لا أعرف في عالم السياسة وخريطة الانتخاب الكونية سببا يدعو مرشحا لدفع ثلاثة ملايين دينار على الأقل في حملته الانتخابية حتى يعود لواجهة البرلمان ثم يتحف المواطنين والدولة بنشاط واحد فقط طوال عمر البرلمان الذي شارك فيه يتمثل في إطلاق بالونات وحمل كيكة بمناسبة عيد ميلاد الملك.
ولا اعرف بالمقابل سببا من اي نوع يدفع مرشحا بائسا لتقديم أطباق المنسف الشهيرة وبقيمة ربع مليون دينار عند افتتاح مقره الانتخابي.
شخصيا أشاهد بعيني أكلة المناسف وهم يتجولون بين المقرات الانتخابية طمعا في التسلية والطعام والحلويات في حملة تضليل شعبية عارمة تسمح بها ثقافة الانتخاب عند المواطن الأردني.
وعلى سيرة المناسف يمكنني تخيل حوار داخلي بين خراف البلدية والمستوردة الأردنية تعبر فيه عن انزعاجها من كثرة حل البرلمان قبل وقته لأنها تدفع ثمن كل انتخابات داخلية أكثر وقبل غيرها.
زميل ساخر كتب متعاطفا مع الخراف لأنها تواجه معركتين بالتزامن : موسم إفتتاح المقرات الانتخابية وعيد الأضحى.
لو امتلكت خمس او سدس هذه المبالغ ـ لا سمح الله- لقضيت سنواتي متجولا ومستمتعا خصوصا مع عدم وجود دسم حقيقي في البرلمان الأردني حتى لا أقول دورا حقيقيا يستحق دسم التشريب على المناسف.
جارتنا أم العبد تحتفل بعيد ميلاد جلالة الملك وأزعم مسبقا بان القصر الملكي في بلادي لا تعجبه ولا تثيره كل محاولات النفاق غير المنتجة.
بكل الأحوال لا تقل هجمة أصحاب رأس المال ومن يحملون لقب مليونير في الأردن على مقاعد البرلمان خشونة وهوسا عن هجمة المعارضة وبعض المستوزرين.
افهم أن تهاجم المعارضة الانتخابات بقسوة للحفاظ على نفسها في مواجهة الاستهداف الأمني والحكومي.
لكن لا أفهم لماذا يتقدم الصفوف طبقة من رجال المال وأصحاب المال رغم ضحالة ثقافتهم السياسية وندرة مواهبهم في التشريع والرقابة.
لعلها تلك المفارقات التي تدفع جهات في الدولة لتفضيل التعامل مع رجل أعمال او مقاول طامح في تعويض خسارته الانتخابية المالية من خلال مصالح سيمررها عبر موقعه البرلماني ففي تحقيق سابق تبين أن أحد المشاريع التي أمر بها الملك لإسكان الضعفاء والفقراء أحيلت لأربعة من ممثلي الشعب وبأسعار غير لائقة.
علي أن افترض هنا ببساطة أن رجل اعمال متمرسا في «حلب النملة» كما يقال في المثل الشعبي تعبيرا عن شدة بخله يطمح بالجلوس على مقعد التشريع يدفع قرشا سيكون واثقا من تعويضه بعشرة أمثال.
يعني المسألة إستثمار في الوقت الذي تصرخ فيه كل أجهزة الدولة بعالي الصوت ضد المال السياسي وتأثيره على الانتخابات بمعنى ان رجال الأعمال عمليا لا يفيدون الناس والمجتمع ولا حتى النظام من خلال مشاركتهم الفاعلة في الانتخابات بقدر ما يستثمرون ماليا.
من يدفع الثمن هنا هو النظام والتشريع والدستور والقانون والمواطن.
وثمة ما لا ينتبه له الكثيرون ففي الانتخابات اليوم قوتان لا ثالث لهما ..الإخوان المسلمون ومن يحملون لقب مليونير.
خلال عملية التشريع ستحتاج الحكومات دوما لخدمات خاصة في مواجهة المعارضة المسيسة ومن سيتنطح لتقديم هذه الخدمات هم نواب المال ولا يفعلون ذلك دون مقابل.
يقول خبير أثق به من رجال الدولة لي شخصيا: «إسترضاء» نواب المال وطبقة رجال الأعمال في البرلمان الوشيك سيكون مهمة صعبة ومعقدة ومفعمة بإبتزاز الدولة في مواجهة الإخوان المسلمين وهذا الإسترضاء بسبب الحاجة للنواب في التصويت فقط سيكلف الخزينة والوزراء كثيرا لأن رجل الأعمال يتاجر بالسياسة والانتخابات ولا يتقدم لإنفاق الوقت في اجتماعات البرلمان مجانا على أساس أن قضاء الوقت في شركته أو تجارته انفع له بكل الأحوال.
إبتزاز طبقة رجال المال والأعمال لحكومات المستقبل في البرلمان الأردني سيكون التحدي الأكبر من التفاعل مع الإخوان المسلمين فالمعارضة المسيسة آخر النهار يمكن الوصول معها لتسوية سياسية وطنية اما رجل الأعمال الذي يدعي أنه يمثل الناس فلن يقبل بأقل من مضاعفة الأسعار وابتزاز العطاءات والمقاولات.
شاهدنا أمثلة على ذلك في الدورة الماضية حيث تم توظيف كل مساحات الدستور من الأسئلة للاستجواب لغيره من الآليات ضد وزراء بعينهم لتحقيق مصالح خلفية في الإنشاء او قطاع المياه.
وهذا الموسم ستتضاعف القدرة الابتزازية عند نواب المال لسبب آخر وهو تدخل جهات متعددة في القرار لمنع ترشح العديد من الشخصيات السياسية والوطنية الثقيلة المضادة للمعارضة.
بصفتي مواطنا أردنيا أفضل ان ينشغل اي رجل اعمال او مالك مال بعمله والاستثمار وتوسيع التنمية الإقتصادية بإحساس من الوطنية على ان تترك مواقع التشريع لمن يملكون اصلا أبجديات الثقافة السياسية والدستورية.
ليس لائقا إطلاقا للدولة ان تتدخل لصالح رجل أعمال لا يفك الخط السياسي وواجبه يقتصر على توفير تذاكر سفر مجانية للنخب او إطلاق بالونات تحت القبة او تزبيط عطاءات هنا وهناك خلف الستارة.
يبلغني صديق مقرب جدا ان عائلته فوجئت عندما فقدت عزيزا فقيرا بمجموعة تدخل سريع تتبع احد مليونيرات الانتخابات لإقامة بيت عزاء من فئة النجوم الخمس في منطقة جبل الحسين في العاصمة عمان.
فوجئ اهل الميت بمستوى وحجم الكراسي والخيمة والطعام في حيهم الفقير حتى ان المرشح ارسل خدمة الـ «فاليت» اي خدمة السيارات التي لم تشتغل اصلا بسبب عدم وجود مواطنين يشاركون في العزاء ويمتلكون سيارات اصلا.
المعنى هنا واضح..المرشح المليونير يقول للناخبين «موتوا براحتكم» خلال الحملة الانتخابية فالتشييع ومراسم العزاء على حسابه وبأغلى طراز…تعددت اساليب النصب الانتخابي والموت واحد.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
للأسف الشديد أن هذا هو واقع الحال المؤلم وقد شخصه الكاتب الاستاذ بسام بدارين بدون محسنات وبدون تحلية
التحليل منطقي ويوصف واقع الحال في ضل هذا القانون الذي اضاف مدماك آخر في شرعنة المال السياسي ، الذي لم يعد يقتصر على الناخبين بل تعداه الى المرشحين (الحشوات ) واستغلال حاجة المواطن الذي لم يعد يثق في مجلس النواب من خلال الدورات السابقه .
الأردن… الانتخابات التشريعية استثمار لرجال الأعمال…..نعم صحيح….. ماورد في مقال بسّام البدرين يصف بدقه حال الإنتخابات في الأردن وحال البرلمان الذي سيولد من تلك الإنتخابات….