتفت بشرح الأسباب التي تجعلها تعتقد ان مصر تواجه أزمة اقتصادية كارثية، لما اهتم النظام بما كتبته، ولما أصدرت وزارة الخارجية بيانا خاصا، ولما انكشف جهل بعض الإعلاميين بالانكليزية، على الرغم من ان مقالها يجب ان يبقى خطيرا باعتبار انها إحدى أهم المصادر الإعلامية الاقتصادية في العالم، إلا ان الوضع انقلب تماما إذ ارتكبت جريمة مطالبة السيسي بعدم الترشح للرئاسة.
والحقيقة ان هذا الموضوع شديد التعقيد، ولا يمكن حصره في الجانب الاقتصادي، رغم أهميته، كما ورد في تعامل المجلة البريطانية معه.
وهذه محاولة قراءة في هذا التعقيد:
أولا- ان الحرب الرسمية والإعلامية ضد دعوة المجلة للسيسي عدم الترشح لا يمكن إلا ان تعكس انزعاجا واضحا في مؤسسة الرئاسة في ظل اتساع الشكاوى من ارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه. وفي تصرف تقليدي ظهر كيان شعبي مجهول أعلن عن نجاحه في الحصول على توقيع عشرات آلاف المطالبين بتمديد رئاسة السيسي إلى ثمانية أعوام بدلا من أربعة حسب الدستور، زاعما انه ينوي الحصول على أربعين مليونا، وليس خمسينا أو ستينا، وكأنه يستذكر سيناريو الحركة الشعبية عبر حملة التوقيعات المطالبة بتنحي الرئيس السابق محمد مرسي.
ثانيا- ان الاتهامات الإعلامية تركزت على ان تقرير «الإيكونوميست» مسيس وانه يعد «تدخلا سياسيا في شؤون مصر» على الرغم من ان المجلة ركزت على نقاط احترام أساسية لمصر منها، انها تبقى البلد الأكثر تأثيرا ومحورية في المنطقة، بل واعتبرت انها رغم انتقادها لسياسات السيسي فانه لا يوجد بديل في التعامل معه في هذه الظروف.
أما في الجانب الاقتصادي حيث حملت النظام مسؤولية الأزمة الاقتصادية في مصر فإنها لم تقدم جديدا يذكر، بل ان ما نشرته صحف أو فضائيات مصرية ربما قدم انتقادات وتحذيرات أشد خطورة مما ورد في المجلة البريطانية، ولكن أيا منها لم يطالب السيسي بعدم الترشح.
ثالثا- على طريقة النظام في اسلوب شراء بعض الصحف والصحافيين، اقترح بعض الإعلاميين قيام الحكومة بشراء مقالات في الصحف البريطانية لترد على انتقادات المجلة بلغتها (…)، ولم يفكر أحد في مطالبة الحكومة بنشر رد اقتصادي حقيقي يفند مزاعم المجلة بالأرقام بدلا من المسارعة باتهامها بأنها «مسيسة» متجاهلا انها لا يمكن ان تفرط في سمعتها الدولية لتستهدف نظاما تقر هي نفسها بأهميته وليس من مصلحتها ان تدخل في عداء معه.
رابعا- أما القضية المحورية التي تستحق بحثا مفصلا فهي ان كان السيسي سيتمكن من الفوز في مرحلة ثانية. ولا شك في انه يركز على ان تنتهي أغلب المشروعات خلال عامين لتكون بين قائمة الإنجازات التي سيقدمها للشعب كدليل على انه يستحق الفوز بفترة رئاسية ثانية. وبداية أقول ان احتمال نجاح الحملة الجديدة التي تسعى إلى تمديد فترة الرئاسة لثماني سنوات هي وهم لن يتحقق. إذ ان مصر لن تتحول إلى جمهورية موز من أجل شخص أيا كان. بل ان محاولة تعديل الدستور لتمديد الرئاسة إلى ستة أعوام كما كانت في عهد مبارك ستكون شبه مستحيلة، رغم ان البعض طرح هذه القضية العام الماضي باعتبار ان أي رئيس لا يستطيع ان يحقق إنجازات تذكر.
خامسا- أما موقفي فكان وما زال واضحا من ترشح الرئيس السيسي. فقد قررت مع أكثر من مليون ناخب مصري الامتناع عن التصويت في انتخابات الرئاسة عام 2013، وأثق اليوم في ان قراري كان مصيبا، رغم اقراري بوجود عدد من الإنجازات المهمة التي لا يمكن إنكارها. إلا ان مصر تعاني من انشقاق في روحها يضرب قلب السياسة والاقتصاد والثقافة وسط غياب رؤية حقيقية تهمل الواقع والحاضر وأولوياته من أجل الانشغال بالصورة والإعلام والانبهار. وربما يكون النظام محقا بالأهمية الواضحة للإعلام خاصة في انتفاضة 30 يونيو لكن الواقع ان الإعلام لا يحكم بلدا ولا ينقذ نظاما.
أما النظام من جهته فبدأ المعركة الانتخابية مبكرا من أجل تأمين فترة رئاسية ثانية للسيسي. وهو ليس معنيا بالقضايا التي منحته الحكم أصلا مثل الإخوان أو الإرهاب حتى مع استمرار الهجمات في سيناء بشكل خاص، لكنه قلق من الخطر الشعبي. أما موقف المؤسسة العسكرية الحاسم فيبقى كذلك مرتهنا بقرار الشعب. ورغم ان السيسي يحظى بنفوذ هائل في المؤسسة كزعيمها وممثلها الرسمي في الحكم، إلا ان حصول انتفاضة شعبية قادر نظريا على إحداث تغيير. إذ لن تتردد المؤسسة في الانحياز إلى الشعب. ولكن من سيكون البديل ان حصل هذا، وخاصة ضمن حالة من الخواء السياسي، وانتهاء الإخوان بل والإسلام السياسي كمنافس محتمل أصلا؟
أسئلة صعبة تحتاج مناقشات أصعب قد نتطرق إليها في وقت قريب خاصة ضمن تلميحات سربها مقربون من النظام بشأن أحداث مفاجئة تتعلق بجماعة الإخوان.

