من دابق إلى الموصل أراضي «الدولة» تتقلص… ويقف مشروع البغدادي أمام استحقاقات تاريخية… هل سيقاتل التنظيم أم سيهرب وكيف سيتصرف «الفاتحون»؟

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي» : تعتبر خسارة تنظيم «الدولة» لبلدة دابق إهانة جديدة ضمن سلسلة الإهانات والتراجعات التي تعرض لها في ساحة المعركة وجاءت قبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن عمليات استعادة الموصل.
وتظل أهمية دابق التي انسحب منها مقاتلو التنظيم أمام قوات مدعومة من القوات التركية رمزية، فهي البلدة التي أطلق اسم مجلته الناطقة بالإنكليزية «دابق» الدعائية وهي المنطقة التي ربطها بالمعركة النهائية بين الخير والشر، أو قوى الإسلام والمسيحية.
وكان يأمل ان يجر القوى المسيحية لهذه المعركة النهائية وينتصر عليها. وبدلاً من ذلك فقد هرب مقاتلوه وقال أحد عناصر المعارضة الذي دخل البلدة «نرسل رسالة للبغدادي، كن حذراً وعد لوعيك، هذه ليست الملحمة التي تحدث عنها النبي محمد، فانتم معتدون وكلاب جهنم».
واحتفلت أنقرة بالإنجاز الذي تراه جزءاً من الحملة التي بدأتها في شهر آب/أغسطس وطهرت فيها بلدة جرابلس وأعلنت الحكومة التركية أن المعركة المقبلة ستكون في بلدة الباب، آخر معقل للجهاديين في شمال سوريا.
وعلى العموم فخسارة دابق تظل رمزية لأنها لا تمثل بعداً استراتيجياً مثل الرقة أو الموصل إلا أنها تقدم إشارة جديدة عن تقلص مستمر لمناطق التنظيم وقدراته العسكرية. في وقت يواجه فيه أكبر معركة تحدث في العراق منذ غزو العراق عام 2003 كما يرى مسؤولون أمريكيون.
ويتوقعون أن تمتد المعركة لأسابيع إن لم تكن أشهراً، خاصة أن رمزية الموصل نابعة من إعلان البغدادي عن «الخلافة» وتوجيهه نداء للشباب في كل أنحاء العالم الإسلامي للهجرة إلى «الدولة الجديدة» والمشاركة في بنائها.
وحسب العقيد جون دوريسان المتحدث باسم الجيش الأمريكي «بقي داعش في الموصل لأكثر من عامين وكان لديه الفرصة لتعزي دفاعاته بشكل جيد». وتبقى خسارة دابق ضربة معنوية للجهاديين الذين يتناقص عددهم بفعل الضربات الجوية وقتل القادة والحصار الذي يتعرضون له بعد إغلاق معظم المعابر التي كانوا يستخدمونها لتهريب الأموال والأسلحة والمقاتلين.
وكانت الطريقة السهلة التي سيطرت فيها المعارضة مثاراً للدهشة، ولم يقل دوريان فيما إن شاركت القوات الأمريكية الخاصة في عملية تحرير البلدة. ويقول أبو جلال أحد قادة المعارضة إنهم كانوا يتوقعون مقاومة من مقاتلي التنظيم في البلدة إلا أنهم هربوا وتمت ملاحقة من بقي منهم بالطائرات الأمريكية، مشيراً إلى أن الدعم الذي وعدوا به لم يصل.
ونقلت «واشنطن بوست»عنه قوله «هذا يكشف عن أن الوهم الذي زرعه التنظيم في عقول أتباعه مجرد وهم» و»يثبت أن تنظيم الدولة مجرد كذبة كبيرة وسينتهون في كل المنطقة». وقال «حتى أعضاء التنظيم لم يعودوا يصدقون قادتهم لأن كل ما يقولونه لهم هو كذب، والتنظيم ضعيف وفي حالة معنوية متدنية».
وفي الوقت الحالي لم يعد هناك ما يدفع الأتباع لتوقع معركة كبرى تقودهم إلى القسطنيطنية ـ التي وصل إليها المسلمون ومن ثم إلى روما. وخلافا لتأكيدات منظري التنظيم فالجماعات المقاتلة الأخرى لا ترى فيها سوى بلدة من البلدات السورية.
ويقول أبو جلال «بالنسبة لنا دابق هي مجرد بلدة وساحة أخرى من ساحات المعركة». وعلى ما يبدو كان التنظيم قد اكتشف خطل نبوءته وعدم إمكانية تحققها حيث أعاد تسمية مجلته الرئيسية من «دابق» إلى «رومية».

المشهد قبل المعركة

في هذا السياق تأتي معركة الموصل التي جرى التحضير لها منذ وقت طويل وشابها الخلاف التركي ـ العراقي حول مشاركة القوات التركية المرابطة في معسكر بعشيقة لتضع الجماعة أمام استحقاقات جديدة.
ووصف مراسل صحيفة «الغارديان» مارتن شولوف المشهد قبل التحرك وفي الساعات الأولى من العمليات «بعد شهر من التحضيرات تمت محاصرة آخر معقل من معاقل تنظيم «الدولة» بقوة مكونة من 30.000 جندي. وفي هذا الصباح وقبل الفجر كان مقاتلو البيشمركه يصطفون للمعركة في شمال- شرق المدينة. ووقفت بعض القوات قبل ذلك حول نيران وهم يترنمون بالأغاني ومن على بعد كانت تلعلع أصوات الغارات الجوية مع القصف المدفعي».
وقال «في جنوب المدينة، مشت القوات العراقية مئات الأميال لما تقول القوات العراقية إنها آخر معركة ضد الجماعة الإرهابية، وتحركت إلى الموقع الأخير يوم الجمعة» وإلى جانبها «القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية الخاصة التي ستقدم النصح للبيشمركة وتلعب دوراً بارزاً في دعوة الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة داخل المدينة».
وأشار التقرير إلى تدمير جسر الحرية في غارة جوية قالت وكالة «أعماق» التابعة للجهاديين إنها من تنفيذ الطائرات الأمريكية في محاولة على ما يبدو لمنع المقاتلين الفرار من المدينة. وتقول الصحيفة إن قوات البيشمركه تخطط للتقدم 12 كيلو متراً وتسيطر على ثلاث قرى ولن تدخل المدينة.
وقبل خطاب العبادي المتلفز تم رمي آلاف الملصقات دعت فيها المدنيين إلى تجنب مناطق محددة في المدينة معلنة عن «ساعة النصر». وقال أحمد الساعدي، النائب والمتحدث باسم واحدة من الميليشيات «نعدكم بأنه سيكون نصراً عظيماً يتناسب مع عظمة العراق وتاريخه وشعبه». وأشار شولوف إن المعركة قد تستغرق أسابيع إن لم تكن أشهراً، ولو كانت معركتا الرمادي والفلوجة دليلاً فإن الموصل ستكون طويلة وشأناً معقداً.

غموض

ويعتبر الهجوم على المدينة الشمالية أكبر تحد يواجهه التنظيم الذي يسيطر عليها منذ أكثر من عامين. ولا أحد يعرف طبيعة التحضيرات التي يحضرها التنظيم ولا عدد قواته، ويعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن لديه ما بين 4- 6 آلاف داخل الموصل. وحذرت مؤسسات الإغاثة ولجنة الصليب الأحمر الدولي من رحيل جماعي للسكان بشكل سيخلق أزمة إنسانية ضخمة. فمن سيحاول الهرب سيواجه رحلة محفوفة بالمخاطر وعقاباً من تنظيم «الدولة».
أما من سيبقى فسيتعرض للغارات الجوية وحصار القوات العراقية وإمكانية استخدامه دروعاً بشرية. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد نشرت 600 جندي إصافي للمساعدة في المعركة، وهو ما يرفع عدد القوات الأمريكية في العراق إلى 5.200 جندي. وترى الحكومة الأمريكية أن المعركة مهمة وهي «لحظة حاسمة في الحملة لتكبيد تنظيم الدولة الهزيمة النهائية» حسب وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر.
وفي تغريدة على «تويتر»، قال المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي بريت ماكغيرك «اللهم ساعد القوات العراقية البطلة، والبيشمركه الكردية ومتطوعي نينوى. ونحن فخورون بالوقوف معكم في هذه العملية البطولية». وفي ذروة قوته سيطر التنظيم على ثلث أراضي العراق ونصف الأراضي السورية، ولم يعد يسيطر الآن إلا على 10% من أراضي العراق. وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» في تقرير لها إن هناك الكثير من الغموض الذي يحيط بالمعركة خاصة من جانب التنظيم. ومخاوف من إمكانية اندلاع حرب بين القوى الإقليمية التي تشارك في الحرب ضد الجهاديين. في إشارة الحرب الكلامية بين تركيا والعراق.
وحذرت أنقرة والجماعات السنية من دخول الميليشيات المعروفة بالحشد الشعبي إلى مدينة الموصل ذات الغالبية السنية. وهناك خشية من أن يؤدي دخولهم إلى المدينة لعمليات انتقامية من الشيعة ضد السنة. وفي هذا السياق نقل مراسل صحيفة «التايمز» أنتوني لويد عن جنرال عراقي قوله إن قواته ستترك ممراً مفتوحاً يهرب منه مقاتلو التنظيم بدلاً من حصارهم واستخدامهم السكان كدروع بشرية.
وقال الجنرال نجم عبد الجبوري «أؤمن بالممر». وأضاف «لو حاصرتهم من كل الجهات فسندفعهم للقتال حتى آخر رجل. ويعتبر السكان تحدياً لنا ويجب أن نقاتلهم خارج الموصل وليس داخلها».
وقال من مقر قيادته في مخمور إن السكان يعتبرون أكبر تحد وهم أهم رصيد للتنظيم. ويعتقد أن في الموصل ما بين 700.000 -–1.8 مليون نسمة وقال «علينا التعامل مع المدينة مثل جراح يحاول استئصال سرطان، وهو أمر صعب في ضوء عدد السكان الذين يمكن استخدامهم كدروع بشرية في احياء ضيقة». وزعم الجبوري أن عدداً من قادة التنظيم فروا من المدينة «وتلقينا معلومات استخباراتية أن قادتهم فروا من الموصل». و»غادر معظم المقاتلين الأجانب ولم يبق سوى المقاتلين العراقيين وعدد من الأجانب من أجل تقوية عزيمتهم».
وأكد الجبوري أنه لن يسمح لمقاتلي الحشد الشعبي بدخول المدينة وسيسمح لهم بدور خارجها. وعلق قائلاً إن «تنظيم الدولة يخشى من الحشد الشعبي أكثر من القوات العراقية، صدقني». واعترف أن بعض مقاتلي الحشد الشعبي ارتكبوا أفعالاً سيئة وليس الكل. ويرى الجنرال أن خطة الجيش تقوم في المرحلة الأولى لتضييق الخناق على الموصل من الخارج ومن ثم كسب ثقة السكان، ويستبعد في المرحلة الحالية انتفاضة إلا في حالة وثق السكان في القوات المتقدمة.

ملامح مقاومة

ومع ذلك فهناك ملامح مقاومة بين أهل الموصل، ففي تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» جاء فيه إن أهالي المدينة يجمعون المواد الغذائية ويكتبون سراً الشعارات المقاومة لتنظيم الدولة على الجدران. وفي الوقت نفسه وسع التنظيم من شبكة الأنفاق السرية. وفي سلسلة من المقابلات مع عدد من سكان المدينة واللاجئين قالوا فيها إن التنظيم يلاحق المواطنين الراغبين بالهرب أو التمرد.
وقالت إن الخروج من الموصل أصبح صعباً وخطيراً ومن يقبض عليه يغرم بمليون دينار إلا إذا كان الشخص من الجيش العراقي السابق، ففي هذه الحالة فالعقوبة ستكون قطع الرأس. وتقول الصحيفة إن السكان انشغلوا بتخزين الأطعمة في وقت حضر فيه الجهاديون للمعركة وانسحبوا من الشوارع مؤقتاً، إلى الأنفاق التي حفروها. وسجلت الصحيفة ملامح تمرد داخل السكان الذين قالت إنهم أصبحوا أكثر جرأة.
وأصبحت الشعارات المكتوبة على الجدران واضحة أكثر وعامة من ذي قبل بالإضافة لعمليات الإعدام. وفي بداية الشهر الحالي، أعدم 58 شخصاً بسبب دورهم محاولة «إنقلابية» ضد التنظيم وقادها مساعد لأبو بكر البغدادي حسبما ذكرت وكالة أنباء «رويترز».

تغير المزاج

وتشير الصحيفة لتغير المزاج عن حزيران/يونيو 2014 عندما استطاع أقل من 1000 مقاتل هزيمة وحدات تابعة للجيش العراقي يقدرعددها أكثر من 6.000 جندي والسيطرة على المدينة والحصول على عتاد عسكري ثقيل. ففي تلك الفترة نظر بعض السكان لهم كمحررين من قمع الحكومة الشيعية إلا أن حسن النية تبخر سريعاً عندما اكتشف السكان أن التنظيم لا يختلف عن الحكم السابق.
وعانى أهل الموصل من القيود التي حظرت عليهم التدخين وطلب ممن رسموا وشماً على أجسادهم مسحها بالحامض ومارس القتل الفوري للمعارضين وجلد من لم يحضر للصلاة ودمر المعالم الأثرية «غير الإسلامية». وحسب أزهر محمود، الذي كان يعمل في وزارة التعليم وفر من قريته القريبة من الموصل «كل من رحب بداعش من قبل غير رأيه الآن». وذكرت الصحيفة أن هناك تقارير عن وجود مقاومة سرية داخل المدينة. وأظهرت صورة وروايات شفاهية عن كتابة حرف «م» للمقاومة على جدران المدينة.
وقام التنظيم بإعدام شخصين أمام جدار مرسوم عليه حرف «م» ووزع شريط الفيديو على مواقع التواصل الإجتماعي. وأظهرت أشرطة فيديو إعدام أشخاص لأنهم استخدموا الإنترنت وكأعضاء في مجموعة «سرايا الرماح». وحسب عمر فاضل العلاف المقيم في كردستان «ينتظر الناس التحرير وسيقومون بالإنتقام من داعش وقتلهم».
ويشير المسؤولون الأمريكيون إلى أن التنظيم يعاني بالإضافة للحنق بين السكان مشاكل اقتصادية، ففي الأشهر الماضية خسر التنظيم السيطرة على آبار النفط قرب الرقة السورية والقيارة القريبة من الموصل ولم يعد الناس يتبادلون بالتجارة بسبب الخناق المفروض على مناطقه.
ولم تعد الطاقة الكهربائية متوفرة إلا لساعات قليلة وتعاني بعض المناطق من نقص في مياه الشرب حيث أجبر الناس على استخدام المولدات الخاصة لضخ المياه من الآبار. ولم تفتح المدارس طوال هذا العام لنقص التمويل والأساتذة الذين لا يريدون العمل مجاناً. وضربت الأزمة الإقتصادية التنظيم الذي تقول تقارير إنه خفض من رواتب المقاتلين لأقل من 100 دولار في الشهر بعدما كانت 400 دولار في عام 2014.
وفي اتصالات مع المواطنين في داخل المدينة قالوا فيها إن التنظيم بدأ حملة تجنيد واسعة من سن 14 ـ 40 عاماً حيث وصف الجندية بأنها واجب ديني إلا أنه لم يحقق في هذا المجال نجاحاً ملحوظاً.
يقول ميكانيكي سيارات فر من الموصل إنه حضر صلاة جمعة في المسجد قبل هربه، حيث ناشد الإمام المصلين التطوع إلا أن أحداً لم يستجب له. وتضـيف أن تحضيرات التنظيم لم تتركز على تأمين حدود المدينة لمنع قوات البيشمركه فقط بل وركز على الجبـهة الداخلية، فـقد منع مقاتلوه السيارات من التحرك في الشـوارع الجانبية وقام بعمليات تفتيش للبيوت بحثاً عن الأسـلحة أو أية مظاهر للمقاومة. ففي الشهر الماضي نشر شـريط فيديو عن «سرايا الرماح» يدعو السكان للثورة على الـتنظيم.
ويقال إن هناك خمس منظمات مقاومة ركزت جهدها على اغتيال أفراد التنظيم. وحسب عبدالله أبو أحمد والذي يقدم نفسه على أنه قائد الكتيبة المناهضة لتنظيم الدولة دعا «كل أهل الموصل أيا تـكن لديهـم الفرصة لقتال وقتل إرهابيي تنظيم الدولة» وأشار لهجوم على سوق الذهب والذي قتل فيه عنـصران من عـناصر التنـظيم. وعانى الجهاديون من عمليات هروب بسبب الضغط الجوي لقوات التحالف التي أجبرت قادتهم على الاختفاـء.
وتنقل عن مسؤولين أكراد قولهم إنهم عثروا على 300 شخص هارب أو جاسوس بين اللاجئين الذين هربوا مع الهاربين من سكان المدينة إلى كردستان. وفي النهاية فالكيفية التي ستتكشف فيها عملية الموصل ستؤشر لمستقبل المدينة وإمكانية عودة التنظيم لها مرة أخرى إن لم يتم حل جذور المشكلة التي قادت لاجتياحهم مرة ثانية أكبر مدينة في العراق.

من دابق إلى الموصل أراضي «الدولة» تتقلص… ويقف مشروع البغدادي أمام استحقاقات تاريخية… هل سيقاتل التنظيم أم سيهرب وكيف سيتصرف «الفاتحون»؟

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية