من مدينة جدة السعودية دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الخميس إلى انهاء حرب اليمن، وطرح مقاربة جديدة لحل النزاع، في ختام زيارة إلى السعودية التي تقود منذ 17 شهرا تحالفا عربيا دعما للحكومة اليمنية ضد المتمردين.
وكيري تحدث عن تشكيل حكومة وطنية تضمن للحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح المشاركة في السلطة، مقابل انسحابهم من المناطق التي يسيطرون عليها خصوصا صنعاء، وتسليم أسلحتهم الثقيلة لطرف ثالث.
لم يحدد كيري من هو الطرف الثالث الذي يراد للحوثيين تسليم أسلحة الدولة التي نهبوها قبل سنة ونصف له.
يتحدث مراقبون عن احتمال تشكيل لجنة عسكرية من ضباط في الجيش اليمني ممن لم يشاركوا في المعارك العسكرية بعد غزو الحوثيين لصنعاء في ايلول/سبتمبر 2014، على أن يختار طرف الحكومة الشرعية من جهة والحوثيون وصالح من جهة أخرى عددا من الضباط بالمناصفة.
وقال كيري ان المشاركين في الاجتماع «وافقوا على مقاربة متجددة للمفاوضات» التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي علقت في السادس من آب/اغسطس بعد استمرارها زهاء ثلاثة أشهر دون تحقيق اختراق.
وتستند المقاربة إلى «مسارين أمني وسياسي يتقدمان بالتوازي لتوفير تسوية شاملة»، حسب كيري الذي أكد ان دول الخليج التي يشارك معظمها في التحالف، «وافقت بالاجماع على هذه المبادرة الجديدة».
وأوضح ان «الإطار العام» للمبادرة يشمل «تشكيلا سريعا لحكومة وحدة وطنية مع تشارك السلطة بين الأطراف»، و«انسحاب القوات من صنعاء ومناطق أساسية» في إشارة إلى خروج المتمردين من مناطق سيطرتهم لاسيما العاصمة التي سقطت في أيديهم منذ ايلول/سبتمبر 2014.
كما يدعو إلى «نقل كل الأسلحة الثقيلة بما فيها الصواريخ الباليستية وقواعد اطلاقها من الحوثيين والقوات المتحالفة معهم إلى طرف ثالث».
وشكلت مسألة الحكم نقطة تباين أساسية في مشاورات الكويت. ففي حين كانت الحكومة تطالب بانسحاب المتمردين وتسليم أسلحتهم قبل أي خطوة سياسية، كان هؤلاء يطالبون بتشكيل حكومة وطنية تتولى الاشراف على الإجراءات التنفيذية.
وقدم المبعوث الدولي في نهاية المشاورات، اقتراح اتفاق وافقت عليه الحكومة ورفضه المتمردون، لم يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأوضح كيري ان ولد الشيخ احمد سيبدأ «فورا» استشارات مع المعنيين بالنزاع «لوضع التفاصيل النهائية لهذه المقاربة» التي قال انها توفر «للحوثيين فرصة للثقة بهيكلية الحكومة التي سيتم تشكيلها»، و«مشاركة في الحكم مقابل انهاء العنف والقاء السلاح». لم يصدر عن الحكومة الشرعية أو الحوثيين وصالح أي موقف رسمي حتى هذه اللحظة إزاء هذه الخطة، عدا عن تصريحات لمسؤول حكومي قال فيها لـ «القدس العربي» في وقت سابق إن «الحكومة ستتعاطى مع الأفكار الجديدة بشكل إيجابي».
وتقوم الخطة الجديدة التي لا تزال في طور العموميات على أساس من خطة المبعوث الأمني العام للأمم المتحدة إلى اليمن التي اقترحها أثناء محادثات الكويت بين المتمردين والحكومة اليمنية، والتي انتهت إلى الفشل قبل أيام.
الجديد الذي تطرحه هذه الأفكار هو انها ألغت «التراتبية الزمنية» الواردة في القرار الدولي 2216 الخاص باليمن والذي ينص على تسليم الحوثيين لأسلحة الدولة، وسحب الميليشيات من العاصمة والمدن الأخرى، وتشكيل لجان أمنية وعسكرية وتشكيل حكومة، بالترتيب الزمني.
غير ان الأفكار التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تخطت هذه «التراتبية الزمنية»، فيما يبدو، وهي القضية التي طرحت أصلاً في خطة إسماعيل ولد الشيخ المذكورة، والتي وافقت عليها الحكومة اليمنية، ورفضها وفد المتمردين في الكويت.
واشنطن تنظر إلى اليمن من زاوية أمنية خالصة، وترى في طول فترة الحرب فرصة لتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الأخرى للتوسع والانتشار، بسبب انشغال القوات الحكومية مدعومة بقوات التحالف بالحرب على المتمردين الحوثيين، الذين لا يبدو ان واشنطن ترى فيهم تهديداً لأمنها أو مصالحها في المنطقة.
لهذا ترى واشنطن ضرورة انهاء الحرب بتسوية سياسية تضمن شراكة الحوثيين في الحكومة المزمع تشكيلها فيما لو تم التوافق على الأفكار الأمريكية المطروحة.
من وجهة نظر الأمريكيين، يجب تذليل كل العقبات في سبيل انهاء الحرب، ويرى الأمريكيون ان طهران تلعب دوراً سلبياً إزاء استمرار المعارك، وذلك بتزويد طهران للحوثيين بالسلاح والصواريخ البالستية التي اتهمت واشنطن طهران بتزويد الحوثيين بها مؤخراً، حيث أطلق الحوثيون عدداً منها صوب الأراضي السعودية، واعترضتها منظومة صواريخ باتريوت في الأجواء اليمنية أو السعودية.
وترى واشنطن ان تزويد إيران للحوثيين بالسلاح، وخاصة الصواريخ البالستية يعد تصعيداً خطيراً إن من جهة خرق الحظر المفروض على طهران في تصدير السلاح، وإن من جهة خطورة تسليم هذه الصواريخ من قبل الإيرانيين لحلفائهم الحوثيين في اليمن، والذين استهدفوا مؤخراً الأراضي السعودية بعدد من صواريخ «زلزال 3» الإيرانية الصنع.
وحذر كيري طهران من مواصلة تزويد المتمردين بالسلاح خصوصا الثقيل، في وقت طالبت الأمم المتحدة بتحقيق دولي حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن من قبل مختلف أطراف النزاع.
وقال «التهديد الذي يشكله ارسال الصواريخ وغيرها من الأسلحة المتطورة إلى اليمن من قبل إيران، يمتد أبعد من اليمن بكثير، وهو ليس فقط تهديدا للمملكة العربية السعودية والمنطقة فقط». وأضاف «هو تهديد للولايات المتحدة ولا يمكن ان يستمر».
مؤكداً على ان حل النزاع يجب ان «يحمي حقوق وسيادة السعودية».
السبيل الوحيد من وجهة نظر واشنطن لإنهاء الصراع هو العودة للمفاوضات. وقال كيري في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير في جدة «يجب ان تنتهي هذه الحرب وان تنتهي في أسرع ما يمكن، لتبدأ مراحل الحل السلمي عن طريق المفاوضات».
وهنا تجب الإشارة إلى ان الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها يرون ان الحوثيين تزودوا مؤخراً بالصواريخ بعيدة المدى مستغلين فترة الهدوء التي شهدتها جبهات القتال أثناء المفاوضات، ومن هنا تأتي الاتهامات للمتمردين بانهم يستغلون فترة المحادثات للتزود بالسلاح، ولإعادة رص الصفوف. فيما يقول الحوثيون إن حكومة هادي تسعى إلى عرقلة المحادثات من أجل إطالة أمد الحرب وفرض حل تعجيزي على الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
سيبدأ ولد الشيخ سلسلة مشاورات للعودة للمحادثات، ولكن يظل السؤال المعلق: هل ستفضي الجولة المقبلة من المحادثات إلى حل، وهل ستنجح الأفكار الجديدة التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي يوم الخميس الماضي في جدة أثناء مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير، هل ستنجح في عودة السلام إلى البلاد التي مزقتها الحرب على مدى سنوات طويلة قبل دخول الحوثيين صنعاء، وقبل ذلك بوقت طويل؟
محمد جميح