أردوغان وبوتين يدشنان ثورة اقتصادية… مشروع غاز استراتيجي ومحطة نووية وصندوق استثمار مشترك

حجم الخط
3

إسطنبول ـ «القدس العربي»: يدشن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين ما يمكن تسميته بـ»ثورة اقتصادية» في العلاقات بين البلدين وذلك من خلال حزمة من المشاريع الإستراتيجية الهامة والاتفاق على رفع التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري لمستويات غير مسبوقة.
وعلى الرغم من أن مباحثات أردوغان مع بوتين الذي وصل إسطنبول، الاثنين، تطرقت إلى الملف السوري، إلا أن ملفات الطاقة والاقتصاد كانت الأبرز في ثالث لقاء يجمعهما منذ أزمة الطائرة الروسية، حيث سبق وأن التقيا في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية بتاريخ 3 آب/ أغسطس الماضي، ثم عقدا اجتماعا آخر في مدينة هانجو الصينية على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين في 3 أيلول/ سبتمبر الفائت.
وبينما أكد الطرفان نيتهم التوقيع بشكل نهائي على اتفاق خط الغاز الإستراتيجي بينهم «السيل التركي»، تسعى تركيا لتفعيل بناء روسيا لمحطة «أك كويو» النووية على أراضيها، ورفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار، وذلك عقب إنشاء البلدين صندوق استثمار مشترك بقيمة أولية تصل لمليار دولار.
وتسعى تركيا وروسيا من هذا التقارب إلى دعم اقتصاد البلدين، إلى جانب توجيه رسالة للغرب بأنهما تمتلكان بدائل، لا سيما مع تزايد العقوبات والضغوط الدولية على روسيا، وتعاظم الإحباط التركي من المواقف الغربية بشكل عام عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في البلاد منتصف يوليو/تموز الماضي.

السيل التركي

مطلع كانون أول/ ديسمبر عام 2014، أعلنت روسيا إلغاء مشروع خط أنابيب «السيل الجنوبي»، الذي كان من المفترض أن يمر من تحت البحر الأسود عبر بلغاريا إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا، بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ما يعتبره احتكاراً للمشروع من قبل شركة الغاز الروسية «غازبروم».
وعوضاً عن ذلك، قررت روسيا مد أنابيب لنقل الغاز عبر تركيا ضمن مشروع «السيل التركي»، ليصل إلى حدود اليونان، وإنشاء مجمع للغاز هناك، لتوريده فيما بعد لمستهلكي جنوبي أوروبا، حيث من المتوقع أن يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي فيه، 63 مليار متر مكعب سنوياً، منها 47 مليار متر مكعب ستذهب للسوق الأوروبية، فيما سيخصص 16 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.
هذا المشروع الذي تريده أنقرة ظل حبيس الأدراج طول الفترة الماضية، إلى أن أعلن بوتين خلال الزيارة الأخيرة لأردوغان إلى موسكو أن بلاده ستبدأ «في المستقبل القريب» بالعمل في المشروع بعد أن طلبت تركيا البدء الفوري بالعمل فيه.
وعلى هامش زيارة بوتين إلى إسطنبول، أكد الأحد، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أن مشروع «السيل التركي»، سيرى النور قريباً، وقال: «سيضع رئيسا البلدين لمساتهم الأخيرة عليه (الاتفاق)، خلال قمة يوم الاثنين المشتركة.. مشروع السيل التركي، حاز على قبول كبير بين الطرفين، وبناءً عليه نسعى لإتمامه على أنه اتفاق حكومي دولي خلال قمة الطاقة».
وعن أهمية المشروع بالنسبة للجانب التركي، لفت وزير الطاقة الروسي إلى أنه «يتيح الفرصة لها بالحصول على الغاز الطبيعي مباشرة، وبكميات أكبر، دون الحاجة إلى بلدان عبور، ما قد يساهم بدفع عجلة تطوير النمو الاقتصادي في البلاد».
ويرى مراقبون أن روسيا ترددت كثيراً في تقييم نتائج بدء العمل بخط «السيل التركي» الذي أظهرت أنقرة حماساً كبيراً في إنجازه، حيث ترى أنقرة فيه فوائد فورية على اقتصادها وأمن الطاقة لديها، في حين تشكك موسكو بجدواه الاقتصادية ما لم يتم ضمان توسيع تمدده إلى الدول الأوروبية المستهلكة للغاز الروسي أو لأسواق أوروبية جديدة.
ومع تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، يحظى مشروع السيل التركي بأهمية بالغة من الجانب الروسي، حيث أن موسكو تريد الحصول على بديل آخر عن أوكرانيا لنقل غازها إلى أوروبا من أجل احتكار السوق هناك.
وتعد تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، وتستورد نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً عبر خطي أنابيب، «بلو ستريم» الذي يمر تحت البحر الأسود الشرقي، و»الخط الغربي» عبر البلقان.

تركيا «الممر الآمن للطاقة»

وتسعى تركيا من خلال موقعها المحوري جغرافياً إلى تقديم نفسها للعالم على أنها أفضل خيار لتبادل الطاقة عبر العالم، وخاصة بين الشرق والغرب، في مسعى لتعزيز تأثيرها الإستراتيجي ومحاولة تأمين وتنويع مصادر الطاقة التي تعاني من نقص كبير فيها.
الرئيس التركي دعا في كلمته بافتتاح «مؤتمر الطاقة العالمي الـ23»، المنعقد في مدينة إسطنبول إلى الاستثمار في مجال الطاقة بتركيا، قائلاً: «أدعو كافة شركات الطاقة للاستثمار في بلادنا، فلم يندم أحد أقدم على الاستثمار في تركيا ولن يندم مستقبلاً».
وأكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم على أن بلاده تسعى لأن تكون مركزاً لتجارة الطاقة عبر موقعها الجغرافي الذي يعدّ عقدة مواصلات لطرق نقل الغاز الطبيعي بين البلدان المنتجة والمستهلكة، ومن خلال تأسيس العديد من مخازن الغاز ومنشآت تحويل المادة الخام إلى غاز مسال، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته، اعتبر وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، براءت ألبيراق، أنّ تركيا تعد معبراً آمناً لموارد الطاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة، وأنّ سياساتها مبنية على جعل هذه الموارد وسيلة لإحلال السلام والأمن حول العالم.

محطة «أك كويو» للطاقة النووية

عام 2010 اختارت تركيا روسيا لبناء أول محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث تم الاتفاق على أن تبني شركه Rosatom الروسية المحطة النووية Akkuyu في مدينة مرسين، على ساحل البحر المتوسط، وتضم 4 مفاعلات نوويه، بقيمه تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار.
وبينما لم يبدأ العمل في المحطة حتى اليوم، سعت أنقرة إلى تنويع خياراتها واختارت شركة يابانية لبناء مفاعل آخر، خاصة مع توتر العلاقات مع روسيا بعد أزمة الطائرة، لكن ومع عودة العلاقات تدريجياً ركزت أنقرة التي تعاني من نقص حاد في موارد الطاقة على سرعة البدء بالعمل في المحطة. بينما تسعى تركيا لتوقيع اتفاقية جديدة لبناء مفاعل ثالث حسب ما أكده أردوغان في مؤتمر الطاقة.
وتستورد تركيا معظم احتياجاتها من الطاقة من الخارج، وتعتمد على روسيا وأذربيجان وإيران بشكل أساسي في توفير احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي، الأمر الذي تحول إلى أداة للضغط السياسي على تركيا من قبل هذه الدول لا سيما روسيا وإيران.
وزير الطاقة الروسي أكد الأحد، أن مشروع إنشاء أول محطة نووية في تركيا، جنوب مدينة «مرسين»، سيكون دليلاً قاطعاً على مدى زخم وقوة التعاون الاستراتيجي المستقبلي بين روسيا وتركيا. بينما أكدت الرئاسة التركية أن أردوغان بحث مع بوتين في اتصال هاتفي بينهما قبل أيام ضرورة بدء العمل في المحطة.

صندوق استثمار مشترك

وقّع كل من وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، ونظيره الروسي، ألكسي أوليوكاييف، الأحد، في مدينة إسطنبول على بيان لتأسيس الصندوق الاستثماري المشترك بين البلدين، في خطوة تهدف لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والمشاريع الإستراتيجية بينهما.
وأوضح أنّ روسيا وتركيا ستساهمان في الصندوق الاستثماري المشترك بمبلغ 500 مليون دولار لكل دولة؛ ليصبح رأس مال الصندوق مليار دولار، لافتاً إلى أنه يهدف إلى تمويل مشاريع مشتركة في البلدين، على أن يتم زيادة رأس ماله مستقبلًا في حال الحاجة.
وتأمل تركيا في إمكانية التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين بحلول عام 2017، ومن المتوقع أن ترفع روسيا قريباً الحظر الذي فرضته عقب الأزمة على استيراد الخضروات والفواكه من تركيا، والحظر المفروض على عمل الشركات والعمل الأتراك في روسيا.
وأكد وزير الاقتصاد والتنمية الروسي، ألكسي أوليوكاييف، أن صندوق الاستثمار المشترك بين البلدين سيساهم بشكل إيجابي في توسيع المشاريع المشتركة، لافتاً إلى وجود مشاريع مشتركة ضخمة بين البلدين فيما يخص مجال الطاقة، وأنّ هناك احتمال لإقامة مشاريع مشتركة في مجال الزراعة.

100 مليار دولار تبادل تجاري

قبيل أزمة الطائرة الروسية وتدهور العلاقات السياسية والاقتصادية بين أنقرة وموسكو، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 35 مليون دولار، قبل أن يتراجع بفعل العقوبات الروسية إلى مستوى أقل من 28 مليار دولار.
وأكدت مصادر متطابقة من الجانبين أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد في الأشهر الثمانية الأولى من الشهر الجاري تراجعاً بنسبة 40٪ بسبب الأزمة، لكنه بدأ يتعافى في الأشهر الأخيرة ليعود تدريجياً إلى مستوياته الطبيعية حيث يأمل البلدين بالوصول إلى الرقم السابق (35 مليار) خلال الأشهر المقبلة، لبدء العمل على تحقيق الهدف الأكبر بينهما.
هذا الهدف يتمثل في التأسيس لرفع حجم التبادل التجاري إلى 100مليار دولار سنوياً، ورغم أن هذا المستوى يبدو بعيداً جداً عن الأرقام الحالية، إلا أن البلدين أبديا عزماً كبيراً على الوصول لهذا الهدف.
كما تسعى تركيا بقوة إلى استعادة السياح الروس إلى أراضيها، فبعد أن كان يصل عدة ملايين من السياح الروس سنوياً إلى السواحل التركية، لم يتجاوز عددهم خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري عدة مئات آلاف بنسبة تراجع بلغت 83٪، وذلك في إحصائية رسمية نشرتها وزارة السياحة التركية.

أردوغان وبوتين يدشنان ثورة اقتصادية… مشروع غاز استراتيجي ومحطة نووية وصندوق استثمار مشترك

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    وماذا عن وقف القصف على حلب ؟
    وماذا عن إدخال المساعدات لحلب ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خالد أبو أشرف- ماليزيا:

    مصالح اقتصادية على حساب دماء الشهداء السوريين وخراب سوريا وتفكيك الأمة العربية
    وحسبنا الله ونعم الوكيل

  3. يقول عمر:

    هل العرب بحاجة الى من يدافع عنهم ، اكثر امة العرب

إشترك في قائمتنا البريدية