ريو دي جانيرو ـ «القدس العربي»: من تخلص من لعنة الآخر؟ السامبا أم استاد ماراكانا ؟… ربما يدور السؤال في أذهان الكثيرين داخل البرازيل وخارجها، لكن الإجابة لم تعد تشغلهم كثيرا بعدما شهد الاستاد العريق أخيرا انتصارا مهما وتتويجاً ذهبياً للسامبا.
وبعد أكثر من محاولة سابقة باءت بالفشل، شهد استاد «ماراكانا» الأسطوري والعريق أخيرا التتويج المهم والذهبي للمنتخب البرازيلي لكرة القدم بعدما تغلب راقصو السامبا على المنتخب الألماني 5/4 بركلات الترجيح الأسبوع الماضي في المباراة النهائية لمسابقة كرة القدم للرجال بدورة الألعاب الأولمبية (ريو دي جانيرو 2016).
وعندما سدل الستار يوم الأحد الماضي على فعاليات الأولمبياد من خلال حفل الختام، الذي أقيم في الاستاد ذاته، لم يخش المنظمون من هتافات وصافرات الاستهجان من الجماهير التي نالت جرعة المهدئ التي كانت بحاجة إليها منذ سنوات، حيث كانت هذه هي الذهبية الأولى لراقصي السامبا في مسابقة كرة القدم على مستوى الرجال والسيدات في دورات الألعاب الأولمبية. كما ثأر المنتخب البرازيلي لهزيمته المدوية 1/7 أمام المنتخب الألماني بالذات في المربع الذهبي لكأس العالم 2014 ليضرب ماراكانا بقوة طموحات المانشافت الذي توج عليه قبل عامين بلقب المونديال البرازيلي.
ومع كل مرة تطلع فيها البرازيليون إلى مشاهدة منتخب بلادهم يتوج بلقب كبير على استاد «ماراكانا»، كانت بلاد السامبا تتلقى صدمة كبيرة للدرجة التي أثارت الجدل بشأن هذا الاستاد وإذا كان مصدرا للتفاؤل والهيبة أم أنه أصبح مصدرا للتشاؤم والنحس على السامبا البرازيلية.
ويقف استاد «ماراكانا» شامخا في وسط مدينة ريو دي جانيرو، حيث يعتبره الجميع معبدا أو قلعة لكرة القدم منذ إنشائه في 1950. ومن خلف هذا الاستاد ، يقف تمثال المسيح الفادي أحد عجائب الدنيا والذي يفد إليه السائحون والزائرون من كل مكان في العالم. لكن الاستاد العريق الذي شهد العديد من التعديلات على شكله القديم خاصة في السنوات الأخيرة قبل استضافة كأس العالم 2014 بالبرازيل لم يشهد، قبل المباراة الاخيرة، أي تتويج للمنتخب البرازيلي في البطولات العالمية.
وبعدما فقد المنتخب البرازيلي الأول فرصتين سابقتين للتتويج بلقب كأس العالم على هذا الملعب، خشى البرازيليون أن تمتد هذه اللعنة إلى المنتخب الأولمبي ليضيع حلم التتويج بالميدالية الذهبية في ريو دي جانيرو 2016. وتضاعف القلق بعدما سقط المنتخب البرازيلي للسيدات على الملعب ذاته في المربع الذهبي للمسابقة النسائية وفشل في بلوغ النهائي الذي أقيم بنفس الاستاد أيضا، والذي توجت عليه سيدات ألمانيا باللقب والميدالية الذهبية بالفوز على السويد في النهائي.
وفي عام 1950 كانت الفرصة الأولى للاحتفال على استاد ماراكانا بأول لقب عالمي حيث كان المنتخب البرازيلي بحاجة إلى التعادل فقط مع منتخب أوروغواي ليتوج بلقب بطولة كأس العالم 1950 على أرضه، تبدد حلم اللقب العالمي الأول في تاريخ البرازيل بالخسارة أمام أوروغواي التي توجت وقتها باللقب للمرة الثانية. وبعد 64 عاما، كانت الفرصة سانحة أمام الفريق للتتويج بلقب عالمي على استاد «ماراكانا» من خلال بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل ولكن الحلم تبدد أيضا عندما لاح هذا الاستاد في الأفق. وخسر المنتخب البرازيلي 1/7 أمام نظيره الألماني في المربع الذهبي بمدينة بيلو هوريزونتي ليحرم من خوض النهائي على استاد «ماراكانا». وتجددت الفرصة أمام البرازيليين من خلال أولمبياد ريو ولكن الفريق أثار قلق أنصاره من إمكانية تكرار ما حدث في بطولتي كأس العالم 1950 و2014 حيث سقط في فخ التعادل السلبي في مباراتين متتاليتين أمام منتخبي جنوب أفريقيا والعراق قبل أن يفيق من غفوته ويحرز اللقب الغالي.
وفيما يرى البعض أن البرازيليين تخلصوا من لعنة «ماراكانا»، يبدو الوضع معكوسا لفئة أخرى من البرازيليين، ترى أن ماراكانا هو من تخلص من لعنة الإخفاقات البرازيلية لا سيما وأن راقصي السامبا أخفقوا في العديد من محاولاتهم أيضا للتتويج على ملاعب أخرى وبالتالي فإن السر لا يكمن في «ماراكانا». وكانت التعزية الوحيدة للبرازيليين في مونديال 2014 هي فوز المنتخب الألماني على نظيره الأرجنتيني في المباراة النهائية، حيث فشل منتخب التانغو الأرجنتيني الغريم اللدود للسامبا في الفوز باللقب على «ماراكانا». وسبق للدبلوماسي البرازيلي ماركوس دي أزامبوغا أن قال في 2014: «أعتقد أن الفوز فقط بكأس العالم في ماراكانا كان بإمكانه أن يصبح خير عزاء لنا على خسارتنا للبطولة منذ 64 عاما على الملعب ذاته». وكان أزامبوغا ضمن المتفرجين الذي شاهدوا خسارة البرازيل باللقب عام 1950 في المباراة الختامية أمام أوروغواي. واعترف أزامبوغا، الذي شغل منصب سفير البرازيل في الأرجنتين لسنوات عدة، أن فوز الأرجنتين باللقب سيكون «مأساة بلا حدود» للجماهير البرازيلية. ولكن ظل البديل الوحيد المطروح لدى أنصار السامبا، بعد الإخفاق في المونديال، هو الفوز بالميدالية الذهبية الأولمبية ليكون اللقب الأولمبي الأول بعد 12 محاولة باءت جميعها بالفشل رغم الوصول لنهائي المسابقة ثلاث مرات سابقة وكان أحدثها في لندن 2012 عندما خسر الفريق أمام نظيره المكسيكي في المباراة النهائية.
وقاد النجم الشهير نيمار المنتخب البرازيلي للفوز أخيرا بالذهبية بعدما سجل هدف فريقه الوحيد في المباراة التي انتهى وقتاها الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي وحسمت عن طريق ركلات الترجيح التي شهدت تسديد نيمار لركلة الترجيح الخامسة الحاسمة بعدما تصدى الحارس البرازيلي لركلة الترجيح الألمانية الخامسة التي سددها نيلز بيترسن. ومن المؤكد أن فوز الفريق بالذهبية هذه المرة لم يكن دفاعا عن سمعة الكرة البرازيلية فقط بعد ترنحها في السنوات الأخيرة ولكنه أصبح دفاعا أيضا عن سمعة «ماراكانا».
ويبقى ملعب ماراكانا دائما اسما مثيرا واسطوريا لكرة القدم فهو يعتبر أحد العلامات البارزة في البرازيل، ولكن تبدو معالمه القديمة قد تغيرت بشكل كبير بعد عمليات التحديث التي أجريت عليه من أجل استضافة مونديال 2014. وأوضح أزامبوغا: «ملعب ماراكانا قديما كان يثير الرهبة ليس بسبب معالمه القديمة ولكن بسبب منظر الجماهير المحتشدة في الملعب بكثافة والتي لم تكن توجد مسافة بينهم ولم يكن هناك سبيل للخروج أو الدخول». وأصبحت هذه الأجواء المروعة من الماضي بعدما تم تخفيض الطاقة الاستيعابية للملعب إلى 87 ألف متفرج، وباتت هناك مداخل آمنة وواسعة، وممرات نظيفة، وتغيرت غرف خلع الملابس التي أصبحت فاخرة فضلا عن وجود مناطق لكبار الشخصيات، كما باتت المقاعد مريحة وقابلة للطي».