البدانة ثروة وطنية

حجم الخط
0

للبدانة فوائدها.. فهي ليست كتل لحم وشحم زائدة فحسب، وليست مجرد مشاكل صحية ونفسية وجمالية فقط، بل هي تنطوي، وهذا اكتشاف ‘علمي’ جديد، على فوائد ومنافع يتوجب ذكرها.
البدانة وسيلة للشهرة وذيوع الصيت ونفض غبار النسيان والإهمال. هذا بالضبط ما صنعته البدانة مع دولة ساموا المستقلة. هذه الدولة الصغيرة التي لا تتوفر سوى على مدينة واحدة هي عاصمتها آبيا بسكانها الستة وثلاثين ألفا، كانت نسيا منسيا. قليلون هم الذين يعرفون اسمها ويعلمون بوجودها وبموقعها على خارطة العالم. لكن الدولة الصغيرة التي لا تتوفر على مواد خام ثمينة، أو تاريخ عريق أو مزارات ومنشآت فخمة، أو فريق لكرة القدم، أو نجوم في الفن والأدب.. يرفعون علمها وينشرون اسمها ويروجون له، تتوفر على مخزون هائل من البدناء.
الناس في هذه الدولة النامية الصغيرة يعتمدون على أنفسهم في إنتاج غذائهم من المزروعات والمنتجات الفلاحية. ولذلك صاروا أصحاء طويلي القامات، وبفضل أوزانهم الثقيلة، صارت دولتهم تحتل الرتبة الأولى عالميا في نسبة البدانة. وبهذه الصفة اشتهر هذا الربع وخُلد ذكره واسمه.
شركة الطيران بهذه الدولة أخذت هذه الظاهرة بالحسبان واستغلتها للترويج لدولتها ولزيادة الأرباح معا. فعمدت في العام 2012 على تحديد سعر التذاكر وفق وزن كل راكب. فكلما ارتفع الوزن، ارتفع السعر. لا أعرف إن كان الركاب هناك يصعدون على الميزان، أو يوضعون فوقه مثل أمتعتهم، قبل التوجه لشباك التذاكر، أم أن الأمر يقتصر على استعمال العين المجردة وأساليب القياس لتقدير الوزن، مادامت البدانة، عكس النحافة، لا تحتاج إلى كثير تدقيق.
الشركة فهمت الصعوبة التي يعانيها البدناء في الولوج إلى طائرات لم يراع تصميمها خصوصياتهم وأحجامهم، وأدركت حجم معاناتهم وهم يجتازون ممرات ضيقة ويتكومون على مقاعد أصغر من أجسامهم، لم تفصل، مثل ملابسهم، على مقاساتهم.
في هذا جانب إنساني وتجاري لا ضير ولا عيب فيه. ولكن فيه أيضا نقطة سوداء مهينة حين نتذكر تلك الحيوانات التي سمنت وأعدت للنحر، وتباع، وهي حية ترزق، بالكيلو. أي بالميزان.
فشكرا للبدانة التي زادتني علما، وعرفتني بدولة لم يكن لي علم بوجودها لولا ذلك الرقم القياسي العالمي الذي تملكه بفضل سكانها الأصحاء البدناء. والشكر أيضا ل’رفاهية الدواجن’ التي سلبت منا نشاطنا البدني وحركتنا العضلية، وعوضتنا عنهما بكم هائل من الشحم واللحم كنا نعتقد واهمين أنهما زائدان ومضران بالصحة، لنكتشف اليوم أنهما ثروة وطنية يمكن في يوم من الأيام، أن نحطم بها ذلك الرقم القياسي الذي تستأثر به دولة ساموا الصغيرة، بينما نُحرم منه نحن الذين نملك دولة شاسعة وواجهتين بحريتين وشمسا ساطعة طول السنة ومخزونا محترما من المواد الغذائية، التي فضلا عن كونها تغني من الجوع، تسمن وترفع وزن الجسم بمعدلات كبيرة.
ميلود بنباقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية