ثلاجة الرئيس بلا طعام والشعب بلا سكر… شرم الشيخ في واد والمحروسة في واد آخر

حجم الخط
4

القاهرة ـ «القدس العربي»: السيسي بات يعشق المدينة ذاتها الأقرب لقلب الديكتاتور مبارك.. شرم الشيخ تلك «النداهة» التي سرقت عقدين من عمر الديكتاتور المستبد فظل يحكم شعبه من خلف بحرها يحيط به السياح وثلة من الأثرياء.
أي سحر هذا تمتلكه شرم الشيخ لتجعل من أي حاكم أسيرا لهواها منفصلا عن شعبه، السيسي حسب معارضيه يرتدي جلباب مبارك، الرئيس ودولته في شرم الشيخ لليوم الثالث في مولد مفتوح للكلام، بينما مصر لازالت تبحث عن كيلو سكر. مصر الرسمية تناقش مشاكل شبابها مع ضيوف تم انتقاؤهم بعناية شديدة، فيما المعنيون بالهموم ما بين معتقل ومريض ومهاجر، وملايين لم يسمعوا عن شرم الشيخ من الأساس.
بدا السيسي على مدار اليومين الماضيين طلق الوجه موفور الصحة يطلق ضحكاته الرنانة على الرغم من إنه ظل يفتقر للطعام طيلة عشرة أعوام وفقا لتصريحاته التي أحدثت دويا لم تنته آثاره بعد «اقسم بالله ثلاجة بيتي عشر سنين لم يكن فيها سوى زجاجات المياه».
وواصل مداعبته للجماهير حريصا في أن يشير إلى أن تبوأه للمنصب كان محفوفا بالمخاطر، ومما لاخلاف عليه أن حرص الرجل على التقليل من قدر المشاكل التي تواجهنا وعزوفه عن الطعام لا يمكن أن يقنع الأغلبية التي تابعت خطابه والكثير منها يجلس على مقاه ترفع لافتات «نعتذر المشروبات بدون سكر». كما الحديث عبر منتجع هو الأغلى في مصر والمنطقة لا يمكن أن يكون مقنعا للأغلبية الفقيرة التي لم يكن يتوقع أشد أفرادها بؤسا أن يصل الأمر لحد استحالة العثور على ملعقة سكر، وبدورهم تولى المئات مهمة الرد على الرئيس من قلب القاهرة ومن هؤلاء يحيى القزاز القيادي في حركة «9 مارس» لاستقلال الجامعات حيث قال في تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك»: «السيسي في حديثه للشباب في منتجع شرم الشيخ: أنا لما انتوا طلبتوني أقف جمبكم ما ترددت ثانية ووقفت ومش فكرت لا في نفسي ولا حتى في أولادي..أنا فكرت فيكم انتوا وفيها خفت عليها لتضيع بالتسعين مليون، وجه الدور عليكم وانتوا وعدتوني أنكم هتقفوا جمبي». وعلق على حديث الرئيس متسائلا: «السيسي عاوز يقول إيه؟ ما هكذا يكون حديث الرؤساء.. بدل ما تعاير الناس اللي جابوك… خلاص هم نفسهم عاوزين يشيلوك».
وقد عمت الصحف المصرية الصادرة أمس الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول أنباء مؤتمر شرم الشيخ، وتواصلت المعارك الصحافية بين أنصار النظام وخصومه، فيما أكد وزير الخارجية سامح شكري على انه ليس هناك أي أزمة مع السعودية، بل، هناك تشاور مستمر بين البلدين وإلى التفاصيل:

فزاعة لإخافة الجهلاء لا العقلاء

عندما يخير مسؤول مصري، الشعب ما بين «التحمل» أو «معسكرات اللاجئين».. فإننا ـ هنا ـ إزاء تهديد رسمي، إما أن نقبل بالسياسات التي يتبعها السيسي، وإما دفع البلاد صوب السيناريو السوري.. بكل تفاصيله الكارثية (قتل وتدمير مدن وتهجير نصف الشعب)، وتحويلهم إلى لاجئين في كل بلاد الدنيا، هذا ما بدأ به محمود سلطان مقاله في «المصريون» مواصلا: «هذا ما يمكن فهمه من هذه المقايضة التي جاءت على لسان المسؤول المصري.. وهي تأتي في سياق «المن» الدائم على المصريين: لو «فلان» ولولا المؤسسة «الفلانية» لكنا مثل سوريا والعراق. فزاعة ليس لها أي أساس من الصحة، فمصر ليست سوريا والعراق ولن تكون لسببين: الأول يتعلق بالمعارضة الوطنية، والثاني يتعلق بالجيش الوطني. الأولى «سلمية» ولم تحمل السلاح ضد الدولة، حتى عندما قتل السلاح الميري المئات منهم، في الشوارع وفي الميادين، ولو أنها انساقت وراء عنف الدولة وبادلتها رصاصة برصاصة، لكنا فعلًا أمام السيناريو السوري بكل إكسسواراته الدموية والوحشية، ولكن كامل الطيف الوطني متمسك بالسلمية. أما الجيش فهو جيش وطني حقيقي، وعليه أيضًا إجماع وطني ولم يكن منذ تأسيسه وإلى الآن، جيشًا طائفيًا ولا طبقيًا ولا أيديولوجيًا وإنما يعبر بأصوله الطبقية والاجتماعية عن الشعب، بكل مكوناته في دقها وجلها.. فلا قلق من الأولى ولا من الثاني.. الخوف والقلق يأتي فقط من المغامرين غير المؤهلين ومن القرار السياسي «المتهور» وغير المحسوب، ولعل ذلك ما جعل المصريين يضعون أياديهم على قلوبهم من تصريح الرئيس السيسي الشهير: الجيش جاهز للانتشار في البلد خلال ست ساعات. لا أحد ولا أي مؤسسة بوسعها أن تمن على المصريين.. ويدعي ـ أو تدعي ـ أنه لولاها لسقطت الدولة، فالتجارب تسقط هذه «الأساطير» المؤسسة لدولة الخوف والرعب: في يونيو/حزيران 67.. لم يكن في مصر جيش ولا شرطة ولا أجهزة أمنية.. ومع ذلك لم تسقط الدولة، بفضل الشعب وحده. وفي 28 يناير/كانون الثاني 2011، لم تكن في مصر شرطة. ذابت الأخيرة واختفت ومع ذلك لم تسقط الدولة، وذلك بفضل الشعب وحده.. فالشعب هو مصدر القوة والوحدة والتماسك والبقاء.. كما أنه مصدر السلطة والتشريع وتسمية من يحكمه، وأي كلام آخر غير ذلك فهو فزاعة لإخافة الجهلاء لا العقلاء».

نحتاج لسائق «توك توك»

لازالت أصداء فيديو الشاب الذي تفاعل معه الملايين بعد انتقاده النظام يثير جدلاً واسعاً وبدوره يتساءل محمد ثابت في «الشعب»: «هل مصر تحتاج اليوم إلى سائق «توك توك» يحسن توضيح أوجاعها، وجميع الذين في مصر والخارج يدرون بهذه الأوجاع لا بالعلم بل بالألم والفعل؟ وإن المعاناة لأقوى ملايين المرات من العلم.
لقد كنا وما نزال في قلب هذه المتاهة التي نحياها بين نزاعات النخبة العلمانية واستقوائها بالعسكر، إلا من رحم ربي وهم قليل، وبين خلافات الإخوان واستقوائهم بالفرقة، خاصة القيادات، اللهم إلا من رحم ربي وهم كثيرون لكنهم مغلوبون على أمرهم. وفي ظل حكم السيسي الذي يتعمد أن يبدو أكثر بلاهة، من تابع على «توك توك» كل مهمته أن «يُحصل» الأجرة فيما أفعاله تقارب نازية «هتلر»، في ظل هذه «المهازل» كنا نتمنى أن ينعم الله علينا ولو بسائق «توك توك»، وقد كان الراحل الدكتور أحمد زويل قد أعلن عن رغبته في الترشح للرئاسة مؤخراً فانقلب العسكر عليه حتى نفى الأمر، وهكذا من الدكتور زويل، مع الفارق، وإن اختلفنا معه في بعض مواقفه.. إلى أي شاب عادي يمتلك وعياً وجرأة ويستطيع أن يقود الملايين في مصر إلى حل عاقل يحقن الدماء ويحفظ علينا بلدنا قلب ونبض الأمة. إننا لننتظر ولو سائق «توك توك»، مع الاحترام، شريطة ألا يحدثنا عن واقع مصر بل يقودنا إلى حراك، أياً ما كان، يخلصنا من اللحظة الحالية، فضلاً عن ألا تكون كلماته مقصاً يقطع في لحم آمالنا بتغيير الواقع البالغ المرارة، ويحقق البقاء للانقلاب أكثر، ثم تنسى كلماته بعد حين».

أيهم سيخاطبه الرئيس

من هم الشباب الذين يخاطبهم السيسي من شرم الشيخ سؤال ظل يطارد عبد الناصر سلامة في «المصري اليوم»؟ هل هم آلاف القابعون في السجون المختلفة؟ هل هم الثمانية ملايين عاطل، الذين يبحثون عن عمل بدون جدوى؟ هل هم مدمنو المخدرات بأنواعها؟ هل هم ملايين المهاجرين خارج مصر، بعدما يئسوا من البحث عن حياة كريمة داخلها؟ هل هم الذين يموتون غرقاً في عرض البحر بمراكب الهجرة؟ هل هم الذين يفضلون الانتحار بصفة شبه يومية؟ هل هم الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي متنفساً وحيداً في الحياة؟ هل هم الذين ارتضوا المهن الدُنيا، من قيادة التوك توك، إلى مسح الأحذية، إلى جمع القمامة، رغم الشهادات الجامعية التي حصلوا عليها؟ هل هم الذين أصبحوا في سن الأربعين ولم تسعفهم ظروفهم المادية على الزواج؟ هل هم الذين وجدوا ضالتهم على المقاهي وألتراس الأندية؟ هل المتحرشون في الشوارع والحارات؟ هل هم الـ750 ألفاً الذين تقدموا بطلبات هجرة إلى السفارة الأمريكية؟ هل هم الملايين الذين تقدموا للحصول على شقة، غرفة وصالة، وليس معهم مقدم الثمن؟ هل هم الملايين الذين يقطنون العشوائيات؟ هل هم العصابات التي احترفت سرقة الأشخاص تحت تهديد السلاح، وسرقة المدن الجديدة في جنح الظلام؟ هل هم مرضى فيروس سي، وفقر الدم، والإيدز، والربو، وغيرها من الأمراض؟ هل هم المتسولون في المناطق السياحية والأحياء الأثرية؟ هل هم الشباب الرِوش الذين يرتدون البنطلون الساقط، بقصات الشعر المسخرة، والأخلاقيات المهزلة؟ حينما ورد الحديث عن تجمع للشباب في شرم الشيخ تبادر إلى ذهني كل هؤلاء. أي نوع من هؤلاء كان في شرم الشيخ، أي مجموعة منهم سوف يبحث تجمع شرم الشيخ حل مشاكلهم، أي نوعية منهم سوف يستمع لها المسؤولون، هل هناك مبادرة للإفراج عن الشباب المحبوس أو المسجون».

النقطة المضيئة

«ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يتكلم فيها الرئيس السيسي عن الدور المدني للقوات المسلحة.. والمناسبة كما يشير عباس الطرابيلي في «الوفد» حديثه للشباب في مؤتمرهم الأول في شرم الشيخ.. وإذا كنا هنا لسنا في مجال التصفيق للجيش، إلا أن الواجب يقتضي أن نعترف بدوره في دعم الجبهة الداخلية، ونبدأ في تخفيف الأعباء عن البسطاء. قال الرئيس إن القوات المسلحة تقوم الآن بإعداد 8 ملايين عبوة غذائية سيتم تقديمها للناس بنصف الثمن، وذلك ـ بدون أن يعلنها الرئيس ـ لمواجهة الغلاء وما ينتج عن جشع التجار، ويضرب مخططات أعداء الوطن. وهنا نتذكر ما سبق تقديمه للناس من مساعدات قدمتها قواتنا المسلحة عن طيب خاطر، لمواجهة أي أزمات يفتعلها أعداء الوطن. وللذين يهاجمون تولي القوات المسلحة للعديد من المشروعات قال الرئيس السيسي، هل نسينا أن قواتكم المسلحة يعمل فيها الآن أكثر من «52» ألف مدني في مصانعها ومزارعها ونشاطها الاقتصادي؟ أليس هؤلاء من القوى العاملة المدنية.. داخل صفوف القوات المسلحة؟ وكانت المعلومة الثانية التي أراد بها الرئيس أن يرد على المخططين والخبثاء الذين يتحدثون عن استحواذ القوات المسلحة على الحجم الأكبر من المشروعات وما يقال إنها بذلك تستولي على النصيب الأكبر من الأعمال المدنية، هنا قال الرئيس للشباب في الجلسة المسائية في شرم الشيخ إن حجم أعمال القوات المسلحة في المشروعات المدنية تتراوح بين «1٪» و1.5٪ فقط من حجم أعمال الناتج القومي. ثم كانت القنبلة الثالثة ـ ما دمنا نتحدث عن الجيش ـ قال الرئيس السيسي إن تكاليف عمليات التسليح وتطويره وبناء القوات المسلحة تتم من قدرات القوات المسلحة المالية الخاصة ذاتها».

السيسي لا يفي بوعوده

يتهم كثير من الكتاب السيسي بأنه لا يفي بوعوده بشأن الإفراج عن المعتقلين وها هو قد وعد من جديد فهل سيفي بما تعهد به؟ هذا الأمر يثير مخاوف البعض ومن بينهم حمدي رزق في «المصري اليوم»: «وعد الرئيس كثيرا، وأفرج قليلا، الرئيس هذه المرة يعد بالإفراج، ويطلبها علانية في محفل شبابي عام: «هاتوا قايمة وهفرج عنهم بالقانون». يقيناً العفو عن شباب المساجين السلميين لا يحتاج إلى قوائم جديدة، وقرار العفو الرئاسي لابد أن يتنزل من أعلى على كل مَن يستحق الإفراج بالقانون بدون تفرقة أو تمييز، هل ينتظر الرئيس قوائم سياسية من أحزاب ونخب سياسية؟ نريد قرارا رئاسيا عاما يتسق مع القانون، مجردا من الهوى السياسي. أعلم أن الاحترازات الأمنية لها حساباتها، والتهديدات الآنية تفرض آلياتها، والجماعات الإرهابية مثل سحابات مظلمة تظلل سموات هذا الوطن، فتُحيل نهاره كآبة، ولكن ما يعتمل داخل السجون خطير، ومفارخ العنف توطنت الزنازين، وعذابات السجن معلمة في الأجساد وعلقت بالأرواح، السجن لم يعد إصلاحاً وتعليماً وتهذيباً، أصبحت السجون تُخرج إرهابيين محتملين. شجاعة السيسي في فتح هذا الملف مهما كانت الكلفة أصبحت واجباً وطنياً، وإلزاماً سياسياً، وتتطلب منه عزماً حقيقياً على مراجعة قوائم المسجونين جميعا، وإذا توفر على هذا الملف نفر أمين مكلف رئاسياً فسينتج أثراً هائلاً يعينه على تفكيك معضلات الوطن، يظل هذا الملف في رقبة الرئيس، وعليه أن يفى بوعده بالمراجعات. ويؤكد رزق أن الضرورة الوطنية تقتضي فتح هذا الملف، بإرادة رئاسية حرة مستقلة خلو من ضغوط منظمات وجماعات الداخل أو تضاغط منظمات وجماعات الخارج، بدون مزايدات أو مبالغات أو تهوينات وتسويفات، إرادة مدعومة ومسبوقة بإرادة شعبية لا تبيت على ظلم».

أنا ماشي ومصر قاعدة

شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال ثاني جلسات مؤتمر الشباب في شرم الشيخ على أن مصر فيها قدرات شبابية هائلة، وأننا نحتاج إلى وضع آليات مناسبة لدعم تلك القدرات وتعظيم الاستفادة منها، وانتقاء المتميزين من الشباب في مختلف المجالات للدفع بهم إلى الأمام في كل أنحاء الدولة، وشدد على أن مصر تضم العديد من العباقرة النبهاء في شتى المجالات. وخلال مداخلاته في الجلسة – التي أدارها الإعلامي محمد عبد الرحمن – أكد الرئيس السيسي وفقاً لـ«الأهرام» على أنه لا يساوره القلق على نفسه، بل إنه قلق على مصر ويخاف عليها فقط، وقال: لو كان الأمر أروح وهي تقعد.. أروح. كانت الجلسة قد شهدت مناقشات موسعة وحيوية حول قضية الحقوق والحريات والمشاركة السياسية للشباب، وشارك خلالها المهندس خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة، الذي طالب بعدم قصرالمشاركة السياسية على الانتماء للتنظيمات السياسية، مشيرا إلى أن الشباب يشارك بشكل فعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي».

منافقون تحت الطلب

بقدر تراجع شعبية السيسي إلا أن الكثيرين لازالوا مصرين على إطرائه في المناسبات كافة، ومن جانبه يقسَم المحامي والحقوقي طارق العوضي بأن غالبية من يُبدون دعمًا علنيًا للنظام السياسي القائم يقولون عكس كلامهم في الجلسات الخاصة. وقال «العوضي» في تدوينة حسب «المصريون»: «أقسم بالله – أقسم بالله – أقسم بالله أن كل اللي عمالين يطبلوا دول في القعدات الخاصة بيقولوا كلام عكس ده تماما والله على ما أقول شهيد. ومن بين الذين أهطلوا الثناء على السيسي في شرم الشيخ للحد الذي عرضهم للهجوم النائب مصطفى الجندي، هاجم خالد داوود – القيادي في حزب الدستور – النائب البرلماني مصطفى الجندي بعد وصلة المدح التي قدمها للرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب المنعقد في شرم الشيخ. ونشر داوود فيديو الجندي، وعلّق غاضبًا: «حرام عليكم بقا..كفاية نفاق وشغل الأفلام ده». مضيفًا: «عايزين رئيس عادي ييجي بالانتخاب ويمشي بالانتخاب أو لما تخلص مدته». وأظهر الفيديو «الجندي» يقول لـ«السيسي»: «والدتي بتدعيلك ودي كبيرة لأنها عمرها ما دعت لحد غيرنا».

إيجابيات ولكن..

المكاشفة والمصارحة أهم ثمار المؤتمر الوطني الأول للشباب، وحسب كرم جبر في «اليوم السابع» أول مرة في تاريخ مصر يتحاور رئيس الجمهوية مع هذا العدد الكبير من الشباب، تحدثوا بصراحة بالغة لدرجة أن أحدهم عبر عن خشيته من أن يتأثر سلبيا من جرأته، وهو يتحدث عن مشاكل الصيادلة ومطالبهم برفع بدل العدوى إلى ألف جنيه، ورد عليه الرئيس بروح الود والمصارحة، شارحا الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مؤكدا أن المطالب الفئوية التي تعجز الدولة عن تلبيتها، ترجع لعدم قدرتها على ذلك، لأن «مصر في موقف صعب قوى». كان مهما أن يعرف الشباب حجم المشاكل والتحديات التي تواجهها البلاد، وأنها تحتاج بعض الوقت والصبر لاجتيازها، لأنه لا سبيل لبناء دولة قوية، تستطيع تلبية الآمال العريضة إلا بالتكاتف والاصطفاف، ولمس الرئيس أوتار القلوب عندما طالب المصريين بالوقوف بجواره، قائلا: «جاء الدور عليكم، فعندما طلبتوني وجدتوني، ولم أبخل عليكم بحياتي، وإذا أردتم أن نكون أمة ذات شأن فلابد أن نتحمل شوية، حتى نسقط محاولات إسقاط مصر وتركيعها».
ردود الرئيس وتعقيباته جاءت مباشرة وصادقة، خصوصا في موضوع الحريات وقانون التظاهر، طالبا ممن يريد أن يقيس حجم حرية التعبير، أن يراجع ما نشرته الصحف في الشهور الستة الأخيرة، فلا أحد يحاسب أحدا، رغم ما تتعرض له البلاد من مؤامرات الداخل والخارج، وحروب الجيل الرابع والخامس، ليس تبريرا لإجراءت استثنائية، حتى قانون التظاهر الذي شُرع في وقت كانت فيه الدولة على المحك، استهدف عمل توازن بين الحقوق والحريات من ناحية، والحفاظ على الدولة المصرية. ويرى كرم جبر إنه كان مهما للغاية أن يستمع الرئيس لكل الآراء، حتى لو كانت معارضة وصادمة».

السيسي توأم جمال مبارك

ومن بين من هاجموا مؤتمر الشباب حسام مؤنس في «التحرير»: «استدعت الذاكرة فورا مع متابعة أنباء هذا المؤتمر والدعاية المقامة له، فضلا عن طريقة إعداده والمشاركين فيه وغيرها من التفاصيل، إعلانات ما كان يسمى بجمعية جيل المستقبل التي ترأسها جمال مبارك، وكانت مدخله الأساسي لتقديمه وريثا جديدا لحكم مصر، وترقى بعدها خطوات بالانضمام إلى الحزب الوطني، رغم النفي قبلها لأي احتمالات لمشاركته السياسية، ثم توليه رئاسة لجنة السياسات وهيمنة اسمه باعتباره الخليفة المنتظر لوالده، قبل أن تقوم ثورة يناير/كانون الثاني، ومع ذلك كان ولا يزال هناك من ينفي إنه كان هناك أي تخطيط لترشيح جمال مبارك للرئاسة. وبينما كان إعلان جمعية جمال مبارك، ومن بعدها إعلانات الحزب الوطني بعد دخول جمال مبارك وقيادته الفعلية له أو لجناح رئيسي فيه، تتحدث عن شباب النيل وتدعوه للعلم والأمل وتجاوز الصعاب، وكانت تتصدره جملة جمال مبارك أيضا بأنه «على الشباب أن يعي جيدا أن مستقبل هذا الوطن مسؤولية مشتركة بيننا جميعا»، فقد جاءت إعلانات الترويج للمؤتمر الوطني الأول للشباب لتدعو شباب مصر إلى أن يترك بصمته ولمسته. ربما لا يبدو هناك ربط مباشر بين النموذجين من حيث الشكل، لكنه في حقيقته يبدو واحدا من حيث مضمونه، كما أن الأهم هو إنه يبدو بداية لأمور مقبلة سنراها قريبا تؤكد أن المسار والمنهج لم يختلفا حتى لو تبدلت وتغيرت الأسماء والأشكال، فمن (شباب النيل) إلى (سيب بصمتك) يبدو الشباب بنظر السلطة أداة يستخدمها لا طرف فاعل ومؤثر يسهم في بناء المستقبل كما تقول الجمل المنسوبة للسيدين عبد الفتاح السيسي وجمال مبارك. ويؤكد الكاتب: لم يكن منطقيا أن يأتي شعار عام 2016 عاما للشباب بدون خطوات مصاحبة واضحة تعكس أثرا حقيقيا على الشباب وآرائهم. ومع ذلك فقد جرى العكس، حيث لم يحصد الشباب أيا من ثمار ثورتيه بل تفاقمت الأوضاع وباتت أشد بؤساً».

تجار اليأس

ونبقى مع مؤتمر شرم الشيخ إذ يرى عادل السنهوري في «اليوم السابع»: «أن بعض الأصوات حاولت ومازالت إشاعة حالة اليأس والإحباط التقليدي والمزمن من جدوى تنظيم الدولة لأي فعالية، واعتبرت المؤتمر حتى قبل أن يبدأ عديم القيمة، ولن يأتي بجديد، وسوف يكون مجرد احتفالية وبمشاركة الوجوه المألوفة نفسها، وبعض الأحزاب والقوى السياسية التي تصرخ ليل نهار بالاهتمام بالشباب هي أول من أعلنت مقاطعتها بدون إبداء أسباب واقعية ومنطقية وآثرت عدم المشاركة. ويؤكد الكاتب إنه تم توجيه الدعوة للجميع، وشاركت رموز شبابية وسياسية محسوبة على الكتلة الحرجة من الشباب المعارض وتحدثت بحرية كبيرة أمام الرئيس. ورأينا سميرة إبراهيم صاحبة قضية العذرية الشهيرة ومحمد عبدالعزيز وإبراهيم عيسى وأسامة الغزالي حرب الذي طالب الرئيس بالإفراج عن الشباب الذين لم يتورطوا في جرائم عنف، إضافة إلى رؤساء وممثلي الأحزاب التقليدية. حضور الرئيس لعدد من الجلسات واستمــاعه لما يدور كان رسالة سياسية واضحة رغم أن المؤتمر شعاره «إبدع وانطلق» لتشجيع الشباب على الابتكار والإنجاز، لكن السياسة هي الحاضرة وهو أمر جيد ومتوقع ويجب البناء عليه. اللافت أن المعارضة الشبابية واضحة في المناقشات، خاصة من شباب المحافظات الذين دعتهم وزارة الشباب والرياضة، وهؤلاء طرحوا قضايا حقيقية تتعلق بهموم الناس خارج القاهرة، خاصة في الخدمات الأساسية، وفي جلسة المحاكاة أبهر الشباب الذي قام بدور الوزراء الحضور بمستوى النقاش والحوار والأفكار. أظن أن المؤتمر يقدم شيئا جادا وليس شكلا احتفاليا، كما يحاول البعض تصويره وتصدير الانطباع السيئ عنه، وهو بداية مهمة للاستماع لصوت الشباب من كل الاتجاهات والتيارات».
أزمة سلطة

أزمة السكر الراهنة، رغم كل قسوتها ليست إلا تجسيدا لحقيقة أشد قسوة، وهي وفق اعتراف أشرف البربري في «الشروق»: «أن مصر تواجه أزمة سلطة لا تمتلك الحد الأدنى من الرؤية أو الكفاءة اللازمة لإدارة الأزمات. فأغلب المشكلات التي واجهتها البلاد تحولت إلى أزمات، ثم تحولت الأزمة إلى كارثة ليس لها من دون الله كاشفة. ورغم أن إدارة الأزمة هي الحد الأدنى المطلوب من أي سلطة حكم رشيدة، لأنها تعني احتواء تلك الأزمة ومنع تفاقمها وخروجها عن السيطرة، فإن الحكومة تثبت في كل مرة فشلها في تحقيق هذا الحد الأدنى بإدارة الأزمة بالشكل الصحيح، في حين أن الواجب الأساسي لمن يتصدى للحكم والإدارة هو علاج الأزمة والقضاء على أسبابها. ويؤكد الكاتب أن التعامل العشوائي للسيد اللواء محمد علي مصيلحي وزير التموين مع المشكلة جعل منها أزمة حادة تجاوزت في تداعياتها حدود المستهلكين لتصل إلى المستثمرين، بعد أن أصبح وجود كمية من السكر في مصنع حلويات جريمة، وأصبح حمل «قهوجي» 10 كيلوغرامات سكر تلاعبا بأقوات الشعب.
السلطة التي فشلت في إلزام إثيوبيا بقواعد القانون الدولي المنظمة لاستغلال الأنهار الدولية، وفي مقدمته ضرورة موافقة مصر على إقامة سد النهضة قبل الشروع في بنائه، هي سلطة تفتقد القدرة والإرادة اللازمتين لمواجهة مثل هذه المخاطر الوجودية التي تهدد بقاء مصر.
السلطة التي فشلت في احتواء حادث سقوط الطائرة الروسية، فتحول إلى كارثة ضربت السياحة ومعها الاقتصاد المصري كله في مقتل، مطالبة بإعادة النظر في الكثير من خياراتها وأساليب تعاطيها مع الأمور».

لهذا ضاعت القضية

«الخط الذي تسير عليه القيادة الفلسطينية الحالية، يذكرك بأسلوب المكايدات السياسية العربية، التي يبدو أصحابها على استعداد لتحمل خسائر كبيرة، مقابل رفض التراجع عن الحسابات السياسية الخاطئة، وعدم التنازل عن مواقفهم الشخصية. آخر تجليات المشهد، وفق رؤية محمد أبو الفضل في «الأهرام» يتمثل في الهجوم غير المبرر على مصر، واللجنة الرباعية العربية، التي تتكون من مصر والسعودية والإمارات والأردن، لمجرد أنهم يحاولون لملمة ما تبقى من قوة لحركة فتح، التي قادت النضال الفلسطيني لفترة طويلة، ووقف التدهور الحاصل، بسبب اتساع نطاق الخلافات التي تنخر في الهياكل الرئيسية. لن أتحدث عن المؤتمر العلمي الذي عقد في «العين السخنة» الأسبوع الماضي، فقد وفاه حقه الدكتور أحمد يوسف أحمد في المقال المجاور، لكن التوقف عند التحركات التي يقوم بها الرئيس محمود عباس (أبومازن)، سواء على صعيد ترتيب أوراقه المرتبكة داخل الحركة الأم (فتح)، أو على مستوى تصوراته وتصرفاته الخارجية، مسألة ضرورية، لأنها تمس جوهر القضية، وربما تسهم في وضعها ضمن أطر إقليمية أشد تعقيدا، فرضت طقوسها مبكرا، وجعلت هذه القضية المحورية تتواري، عما كانت عليه قبل سنوات قليلة. كل المحاولات التي بذلت لجمع شمل حركة فتح، لم تقصد التقليل من شأن ومكانة أبومازن، ولا عدم الاعتراف برئاسته، لكنها رمت إلى تعديل مسار الدفة، للحفاظ على تماسك فتح، ومنع انهيارها، ووقف استمرار انزلاقها إلى منحدر قد يأتي على ما تبقى منها، وهو تقدير، مرتبط بمصالح بعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، والحفاظ على الجزء المشتعل في القضية الفلسطينية. الرئيس أبومازن، أخذ الجهود الساعية إلى جمع شمل الحركة، كأنها موجهة ضده لأنها ستؤدي لهجر الأضواء التي أدمنها».

الجماهير أكثر وعياً

ونتحول بالمعارك الصحافية نحو أحد الاحزاب ذي الخلفية السلفية، حيث يرى أحمد عبد التواب في «الأهرام»: «من المفارَقات الجديرة بالدراسة أن الإرادة الشعبية أسقطت بمنتهى الحسم قوائم حزب النور في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، ولم يفلت له إلا أفراد قلائل، فإذا بعدد من هؤلاء يفوزون في انتخابات المناصب الإدارية في بعض لجان المجلس بأصوات من قرّر الشعب اختيارهم بدلاً من مرشحى حزب النور. وواحدة أخرى، أن الصخب الذي كان يطالب بمقاطعة الانتخابات، بما تقول البداهة إنه يترتب عليه إخلاء الساحة للآخرين، عاد مرة أخرى بعد فوز ممثلي النور في اللجان، ليندد بهذا الفوز. فهل كان لمقاطعتهم أن تؤدي إلى فوز المقاطعين أو ممثليهم في هذه اللجان؟ أم تراهم يتوهمون فراغاً تنعدم فيه الأفعال والأحداث والبدائل الأخرى؟ وهل، حقاً، يُساءَل الرئيس والحكومة في هذا؟ أما أهم المؤشرات التي تنبئ بعراقيل عملية، حتى إنْ كانت بسيطة، فهي فوز ممثل النور بأمانة سر لجنة التعليم والبحث العلمي، التي كان من المتوقع لها أن تنشط في تلبية المطالب الملحة بإصلاح المناهج التعليمية، في الأزهر وغيره، وتنقيتها من الدروس المفروضة على الطلاب، التي تزرع وتؤصل فيهم نوازع التطرف والعنف وكراهية أصحاب الأديان الأخرى، بل المذاهب الإسلامية الأخرى، بدسّ كل هذا في سياق التأويلات الدينية التي أثبت حزب النور إنه متمسك بها. الحقيقة التي يجب مواجهتها بشجاعة، حسب الكاتب هي أن النخب السياسية والثقافية خذلت الإرادة الشعبية، التي أكدت اختيارها قبل إسقاطها لحزب النور، في الدســـتور الذي وافقــت عليه بأغلبية ساحقة».

ثلاجة الرئيس بلا طعام والشعب بلا سكر… شرم الشيخ في واد والمحروسة في واد آخر

حسام عبد البصير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عادل حزين:

    من فضلكم، كلمة ونص، هل صدق احد فعلا ان الرئيس او اى شخص فى العالم لم يكن فى ثلاجته غير المياه؟ ان كان احد فعلا يصدق ذلك فينبغى تقبل نفاقه لان اكيد عقله مش مضبو، وان كان احدا يعتقد ان الرئيس كذاب، يبقى جبان ان لم يقلها.

  2. يقول salem-kuwait:

    المشاريع الدعائية الفاشلة احد اسباب الازمة الاقتصادية…مثلا
    1- تفريعة قناة السويس: قرر الريس اقامتها بدون دراسة جدوى اقتصادية وهلل له ولقراره المنافقون,ثم عدل قراره للاسوأ …حفرها بسنة واحدة بدل ثلاث سنين المقدرة اصلا فهلل له المنافقون وفرحت الشركات المنفذة لانها ستربح اكثر وزادت التكاليف العالية اصلا…….وبعد ان انتهت ثبت للجميع واعترف الجميع ان المشروع فاشل…..لكن لا زال المنافقون يذكرونها كأنجاز كبير للريس ويشبهونها بالسد العالي الذي بناه عبد الناصر وشتان مابين المشروعين مشروع السد ناج وما زال يتألق بعد 51 سنة من انجازه.
    2- بعد ثبوت فشل القناة يقومون ببناء العاصمة الجديدة التي ستكلف 300 مليار دولار ….لماذا …لا أدري …..ان استمر هذا المشروع الى نهايته سيدمر ما تبقى من الاقتصاد المصري…..حرام عليكم يا منافقين انصحوا الريس ولو بكلمة قبل ان ينهار كل شيء

  3. يقول ابو عرب:

    مع الاسف مصر 90 مليون شخص معرفتوش تجيبوا واحد غير السيسي يكون يعرف يتكلم على الاقل مع انه مصر كلها شهادات ومتعلمين.
    لكن صحيح تذكرت انكم جبتوا الشخص المتعلم بس مع الاسف معرفش يدبر حاله زي العساكر كان عاوز يعمل فيها انه مثالي فراحت عليه.

  4. يقول م . حسن .:

    خلاصة الكلام أننا نعيش في دولة القوات المسلحة , ومكانتها فوق مكانة الدولة المصرية , تحكم بقوة السلاح فقط . لم يختار المصريين دولة القوات المسلحة , بل إختارها حلفاءها في الخارج لضمان مصالحهم , ولتدمير الحياة المدنية , ضمانا لتخلف المصريين عن حضارة العصر , سياسيا وماليا وإقتصاديا وإجتماعيا .. . المطلوب دولة مدنية , بنظام سياسي عصرى , يقودها شباب مؤهل , للخروج من حالة , تراجع وتخلف مصر , عشرات السنين الي الوراء , بسبب دولة القوات المسلحة , الي حالة أفضل .

إشترك في قائمتنا البريدية