لا صلة بين المشاعر التاريخية والاشواق الدينية وحق شعب ما في ارض

حجم الخط
0

حينما وصلت في الاسبوع الماضي الى البلدة التي ولد فيها أبي في اقليم السوديت في جمهورية التشيك أصابتني قشعريرة، بل إنني فكرت حينما رأيت لافتة دخول البلدة في أن أخرج من السيارة وأُقبل التراب. إن الساعات التي قضيتها بعد ذلك في البلدة التي صاحب اسمها ايام طفولتي مثل صدى غير واضح، كانت عاصفة مشاعر. فقد تبين لي فجأة أن شيئا من جذوري موجود هناك في البلدة النائية في بوهيميا على حدود المانيا، هنا ولد أبي وهنا تشكلت شخصيته.
على أثر التقرير الصحافي الذي نشرته عن زيارتي أرسل إلي البروفيسور شلومو افنيري قصيدة جميلة كتبها من غد زيارته للبلدة التي ولد فيها في شلزيا، وهي القصيدة الوحيدة التي كتبها في حياته ‘ولد يهودي بولندي’. ويُخيل إلي أنه جرت علينا زلزلة مشاعر متشابهة رغم أن افنيري ولد هناك وأنا ولدت هنا في البلاد.
إن صلتي بالحجارة في زاتس تبين أنها أهم وأعمق كثيرا من صلتي بالحجارة في الخليل أو نابلس أو حتى بحجارة الحائط الغربي. حينما زرت في 1967 هذه المواقع أول مرة إذ كنت فتى تأثرت تأثرا غير قليل، لكنني كنت آنذاك نتاج المزاوجة بين القومية والتدين المُسكرة التي ساقت الجميع تقريبا آنذاك.
وتبين لي سريعا أن صلتي بهذه الاماكن ضعيفة. فمغارة الماكفيلا وقبر راحيل، بل الحائط الغربي هي عندي وعند اسرائيليين علمانيين كثيرين آخرين مواقع تاريخية أو مواقع عبادة صلتنا بها ضعيفة. وحول جعلها رموزا للاحتلال الاسرائيلي بظواهره القبيحة، جعل زياراتها أكثر تنفيرا. قُل لي كم علمانيا اسرائيليا أجهد نفسه طوال السنين بزيارة مغارة الماكفيلا أو قبر راحيل، حتى حينما كان الهدوء يغلب عليهما؟ وكم اسرائيليا علمانيا يُجهدون أنفسهم اليوم بزيارة الحائط الغربي؟
إن بلدة تشيكية كانت قبل ذلك بلدة المانية، ولد فيها أبي وفيها ترعرع، تؤثر اليوم في قلبي أكثر من مدن الكتاب المقدس التي ولد وترعرع فيها آباء آبائي بحسب التراث الرائج. اذا كانت توجد أصلا اماكن ‘مقدسة’ فان زاتس أقدس في نظري من بيت لحم، واقليم السوديت أقدس من اقليم بنيامين.
ليس الامر كذلك بالطبع عند اسرائيليين كثيرين آخرين. فالمتدينون القوميون يرون القصبة في نابلس مكانا مقدسا ومثلها ايضا ارض الكهوف في جنوب جبل الخليل. ومن حقهم ان يشعروا بذلك فلا أحد يشك في قوة مشاعرهم وأصالتها. لكن ما هي الصلة بين قداسة المكان في نظرهم وبين السيادة عليه، وبين الشعور بالانتماء الذي يقوم على ذكريات تاريخية بعيدة وبين ملكيته؟ يوجد مُحبون كثيرون للارض، فلسطينيون واسرائيليون، ولا داعي لأن يتم البحث فيمن يحبها أكثر. ومقدسوها كثيرون ايضا، يهود ومسلمون، لكن ما الصلة بين كل ذلك وبين الصراع القومي العقاري بين اسرائيل وفلسطين؟
حينما زرت زاتس لم يراودني لحظة شعور بأن المكان لي أو لأبناء شعبي بسبب الذكريات. ربما يكون لي على الأكثر حق ما في البيت الذي خلفناه وراءنا، كما يوجد للاجئ الفلسطيني حق ما بالضبط في بيته الذي خلفه وراءه. حينما يتدفق عشرات آلاف الحسيديين كل سنة على المكان الذي يقدسونه، وهو قبر الحاخام نحمان، لا يفكر أحد في طلب سيادة عليه من حكومة اوكرانيا. فلا يوجد للقداسة والذكريات بل ولا للكتاب المقدس أية صلة بالحقوق السياسية، بل يجب ان تنبع هذه فقط من مبادئ القانون والعدل لا من قصص الكتاب المقدس أو الغمرا.
للاسرائيليين بالطبع حق في ارضهم بفعل سيادة الدولة التي اعترف بها أكثر دول العالم، وللفلسطينيين ايضا بالطبع حق في الارض بفعل حياتهم فيها منذ حقب متطاولة وينبغي احترامه ايضا بدولتين أو بدولة واحدة. إن زاتس عندي اقليم ذكريات وجذور كما أن بيت إيل أو كريات أربع هي منطقة أشواق لجزء (صغير) من الاسرائيليين، بالضبط. وينبغي أن تُنحى هذه المشاعر جانبا لأنه ليست لها أية صلة بالعدل.

هآرتس 27/6/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية