درس من مصر

حجم الخط
0

من حظنا ان لنا جارا يسمى مصر. ثمة ممن يمكن التعلم منه. أخيرا السياسة تملأني ببعض الفرح بدلا من احساس النفور من السياسة الاسرائيلية المثيرة للتثاؤب. ان نرى الجيش يطيح باسم الديمقراطية والشرعية باسلامي حاول سرقة مصر، من دون أن يفهم جوهر الثورة التي بفضلها حصل على الرئاسة. هذا الجمهور المصري المذهل يفهم ما لم يفهمه مرسي. لقد انتهت السياسة القديمة، والجيش المصري ايضا يفهم هذا.
مرسي والاخوان المسلمون لم يفهموا ان هذه ثورة جماهير من الكادحين تشتعل الحماسة الثورية فيهم، جراء مستويات عالية من الاغتراب تدفقت في دمائهم. لم يفهموا ان مستويات الاغتراب هذه لم تهدأ، لقد ارتكب مرسي الخطأ الدارج بين السياسيين المنقطعين عن الواقع، على نحو يشبه ما يحصل في اسرائيل ـ فقط ركز على السيطرة على مراكز القوى السياسية والعامة، بدلا من أن يعالج مستويات الاغتراب في الشعب. نسي ما سبق أن اثبته الجمهور المصري مرة واحدة قبل سنة ـ في أنه يعرف كيف يصل الى الميدان، ويقف هناك عشرات الساعات انتظارا لسقوط الرئيس مصر.
كل ما طُلب من هذا الجمهور المصري المذهل هو الوقوف في الميدان. ليس أكثر، لا أن يفكر، لا ان يكتب بيانا ثوريا، لا أن يطلق النار ولا ان يختبئ. أن يقف هذا يكفي. ولكن لزمن طويل والاهم الكل معا. ليس بسيطا، والدليل ان الاسرائيليين قاموا بالاحتجاجات فقط برفقة المغنين الكبار، وحتى هذا صمد لساعتين بالكاد.
الممارسة الثورية هي جوهر الطبيعة الانسانية، قال كارل ماركس في شبابه. مفهوم أن ايا من الاخوان المسلمين لا يفهم هذا، لا يريد أن يفهم هذا، وعليه فانهم يعملون بشكل منقطع عن روح الجمهور المصري. لقد تعرف المواطن المصري على الاغتراب الذي يشعر به، وقد نفض عنه منذ الان الاعجاب الاعمى بالزعماء الذين يقبعون فوق رأسه. وقد تعلم بان هؤلاء هم اناس مثله، وليسوا آلهة.
المصري اليوم لا يحتاج الى خمسين سنة قمع اخرى كي يفهم هذا. لقد فهم هذا قبل سنتين، ولكن مرسي لم يفهمه، هو وأخوانه كمنوا للفرصة السياسية كي يسيطروا على مصر، واعتقدوا أنهم سرقوا الصندوق. لو كانوا يفهمون قبل سنة اي ثورة كانت في مصر، لما كانوا ارتكبوا هذا الخطأ الخطأ الذي صفى الاخوان المسلمين كحركة تؤثر على مصر.
لعل مدرسة الثورات التي نشهدها في مصر يمكنها أن تشكل مرآة للاحتجاج الهزيل الذي مر باسرائيل قبل سنتين. مئات الاف الاسرائيليين وصلوا الى الميدان، سمعوا موسيقى من افضل عازفينا وذهبوا الى بيوتهم. لم يبقوا في الميدان، بل ان اثنين من قادة الاحتجاج انضموا الى السياسة القديمة كما ان مذيعا تلفزيونيا محليا أخذ المقاعد التي ارتبطت بالاحتجاج. هو ايضا، مثل مرسي، لا يفهم ما كان هنا، لعله محق. يحتمل أن يكون الاحتجاج الاسرائيلي يقوم على أساس طبقة البرجوازيين وليس على أساس طبقة الفقراء اولئك الذين كل ما تبقى لهم هو فقط الوقوف معا في الميدان الى أن تنتهي القصة.

‘ مستشار استراتيجي لرئيس الوزراء الراحل رابين
معاريف 8/7/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية