جدوى «التشكيك» بالمؤسسات الأردنية

لا توجد مصلحة من أي نوع وفي اي وقت من الاسترسال في التشكيك بمؤسسات الأردنيين خصوصا إذا كان التشكيك يتم تقديمه على هيئة «تقييم» مضلل وبدعوى الحرص على المصالح الوطنية ومن خلال أدوات ورموز وتعليقات تنخر في جسد المؤسسات والوطن أكثر بكثير مما تصلح.
رواج ثقافة التشكيك خصوصا على هامش الحملات الانتخابية انتقل مؤخرا إلى مستويات غير مألوفة ومضرة جدا في الإيقاع العام.
وهو رواج بكل الأحوال يتغذى على الشائعات والتكهنات طوال الوقت خصوصا تلك التي يروجها المنزعجون او الغاضبون أو الفاقدون لمواقعهم المتقدمة في المؤسسات نفسها حيث لا يعترف كثيرون في بلادنا بفكرة «التقاعد» وأن الإنسان الطبيعي سواء أكان مدنيا ام عسكريا ينبغي ان يتقاعد عن الواجهة او يغادرها في مرحلة ما.
كما يتسم التشكيك بالأخطاء المكررة التي لا تعالج وبالممارسات الغامضة الغريبة على مستوى السياسات العامة والإجرائية خصوصا تلك غير المعهودة.
يوجد «قصور» في الكثير من نواحي الإدارة العامة..نعم صحيح..توجد أنماط من الفساد..نعم صحيح..حصلت أخطاء ولا تنشط الرقابة ..نعم صحيح ولا تقوم حلقات وسيطة بدورها وواجبها نعم صحيح جدا.
لكن كل ذلك لا يعني الجلوس العبثي المسترخي في منطقة التشكيك بقدرات وطاقات وأهداف المؤسسة العامة حيث توجد العشرات من قصص النجاح ونقيض التقصير وثمة موظفون وطنيون مخلصون يعملون بإحساس رفيع بالمسؤولية وبدون ضجيج أو إثارة او «تمصلح».
انا شخصيا صحافي نقدي وأركز على السلبيات في تغطياتي لكن لا اتلمس اي مصلحة خصوصا في هذا التوقيت الحرج والحساس إقليميا وأمنيا وسياسيا من وراء إطالة الجلوس فقط وراء مقعد التشكيك والمساس بهيبة مؤسسات الدولة بصرف النظر عن اي اعتبارات إعلامية او سياسية.
الأردنيون جميعا وبمختلف تكويناتهم الإجتماعية بنوا مؤسساتهم بالعرق والدم والتضحيات ورغم ان بعض هذه المؤسسات في التقييم العام تراجع مؤخرا إلا ان اغلبية القطاعات كانت ولا تزال مدرسة كبيرة في الإنجاز والتطوير والإدارة الواعية نقلت وتم تصديرها خصوصا لدول شقيقة في الخليج العربي.
تصويب الأخطاء والعمل على الإصلاح وبهدوء وإحترام وبدون تشكيك وإتهام وتخوين وتكفير هو البديل المسؤول عن فوضى التشكيك وعبثية العشوائية في التحليل والارتجال في الاساءة لا لسبب محدد او منطقي.
خيارات النخب المعهودة بالمقابل لا تساعد الايجابيين في التصدي لحملات التشكيك الدائمة التي تستوطن الضمير الجمعي واستمرار أزمة الأدوات في الحكم والإدارة يعني ان التشكيك يجد ارضا خصبة في كل الأحوال ينشأ ويترعرع فيها.
نعم واجب الجميع العمل بكفاءة على إزالة كل مظاهر التشكيك والتطلع للمستقبل دون إنكار أو مبالغات وتهويلات فالوقائع التي تؤشر على مظاهر الخلل والقصور تقابلها الحقائق التي تؤكد بان المؤسسات الوطنية الأردنية بمختلف تصنيفاتها هي التي كسرت موجة الفوضى التي رافقت الربيع العربي في دول الجوار وعلى حدود التراب الأردني.
برزت ثغرات ونتأمل تسريعا في الإصلاح الحقيقي والعميق والجذري ويوجد دجل وتضليل للقيادة وللشعب وتباطؤ في بعض الأحيان.
