لندن ـ ‘القدس العربي’ قال محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام واحد رموز المعارضة المصري انه عمل جاهدا من اجل اقناع القوى الاخرى للمساعدة في الاطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي عزله الجيش المصري في انقلاب ‘ناعم’ يوم الاربعاء الماضي.
وقال في تصريحات لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ الامريكية انه تحادث في مكالمة طويلة مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري في يوم الانقلاب وكذا مع الليدي اشتون، مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي من اجل اقناعهم ان تنحية الرئيس محمد مرسي عن السلطة اصبحت ضرورة حتى تبدأ عملية التحول الديمقراطي وتشكيل حكومة ممثلة.
ويرى البرادعي ان خروج الملايين للشوارع لم يترك امام المعارضة الا ‘الخيار الاخير المؤلم’.
وقال انهم لم يدع الى التدخل ولكن الشعب باقدامه في ميدان التحرير هو الذي دعا ‘وبحسب تقديري لم يكن امامنا الانتظار لاسبوع واحد’. مضيفا ‘لقد خسرنا عامين ونصف’.
ودافع البرادعي عن اعتقال مرسي والاعتقالات التي طالت رموز حركة الاخوان المسلمين واغلاق مؤسسات اعلامية تابعة لها وللجماعات الاسلامية اخرى حيث قال ان ‘رجال الامن على ما يبدو خائفين، لقد حدث زلزال كبير ولا بد التأكد من معرفة اثار الهزة والسيطرة عليها’.
واضاف البرادعي ان ما يقوم به الامن هو عبارة عن ‘اجراءات احترازية لمنع وقوع العنف، حسنا، اعتقد ان هذا امر يجب عليه عمله كاجراءات امنية’. ولكنه وضح قائلا ‘يجب ان لا يتم اعتقال او احتجاز اي شخص بدون اية تهمة واضحة، ويجب التحقيق فيها من النائب العام والمحاكم المعتبرة’.
وقالت الصحيفة ان دور البرادعي في الحكومة الانتقالية غير واضح ومع ذلك تعهد بان اي شخص لن تتم ملاحقته واعتقاله ‘بدون امر من النائب العام، وكون الشخص عضوا في الاخوان المسلمين ليس جريمة’.
علقوا المساعدات
وعلى الرغم من تصريحات البرادعي وممثلي المعارضة الا ان المخاوف لا زالت قائمة من انقلاب العسكر، فقد دعت صحيفة ‘واشنطن بوست’ في افتتاحيتها الادارة الامريكية باراك اوباما تعليق الدعم السنوي للجيش المصري وقيمته 1.3 مليار دولار، حيث قالت ان الادارة التي لم تشجب تجاوزات الرئيس المعزول محمد مرسي وفشلت في الوقت نفسه بشجب ‘التدخل’ العسكري في الديمقراطية المصرية.
والاسباب التي تدعو الصحيفة لهذه الدعوة هي انها ترى باحداث الاربعاء الماضي انقلابا عسكريا واضحا على رئيس منتخب بنسبة 51 بالمئة من اصوات الشعب المصري، وعلى دستور تم التصويت عليه باقتراع شعبي، مضيفة الى ان العشرات من قادة الاخوان المسلمين اعتقلوا فيما تم اغلاق العديد من مؤسساتهم الاعلامية.
وتقول الصحيفة ان البعض في داخل الادارة الامريكية قد يعمل على تجنب خطوة تعليق الدعم نظرا للدور الذي يلعبه الجيش المصري كضامن وحام للمعاهدة المصرية – الاسرائيلية. ولكن تعليق الدعم يعتبر بمثابة تحقيق لجوهر السياسة الخارجية الامريكية التي عبر عنها اوباما يوم الاربعاء وهو ‘التأكد من اعادة الديمقراطية وبشكل دائم’. وذكرت الصحيفة بتاريخ المؤسسة العسكرية القريب مع الثورة المصرية حيث وعدت بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير -2011 بانتخابات سريعة كما وعد الجنرال عبد الفتاح السيسي يوم الاربعاء وضمان الحقوق الديمقراطية للمصريين، ولم يفعلوا ايا من هذا، حيث مارس الجنرالات القمع ضد دعاة الديمقراطية في مصر الذين كانوا من معارضي حسني مبارك، وحبس الصحافيون والناشطون حيث قدموا لمحاكم عسكرية، وتم تأجيل موعد الانتخابات اكثر من مرة، واستهدفت مؤسسات المجتمع المدني بما فيها منظمات غير حكومية كان يعمل فيها امريكيون.
وفي الوقت نفسه طالب الجنرالات بالحفاظ على حقوقهم وعدم تعرضهم للمساءلة وميزانيتهم للتدقيق. ومن هنا تدعو الصحيفة الادارة الامريكية التأكيد للجنرالات ان لا دعم سيصل للنظام المصري الجديد المدعوم من الجيش طالما لم تستعد الديمقراطية وباسرع وقت.
شمل الجميع
ودعت الصحيفة ايضا الى استيعاب جميع القوى السياسية في الانتخابات بمن فيها الاخوان المسلمون الذين طالبت باطلاق سراح قادتها ومنهم محمد مرسي.
وهذا يعني السماح للتجمعات والاعلام الحر بما في ذلك المؤسسات الاعلامية الاسلامية التي اغلقت. وقالت ان اي تعديل على الدستور يجب ان يكون نتيجة اجماع بين القوى السياسية وبدون املاءات من الجيش. وقالت انه يجب ان تكون هناك جداول زمنية واضحة للانتخابات البرلمانية والرئاسية.وقالت انه لو لم تتدخل القوات المسلحة لكان الاخوان المسلمون قد انهزموا في صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية التي كانت ستعقد في الاشهر القادمة. وحذرت قائلة ان هذا الانقلاب سيعطي الذريعة للجماعات الاسلامية المتطرفة للجوء الى العنف وسيقويها.
ومن هنا دعت الصحيفة العمل على تجنب وقوع الحليف العربي الاقوى لها في حرب اهلية او تقع في يد ديكتاتورية جديدة.
وحتى يتحقق هذا فعلى الادارة الامريكية التخلي عن موقفها السلبي وتستخدم الاوراق التي بيدها للتأثير خاصة الدعم السنوي حتى تتأكد من حصول التحول الديمقراطي.
منعطف جديد
ودعت صحيفة ‘ديلي تلغراف’ الى نفس ما دعت اليه صحيفة ‘واشنطن بوست’وهو تعليق الدعم الامريكي للنظام الجديد لان القانون الامريكي يحظر على الادارة دعم نظام دولة جاء للسلطة عبر العسكر.
وعلقت على ما قاله وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ امام جمع من مجلس الشرق الاوسط في حزب المحافظين حول احداث مصر’التغير الديمقراطي هو عملية وليس حدثا’، ان التاريخ اثبت صحة كلامه حيث اخذت الثورة التي اطاحت بحسني مبارك 2011 منعطفا جديدا واطاحت بمحمد مرسي الذي انتخب بطريقة ديمقراطية من اجل تحويل مصر الى جمهورية اسلامية بدلا من العمل على معالجة مشاكلها الاقتصادية وبناء مؤسسات علمانية ومدنية.
وقالت ان مرسي استخدم مركزه والتفويض الشعبي الذي حصل عليه للدفع باتجاه دستوري اصولي في الوقت الذي كانت تعيش فيه البلاد حالة من الفوضى وانعدام الامن مما ادى لتدخل الجيش بذريعة استعادة الثورة من الرئيس المنتخب.
خطوة للوراء
وفي افتتاحيته قالت ‘اندبندنت’ انه لم يكد يمضي عام على انتخاب الرئيس المصري محمد مرسي حتى تمت الاطاحة به من العسكر بناء على امر من العامة. وتقول ان الفرحة العارمة وترحيب الليبراليين وفلول النظام السابق الذين تأثروا من حكم الاخوان لا يعفي حقيقة ان ما حدث كان انقلابا عسكريا. وتعترف الصحيفة ان عام مرسي كان حافلا بالمشاكل، والنجاحات الاولية التي حققها بوقف الحرب في غزة، والتخلص من العسكر غطت عليها الكثير من الاخطاء.
فما كانت مصر بحاجة اليه رجل تصالح بكل ما تحمله الكلمة من معنى، للتصالح مع عدد كبير من القوى التي تحالفت عليه.
وبدلا من ذلك قرر مرسي قتالها حيث خسر الكثير من الحلفاء غير الاسلاميين، ورافق هذه المعارك قرارات خاطئة مثل الاعلان الدستوري، اضافة لتعيينه الكثير من مؤيدي الاخوان في مواقع القرار المركزية.
وترى ان مرسي لو كان ناجحا في حل مشاكل الاقتصاد والحصول على الدعم الدولي لما تراجعت شعبيته وتحولت الى ثورة مضادة وهو درس على خلفه التعلم منه.
انقلاب عسكري ام تدخل؟
واحتفى الكثير من المعلقين في الصحف البريطانية بالتعليق على رد فعل العواصم الغربية بالاحداث المصرية، حيث قال سيمون جينكز في ‘الغارديان’ ان الانقلاب يظل انقلابا، ولكن الدول الغربية وجدت من الاحسن التفريق بين انقلاب ‘بنية حسنة’ عن انقلاب يقوم به ‘الاشرار’.
وذهب للقاموس يبحث عن تعريف للانقلاب العسكري قائلا ان ماحدث في القاهرة كان انقلابا حيث نزل الجيش للشارع، وحاصر التلفزيون واعتقل الرئيس المنتخب.. ويرى في التصريحات الصادرة من لندن ونيويورك وبروكسل وواشنطن تعبيرا عن فوقية غربية تريد التدخل في شؤون المصريين، وتذكر بالتفكير الامبريالي وقال ان الكثيرين ‘قد يستغربون من قيام المتظاهرين المصريين بالطلب من الجيش حمايتهم من الساسة انفسهم الذين حموهم من الجيش، ولكن هذا وضع مصري ساخر وعليهم حله اشكاليته، لان كل الثورات تنتج واقعيتها السياسية الخاصة’، وعلق في النهاية على من يقول على ان الجيش يجب ان يكون حاضرا لحماية الديمقراطية ان ‘فرقة حراس البرلمان لا تبعد عن سوره الا القليل’ وهي جاهزة للتدخل لحماية الديمقراطية البريطانية، طبعا هذه مفارقة ساخرة.
وعلق روبرت فيسك في ‘اندبندنت’ قائلا اننا نواجه ولاول مرة في التاريخ حقيقة ان ‘الانقلاب العسكري ليس في الحقيقة انقلابا عسكريا’، مذكرا بالاجراءات التي اتخذها الجيش ضد المشتبه بهم الجاهزين وهم ‘الاخوان’، ومع كل هذا فلم يتلفظ بها فم اوباما كما يقول ولا حتى بان كي مون. السكرتير العام للام المتحدة.
ويتساءل فيسك ان كان هذا التحفظ نابعا لان الملايين من المصريين طالبوا بالانقلاب، وهل هذا نابع من تعليق المساعدات لمصر ان اعترف ان ما حدث كان انقلابا حتى لا يفرض عقوبات على اهم دولة عربية تقيم معاهدة سلام مع اسرائيل؟ وذكر فيسك بخطاب اوباما في جامعة القاهرة التي قال ان القناصة قتلوا في ليلة الانقلاب 15 متظاهرا، وهي نفس المكان الذي القى فيه خطابه الشهير ومده يده المفتوحة للعالم الاسلامي واشار للفلسطينيين لاقتلاع الفلسطينيين من ارضهم بدلا من سلبهم ارضهم.
ومع ذلك اختار فيسك من الخطاب هذه العبارات التي تعبر عن الاحداث الجارية في مصر حيث قال ان هناك قادة ‘يعتنقون الديمقراطية فقط عندما يخرجون من السلطة… وهم شرسون في قمعهم للاخرين وحرمانهم من حقوقهم.. عليك ان تحترم حقوق الاقليات والمشاركة بروح من التسامح والتنازل.
اخطاء الاخوان
وكتب فوزي جرحس، المحاضر في جامعة لندن عن مخاطر ‘الانقلاب الناعم’ وانه لن ينهي الخلاف الذي تعاني منه مصر منذ نهاية حكم مبارك بين العلمانيين والاسلاميين وعوضا عن ذلك فانه سيؤدي الى زيادة حالة الاستقطاب التي تعاني منها مصر المنقسمة حول الهوية ودور الدين في السياسة، كما وسيؤثر الانقلاب الناعم على عملية انتقال السلطة وبناء المؤسسات.
وسيكون من الصعوبة بناء جسور الثقة بين الجماعات المتنافسة. واكثر من هذا فنجاح الانقلاب يعني عودة العسكر للسياسة وتعزيز دورهم كصناع ملوك خاصة ان التحدي الاكبر امام الثورات العربية كان تقليل دور العسكر في السياسة. وكل ما تم انجازه في هذا المجال قد انتهى مما يعني ان اي حكومة في القاهرة لن تتجرأ على تحدي العسكر.
ويقول جرجس ان حديث المعارضة عن غياب الخيارات امامها الا تدخل الجيش لا اساس له. فقد كانت هناك خيارات اخرى يقوم من خلالها الجيش تقييد يد مرسي في مجال اتخاذ القرارات.