منذ الصفعة الأولى الموجعة صفعة شاه إيران والصفعات تتوالى على جهاز الاستخبارات الاول في الكون، وكان آخرها صفعة مرسي، وبالطبع قبلها صفعة مبارك، أي أن صفعتين من المصريين تلقاها الأمريكيون في غضون عامين ولم تفلح أجهزة قياس الرأي ولا أجهزة قياس الضغط في استبيان حالة الغليان التي دفعت المصريين إلى الانفجار مرتين، مرة في وجه مبارك والامريكيون يغطون في نومهم، ومرة في وجه الاخوان المسلمين، بينما الامريكيون بدوا وكأنهم وجدوا حلا سحريا لمشكلاتهم، وهو قذف المنطقة في آتون الجماعات العنصرية المتطرفة، ليتقاتل الجميع في ميادين بعيدة عنهم. في المقابل لازالت أجهزة استخبارات القارة العجوز غارقة في بحر من السذاجة اللزجة يطبقون قوالب معلوماتية عفا عليها الزمن، مربوطين من رقابهم بعقد قديمة تجاوزها الزمن، إذ كيف لم يتمكنوا بإمكاناتهم الهائلة من التنبؤ بثورة على مبارك ومن التنبؤ بثورة ضد حكم التيارات الدينية، علما بأن الحكم الديني بالذات هو عقدة العقد في أوروبا، ولم نسمع يوما أي إدارة تستنكر هذه التوجهات تملقا لتجمعات السلفيين التي غزتهم من حيث لا يعلمون. ونظرة على مزارع اللحى الكثيفة والجلابيب القصيرة وكم المنتقبات في شوارع بروكسل وامستردام وباريس وحتى لندن، ربما تعزز مقولة أوروبا الساذجة التي نعنون بها هذا الطرح، كما أن تشجيع التيارات المتطرفة على تدمير الجيش السورى والجيش المصري يعزز الشطر الثاني من العنوان وهو أمريكا الغبية . تلك كانت ديباجة ضرورية حتى لا يهرب منا عنوان الطرح تحت ضغط انهمار الاحداث، لانها المرة الاولى التي أكتب فيها من قلب الحدث، بينما الاصوات من حولي مبحوحة من الفرح والهتاف، وبينما المشاعر تنقلب متحولة مئة وثمانين درجة من قمة اليأس والاحباط إلى قمة الشعور بالنصر والفخار، فالكتابة من قلب الأحداث لها مخاطرها، وعلى الأخص هذا النمط من الأحداث الدراماتيكية العنيفة، فمن تلك المخاطر وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن تنعكس الحالة المزاجية للكاتب على قوام الطرح، خصوصا اذا كان الطرح هو محاولة تحليل حدث، مخاطر أخرى كتأثير الميديا وتعقيدات المشهد والتطور المتسارع للأحداث، بالاضافة لنقص المعلومة الامينة المحايدة، وللخلفية السياسية او الايديولوجية للراوي أو المتلقي، خصوصا حدثا بهذا الحجم وهذه المفاجأة، الحدث الذي أعتقد بأنه أعاد للمصريين ريادتهم التاريخية التي ضاعت منذ عقود ودفنت تحت ركام من الفساد والاستبداد والقهر، لذا ألتمس عذرا من القارئ حيث أعترف بأنني في معاناه شديدة، وأحاول لملمة أفكاري المبعثرة في محاولة لفهم ما حدث ويحدث في بلادي، حيث كنت بالأمس القريب أصرخ في طرحى السابق على هذه الصفحة بصوت مكتوم ‘لا تسقط يا وطني’ وكنت أصرخ كما يصرخ النائم في كابوس، أصرخ مستنجدا، ثم أفقت على صوت ملايين المصريين نزلوا للشوارع يصرخون بأعلى أصواتهم وكأنهم يرددون خلفي ‘لا تسقط يا وطن’، فارتجت الارض واستجابت السماء وتحرر الوطن من قبضة عصابة، فالحدث صدم كل أجهزة الرصد الاستراتيجي في كل الدنيا، ورأينا كيف تخبطت أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم وفشلت حتى في توقع سيناريو واحد لساعة واحدة قادمة، وكان مسؤولوها يلهثون متخبطين. ونظرة على الموقف الامريكي والاوروبي المضحك كمثال قد توضح الصورة أكثر، وربما تكون إجابة بسيطة بعيدة عن التعقيدات قد تفي بالغرض، فهناك شعب خدع بأسلوب ملتو من جماعة دست السم في العسل بمقولات حق أرادوا بها باطلا، ثم اكتشف الناس الخدعة فتوحد المصريون وتحولوا الى كتلة بشرية واحدة، وألقوا بأنفسهم في الشوارع في مشهد انتحاري، يبدو للوهلة الاولى عنوانا لليأس والقنوط الذي فاق قدراتهم التاريخية على التحمل، فقد صبر المصريون كثيرا على مدى تاريخهم على فقر وظلم واحتلال، إلا أنه يبدو أن هذه الموجة من الغضب كانت لأسباب أقوى مما تعرضوا له على مدى تاريخهم، لكن ترى ما هي الاسباب الأقوى من الظلم والفقر والاحتلال؟ ما هي الاسباب التي لم تدركها أوروبا وأمريكا، والتي تجعل المصريين يقومون بفعل متفرد في التاريخ، إذ خرج إلى الشوارع عشرات الملايين في احتجاج سلمي مهيب؟ سوف يتوقف المحللون كثيرا جدا لتحليل هذا الحدث بعد أن تبرد الأحداث، لكنني أستطيع القول بكل ثقة ان من هذه الاسباب القهرية هو الاقتراب من أجساد المصريين، فقد لوحوا بتطبيق عقوبات جسدية، وبغض النظر عن الاستناد إلى نصوص أو تجارب أو تراث مختلف عليه وعلى مرجعياته وأسبابه، فإن المصريين لديهم حساسية مفرطة تجاه لمس أجسادهم، حتى لو باسم الدين، كما اقتربوا من هويتهم الزراعية المتفردة التي لا تقبل القسمة أو التشارك مع هويات البوادي الغريبة والدخيلة، كما اقتربوا من عقيدتهم الوسطية الفطرية المتسامحة، وبينما نحن في السطور الأخيرة من هذا الطرح تفوح رائحة الدم بقوة ويتراقص المشهد السوري أمام العيون، في محاولة مستميتة لدحر آخر قوة عسكرية قوية ومنظمة في المنطقة، ليكتمل المشهد الذي تقف مصر وسورية عقبة كأداء في سبيل اتمامه، الشرق الاوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة، أو دعهم يتآكلون ويتقاتلون بعيدا عنا، لذلك وغيره ثار المصريون كما لم يثوروا من قبل، لكن يبقى السؤال ما هي مصلحة أمريكا وأوروبا لتسليم المنطقة لهؤلاء الارهابيين؟ والاجابة بسيطة وغير مركبة على الاطلاق إنها أوروبا الغبية وأمريكا الساذجة.