لكن الواقع يقول ان عمان بصرف النظر عن ملاحظات أي منا النقدية على خطابها السياسي نجحت في احتواء موجات وارتدادات الفوضى المجاورة والحرب والانقسام والصراع الأهلي في اكثر من بلد مجاور بكفاءة بل بعبقرية في بعض الأحيان.
هذا النجاح لم يكن ممكنا لولا وجود مؤسسات مسؤولة وثقيلة وعميقة كان لها على الأرجح الدور الأبرز مع وعي المواطن الأردني وخبرة القيادة في حماية الاستقرار العام في الأردن وتشكل حتى اللحظة حزام الأمان الأساسي لتوفير غطاء الاستقرار لكل الأردنيين.
الأردنيون بصرف النظر عن الخلافات السياسية شعب تجاوز دوما سؤال الشرعية ولهم جميعا مصلحة مباشرة ببقاء مؤسساتهم قوية وصلبة ومستحكمة ويؤمنون بدولتهم ويحرسونها وتلك قيمة اجتماعية ثقافية سلوكية بالنسبة للغالبية الساحقة من المواطنين.
الخوف الوحيد على الدولة والقانون والنظام ليس من الشارع والشعب إنما من الذين يتحدثون بإسم الطرفين احيانا ويضللون الجميع ويؤسسون لمصالحهم فقط على حساب مصالح الناس والدولة ويجمعون رصيدهم الذاتي ويجازفون برصيد المملكة والقصر في وجدان وقلوب الناس ويحترفون النميمة والتخويف ويدافعون عن الأخطاء.
لن تجد أردنيا واحدا يجازف بالاستقرار العام في الأردن او يقف ضد المؤسسات لكن يمكنك ان تجد مسؤولين هواة او بيروقراطيين عنيدين او نخبا لئيمة ومزاودة تتلاعب بكل تلك القيم النبيلة التي يجمع عليها الأردنيون.
اثق بما يقوله صديق سفير بان أبرز مشاكلنا اليوم في عمان ـ والحمدلله ـ هي الازدحام ومخالفات السير وارتفاع الأسعار فيما لا تجد عواصم بالجوار ليلة واحدة هنيئة بدون دم أو قتل أو تدمير لا سمح الله.
ولا يعني ذلك عدم الإقرار بان موجات ارتفاع الأسعار غير مبررة والمشكلات المالية تحل على حساب المواطن وتوجد كوارث في التخطيط الإقتصادي بالماضي.
لكن تلك مشكلات لا تقارن بالاخرى في الجوار حيث تسهر المدن ليلها الطويل المضجر والمفتوح على كل الاحتمالات ولا تنام الأعين على حد تعبير الصديق المحترم سعد هايل السرور.
المؤسسات الأردنية تستحق الاحترام ولا جدوى من التشكيك فيها والأفضل للجميع مساعدتها بالمشورة الوطنية والرأي السديد والنصح النقي.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

جدوى «التشكيك» بالمؤسسات الأردنية

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الاردن:

    *يا عمي بارك الله ف الاردن ومؤسساته
    وحفظه من الأشرار والحاقدين والفاسدين.
    * لكن ع الحكومة محاربة ( الفساد)
    والواسطة والمحسوبية..؟؟؟
    * ع الحكومة محاربة ( الغلاء )
    * راتب الموظف يتراوح بين ( 200- 400)
    وبالعافية يكفي لنصف شهر بسبب الغلاء
    الله يكون بعون المواطن ..
    سلام

  2. يقول نزار الرماضين:

    كلام جميل
    صحيح الوطن بحاجة لتكاتف الجميع وللهدوء والنقد البناء
    أتمنى دوام الأمن للأردن ولكل العالم
    أتمنى من حكوماتنا ايضا ان تحارب الفساد والمحسوبية بصدق
    لان هذا من شأنه تعزيز الانتماء وحب الوطن

  3. يقول سامي عباس - الاردن:

    كلام مسؤول يستحق الاحترام

  4. يقول aiman:

    حكوماتنا ان تحارب الفساد والمحسوبية it’s like shoot yourself in the foot

إشترك في قائمتنا البريدية