تتنازع العالم العربي اليوم عدة أصوات وعدة توجهات وعدة مصائر أخشى ما نخشاه أن يكون صوت الجنون فيها أعلى من صوت العقل وتوجهات الهاوية فيها أوضح من توجه الجادة ومصائر الهلاك اقرب من مصير السلامة. فليس الواقع في مصر ولا في تونس أو ليبيا ولبنان والاطراف النائمة أو المتظاهرة بالنوم باحسن من الواقع في سوريا إلا إذا استخدمنا النسبية بكثير من الإسراف. كما ان ليس ما يجري اليوم من جرائم فادحة في حق الشعب السوري وغيلة أطفال بلاد الشام نهارا جهارا على رؤوس الأشهاد وتطاير لحمهم حيا من الشاشات إلا صورة كافرة مكررة لما جرى ويجري على ارض العراق منذ الحرب الأمريكية على العراق. وليس كل هذا النفخ الطائفي والسعار المذهبي والإحتراب التعصبي بين أفراد الأسرة الواحدة من منافذ الوتسآب إلى الحواري والازقة والزنقات بما يرافقه ويتقدمه ويزيد عليه من تشظي جغرافي وسياسي إلا إعادة إنتاج لمصائر التخلف لن تفاجئنا كما فاجأت آباءنا وأجدادنا صحيفة البرافدا السوفيتية قبل مايقارب قرن من الزمان بتقسيم الوطن العربي بين قوى الهيمنة آنذاك.
وفي قلب هذا الوضع الخطير تتنازعنا اليوم تجاه ما يجري عدة مواقف أخشى ما يخشى منها أن يكون موقف الجبن فيها أعم من موقف الشجاعة، وموقف التهاون والهوان أقوى من موقف الكرامة والإهتمام. وتتعمق الخشية حين يتحول الواقع والمواقف إلى حالة من التشتت بين الضبابية الضائعة والتعصبات العمياء والإنكفاءات الكسيحة والتخبط بين إدعاء الحياد والتورط الإدماني أو المجاني. هذا فيما تندر مع ما يلحق بها من تندر وتبدد ونبذ تلك المواقف المبدأية القادرة أو على الأقل التي تملك شرف محاولة إضاءة شمعة العقل والضمير بدل الولوغ في مختلف مزالق الظلام.
وفي هذا نكاد ننسى أنه عندما أطل الربيع العربي قبل عامين كان حلم المواطن العادي الذي لم يكن قد جرب أي معنى للمواطنة منذ تأسيس ماسمى بالدولة الوطنية المعاصرة إلا الطاعة العمياء والمشي منحنيا بمحاذات الجدار, حلما إنسانيا بسيطا وهو الخروج على حالة التخلف الاجتماعي والبؤس الحضاري والتحنط السياسي التي جعلت الوطن مقابر مطبقة على أصحاب الحق فيه وأرضا مشاعا لأصحاب المطامع من القوى المحلية والخارجية معا. فكيف تحول حلم المواطن بالحرية والكرامة واللقمة النظيفة الحلال واستقلال الأوطان إلى هذا الكابوس المرعب الذي أصبحنا نعيشه في الليل والنهار وكأن المقصود بالمصحات العقلية التي تناولها فوكو ليفكك تركيبة الهيمنة الرأسمالية هي أوطان بأكملها وليس مجرد المؤسسة السياسية المسيطرة. والسؤال الذي يغيب بذهول العقل مما يجري وصدمة الضمير هو لماذا وبمن ولصالح من يتحول الحلم البسيط بالحرية إلى كابوس بواح يهدد بتدمير كل شيء بداية بتدمير حلم الحرية نفسه ونهاية بتحطيم الإنسان الذي تجرأ على هذا الحلم البسيط والذهاب بعيدا إلى محو الأوطان التي أجترح الحلم من أجلها. هل خاننا الحلم أم خاننا التأويل أو خانتنا الفراسة أم نحن من خان الحلم بقلة الصبر على تجربة التحول من الحلم إلى الحقيقة ومن الخضوع المطلق إلى الحرية ؟!
ليس المقصود بالسؤال البحث عن إجابات تبتاع الوقت للإستمرار في جنون الحاضر بمقارنات تاريخية خاطئة وخارج السياقات والانساق للثورة الفرنسية او الثورة الروسية. كما ليس المقصود بالسؤال إستعارة اجوبة جاهزة كتلك التي تقول بأننا شعوب مقموعة لا تعرف كيف تتعلم تجربة الحرية او بأن المنطقة لا تحتاج إلى حكم ديموقراطي بل إلى حكم المستبد العادل (لوكان هذا التنويع الميكافلي ممكنا) او تلك التي تنحي باللائمة على هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع السياسي والايديولوجي على السلطة. فكل المتصارعين على السلطة اليوم كما المثال المصري لايستطيعون أن يخفوا أظلاف الذئب وأنياب الضباع مهما نتفوا من ريش الشعب أو نسلوا من وبر الغزلان ليغطوا سوءات شهواتهم في الإستفراد السياسي بالسلطة. إنما المقصود بالسؤال محاولة الحفاظ على شعرة عقل في لحظة نسقط فيها إلى حالة غير مسبوقة من صلع الجنون كما أن المقصود شرعنة السؤال بعد أن صرنا لا نعيش إلا تحريم الأسئلة حيث لكل فريق من فرقاء التناحر مفتيه ومطبليه وأزلامه وقتلته وقواه الخارجية ومثاله التاريخي، أما الضحايا فهي المشترك الشعبي الوحيد في الاوطان المختطفة. ونختم هذا المقال المقدود من قلق العقل والضمير بسؤال اليس من شعب رشيد يوقف جنون الصراع السياسي بمايحمله من خطر التعصب والتقسيم والمحو بأيدينا وأيدي سوانا معا؟
‘ كاتبة من المملكة العربية السعودية
احسنتی احسنت یا اختی الجلیله …لما الانسان یسمع و یشاهد بعض الحواد ث ول افکا ر المتحجره یشک انهو فی ای مکان و زما ن یعیش سفک الد ما .قتل مروع.تمثیل به جثت اخ الانسا ن ( العربی المسلم)
شكرا على هذه الاضاءة التي اتمنى على من قراْ هذا المقال الاخذ بها
المشكلة انه عدا عن تمسك كل منا بما يراه حزبه او تنظيمه سواءا كان دينيا اوقوميا او حتى عشيرته ولكن ان لا احد من هؤلاء لديه برنامج او مشوع لاادارة مناحي الحياة فهي ايدولوجيات