٭ كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

عن انزعاج السيسي من دعوته لعدم الترشح وإعلان نظامه حربا على «زي إيكونوميست»

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول kadour-algeria:

    تمنيت لو انك دكرت لنا انجازات السيسي التي لا تستطيع نكرانها كما تقول .

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” ولكن من سيكون البديل ان حصل هذا، وخاصة ضمن حالة من الخواء السياسي، وانتهاء الإخوان بل والإسلام السياسي كمنافس محتمل أصلا؟ ” أهـ
    لو قامت بمصر إنتخابات حقيقية لفاز الإخوان بنسبة 70% وذلك للأسباب التالية :
    1- لن ينتخب الشعب عسكري قط
    2- لن ينتخب الشعب السلفيين لتواطئهم الظاهر بالإنقلاب !
    3- لن ينتخب الشعب اليساريين الذين وقفوا مع السيسي وكأنه جمال عبد الناصر
    4- لن ينتخب الشعب العلمانيين حيث طالب كبيرهم بتدخل الأمريكان ثم أصبح نائب لعدلي منصور
    5- لن ينتخب المسيحيون المصريون إلا من كان مسيحياً وهذه الفرصة الوحيدة للليبراليون ليكونوا خلف الإخوان المسلمين
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول أسامة حميد- المغرب:

    “إذ ان مصر لن تتحول إلى جمهورية موز من أجل شخص أيا كان. ”
    مصر تحولت من زمان إلى أسوء من جمهورية موز وذلك منذ الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي. جمهوريات الموز على اﻷقل فيها موز. وماذا في مصر المقبلة على إشهار إفلاسها بفضل بركات الانقلاب.

  4. يقول مسلم:

    اختلف معك بقضية انتهاء الاخوان او الاسلام السياسي فالمرحله المقبله بعد سقوط السيسي لا محاله تحتاج الى نموذج تركي اقتصادي ناجح يخرج مصر من ازمتها و ليس هناك بديل عن عودة الدكتور مرسي و نهوض مصر ليس بدفع مليارات ستنفق و انما انشاء مؤسسات اقتصاديه و اكتفاء ذاتي ولن تجد مصر غير تركيا بديل شائت او رفضت و المعضله ان تركيا ترفض التعاون مع نظام انقلابي

  5. يقول محمد السنطي ، مصر:

    مقال رائع في تحليله العميق وأشكر الكاتب المحترم الأستاذ خالد عليه، وعلي رؤيته الوطنية المصرية الشجاعة كالعادة واطلب منه استكمال ماقاله في الجزء الأخير من كلامه بشكل خاص. واتفق مع الوصف الموضوعي الذي يقر بوجود إنجازات للنظام لايمكن إنكارها رغم الا زمة الاقتصادية وهذا هو الواقع الذي نعيشه في مصر، لكنه يتحدث ايضا عن انشقاق في روح مصر يصيب قلب السياسة والاقتصاد والثقافة.

  6. يقول أبو هارون ــ الجزائر:

    (أما موقف المؤسسة العسكرية الحاسم فيبقى كذلك مرتهنا بقرار الشعب.؟إذ لن تتردد المؤسسة في الانحياز إلى الشعب ؟)… منذ متى كانت هذه المؤسسه منحازة إلى الشعب؟

  7. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المحترم
    ألم يقل السيسي إن مصر شبه دولة ؟
    إن كانت للسيسي إنجازات فلماذا لا يعلنا ؟ أخوفا من أهل الشر ؟
    ألم يفصل الدستور على مقاس السيسي عندما كان وزيرا للدفاع ؟ ماذي الذي يمنعهم من إعادة تفصيله ليناسب مقامه كرئيس مدى الحياة ؟
    من أخرج تمرد من العدم وضخ في حسابها ملايين الدولارات أليس بقادر على توليد عشرات تمرد تكون غطاء شعبيا للنظام ؟

  8. يقول Dr. Walid Khier:

    إذا كان الكاتب يعتبر صب الخرسانات و رصف الطرق انجازات، فلا يمكن مخالفته في هذه النقطه، و لكن أحب أن انوه أن هتلر و ستالين حققوا أعظم انجازات ربما في التاريخ بهذا المقياس. فهاهي ألمانيا تباهي العالم بشبكة الطرق المنشأه منذ سبعين عاماً، و هاهي روسيا تباهي العالم بخطوط الكيك الحديديه القطبيه فيها. و لكن كم قلم قصف و كم روحاً أزهقت و كم غيبوا في غياهب السجون علي يد الإثنين؟؟

    كل طاغيه ديكتاتور محدود المواهب و لإمكانيات دائما نما يسعي للإنجازات المعماريه و الإنشائيه المبهره لتضليل المغيبين و كسب تأييدهم، بينما يحرص الحكام الشرعيون علي رضا شعوبهم بأحترام حريتهم و صيانة كرامتهم و حفظ حقوقهم، و هذه هي الإنجازات فعلاً، فإين السيسي وغيره من حكام العسكر منها؟

  9. يقول يسري ابو فول - مصر:

    حتي لو قتلوا د. مرسي و تخلصوا من قيادات الاخوان ..لن يغير هذا من الاوضاع علي الارض ..بل ربما سبب ذلك انعطافه تاريخيه كبيره للقطر المصري عموما …

إشترك في قائمتنا البريدية