نواكشوط ـ «القدس العربي»: معركة الإنسان مع استكناه مخبآت الغيب قديمة قدم الحياة البشرية؛ فلكل إنسان تشوف وتشوق لاستشكاف ما يخبئه القدر له في بقية يومه أو غده.
ومع تعقد مشاكل الحياة اليوم ازداد إقبال الكثيرين، رؤساء دول وسياسيين كباراً، على جلسات ضرب الرمل لاستكناه المغيبات من انقلابات وثورات وحظوظ انتخابية؛ فلم يعد التردد على «الكزانات» مقتصراً على النساء الباحثات عن الزواج أو الساعيات لمعرفة اتجاه «بوصلة» أزواجهن.
تؤكد معلومات مستقاة من ضربة رمل و«كزانين» أفارقة أن مهنة ضرب الرمل تعتبر اليوم من أكثر المهن ريعاً ومداخيل مالية؛ فالمشتغلون بها الموفقون في النبوءات يملكون الفلل الراقية والسيارات الفارهة.
يقول الحجاب مودو بوكار وهو متخصص في الأسرار «لم أجد أكثر اهتماما بضرب الرمل من رؤساء إفريقيا؛ فللرئيس الغامبي فريق ضربة رمل خاص لا يتخذ قراراً إلا بعد أن يستنطقوا له الودع ويتخاطبوا له عبر خطوط الرمل الممردة، مع روحانيين يخبرونهم عن إيجابيات وسلبيات ما يقدم عليه الرئيس من قرارات».
«على سبيل المثال، يضيف الشيخ بوكار، استخار رئيس غامبيا يحيا جامي، كهنته عبر ضرب الرمل في القرار الذي اتخذه أخيراً بتزويج أمه للرئيس الأسبق السير يعقوبا كيرابا جاوارا، الذي عاد إلى البلاد من المنفى الذي عاش فيه، منذ أن أطاح به يحيا جامي نفسه أيام كان ملازماً في الجيش سنة 1994». «فأكدوا له أن زواج خصمه بأمه قرار سليم يجعل الرئيس جامي يخلد في الملك».
وكان للعقيد القذافي حسبما أكد الشيخ ديالو ميسا وهو ضارب رمل مشهور، كهنة رمل و«كزانون» يستشيرهم ويخالفهم، ويستدعيهم في لحظات الحرج فيبش لهم مرة ويشتمهم مرات عدة».
«أما السياسيون الكبار الذين يتولون مراكز حساسة أو الذين يطمحون للمزيد من الترقي فترددهم، حسب تأكيدات «الكزانة» الموريتانية فاطمة بنت الولي، على ضاربات الرمل ومستنطقات الودع، لا يكاد يحصى ولا يعد».
وفي العاصمة الموريتانية نواكشوط عدد كبير ومشهور من الكزانات وضاربات الودع؛ وتجد أمام بيوتاتهن طوابير طويلة من الباحثين عن مخبآت الأقدار.
ونلاحظ خلال جولات في هذه المواقع «أن ضاربات الرمل يعملن من عصر كل يوم حتى صباح اليوم الموالي».
ويدفع الباحث عن قدره وحظه 120 أوقية موريتانية (نصف دولار) للكاهنة، مقابل جلسة استكشاف تستمر ربع ساعة تخبره فيها ضاربة الرمل عن أمور كثيرة، وتنصحه بأمور وتحذره من أمور كثيرة أخرى.
وقد تحول نشاط ضرب الرمل إلى مجالس منعقدة باستمرار للترويح عن النفس، ترتادها النساء بكثرة وتتداول خلالها جولات الاستكشاف عن الأصدقاء وعن «خطط الأعداء» أيضاً.
وتتفاوت ضاربات الرمل في القوة والشهرة بحسب القدرة على كشف ما يكنه الزبون الذي عليه أن يضمر حاجته التي يريد الكشف عنها وأن يبصق على كمية رمل تقدمها له الكاهنة ثم تقوم ضاربة الرمل بخلط بصاق الزبون مع الرمل الذي سيضرب ليستنطق بالهمهمات السحرية، فيوحي الشياطين والخدام لضاربات الرمل بما يكنه الزبون من مضمرات خاصة.
ويتبادل عشاق ضرب الرمل من نساء ورجال سياسة وباحثين عن الحظوظ، المعلومات والتجارب حول المختصين في ضرب الرمل لتحديد الصادقين في الإخبار بالمغيبات.
وينظم موريتانيون كثيرون رحلات مكلفة لمنطقة كازامانس السنغالية المشهورة بسحرتها وكهنتها، لمقابلة ضاربي رمل مختصين وللحصول منهم على توجيهات وكشوفات وشعوذات.
ويختلف موقف رجال الدين من التردد على ممتهني «الكزانه» بين من يحرم التردد عليهم عملا بقول النبي عليه الصلاة والسلام» من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد» وبين من لا يرى بأسا في ذلك لأنه يندرج في إطار «المبشرات والكلم الطيب».
وعرف المجتمع الموريتاني «الكزانه» منذ أمد بعيد، ومع أن تعاطيها أمر شائع فالمجتمع يتعامل معها بحذر شديد يدل عليه المثل الحساني الشهير (لكْزانه ما كذّبناها إلا صدقناها) أي «الكزانه لا نكذبها ولا نصدقها».
عبد الله مولود