القاهرة – القدس العربي – من كمال القاضي: المبادرات التي قام بها عدد من نجوم الفن والسينما والمتعلقة بالتبرع لتقوية اقتصاد الدولة هي اقرب ما تكون إلى ما فعلته أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب وغيرهم في ظروف مصر الصعبة عقب نكسة 67، حيث قاموا بجمع تبرعات مالية ضخمة للانتاج الحربي، السياق برغم اختلافه إلا أن الحالة مشابهة.
الحماسة التي اندفع بها النجوم نحو صناديق التبرعات أدت الى تحصيل ملايين الجنيهات وتدفقها لتعويض نقص الميزانية، شعور وطني محمود وفعل منزه عن أي عرض سياسي او شخصي من جانب الفنانين وإن شابه بعض التنافس ولكنه التنافس الايجابي، فمن أعلن عما دفعه كان هدفه تحفيز الآخرين على الدفع، فعلى سبيل المثال قيام الفنان أحمد السقا بالتبرع بثلاثة ملايين جنيه شجع الكثيرين على ان يحذوا حذوه قد قامت ليلى علوي بالتبرع بعشرة آلاف دولار في حين دفعت غادة عبدالرازق مليون جنيه مصري وهي من كانت حتى وقت قريب ضد الثورة.
يبدو أن لحظات الانتصار والشعور بتغير المناخ الفني إلى الأفضل كان سبباً رئيسياً في إحياء نوازع الخير والوطنية والتخلي عن الآراء السياسية التي أدت إلى خلق النزاعات والخلافات الضيقة، هؤلاء المذكورون ليسوا هم فقط من قاموا بضخ الأموال في رقم الحساب الخاص بتنمية اقتصاد الدولة، وإنما هناك الكثيرين ممن فعلوا نفس الشيء في السر فقد نما إلى علمنا أن قائمة التبرعات شملت عدد أكبر من الأسماء المعلنة فمن بين من سارعوا في هذا الخصوص المخرج خالد يوسف والفنان سامح الصريطي والفنان أحمد عبدالعزيز والفنان خالد صالح وأيضاً خالد الصاوي وآخرين.
وحسب ما تردد أن القيمة المالية لكل متبرع تقدر بمئات الآلاف وهو ما يؤكد أن القطاع الثقافي والفني كان الأكثر إغداقا وتوفيراً للسيولة، وتبقى فئة من النجوم تنتوي التبرع ولكنها تنتظر مرور الأيام الصعبة وبلورة المشهد، ومن المتوقع أن تتمثل إسهاماتهم في شكل مشاريع استثمارية على نطاق واسع يستفيد منها الاقتصاد المصري وتعمل على تشغيل العمالة المعطلة، ويرجح ان يكون من بين أصحاب المشاريع الوطنية الاستثمارية عادل إمام ونور الشريف ونبيلة عبيد وبعض المنتجين الكبار أمثال كامل أبو علي ومحمد حسن رمزي وهشام شعبان والعدل جروب.
هذه الخطوة يعتبرها البعض هي الأجدى في ضمان استمرار الانتعاش الاقتصادي، حيث الاتجاه في المرحلة المقبلة سيكون قائماً على التركيز لتأسيس منظومة ثقافية اجتماعية اقتصادية تنحصر أهدافها في استيعاب الطاقات الشابة وانخراطها في الوسط الثقافي لمحو الأمية الثقافية والتبصير بدور الفن كمقوم أساسي من مقومات التوعية والابتكار والتنشئة النفسية السليمة،
لا شك أن هذه الصحوة جاءت على خلفية الحصار الذي كاد أن يفرض خلال السنة الماضية لتقويض النشاط الإبداعي بدعوى حرمانيته وعدم اتساقه مع صحيح الدين الإسلامي، ذلك أن بعض الرجعيين ربطوا بين بعض الظواهر السلبية في المجتمع وتأثير الفن من سينما ومسرح وموسيقى ورأوا أن التردي الأخلاقي من وجهة نظرهم ناتج عن تغلغل مثل هذه الانشطة في الممارسات الاجتماعية العامة!
ولعل من دواعي تزعم الفنانين والمثقفين لحملة الرفض لوجود الإخوان المسلمين في الحكم كانت رؤيتهم الجامدة وغير الموضوعية لكل ما هو إبداعي، لذا حدث الانتفاض الجماعي الذي سرعان ما تحول إلى ثورة عارمة نزع فتيلها الشعب وحمتها القوات المسلحة وهو الأمر المختلف عليه الآن بين فئتين فئة تعتبره انقلاباً عسكرياً وفئة أخرى تراه ثورة شعبية تتجلى ملامحها الآن في مصر المعارضة وليست المؤيدة للنظام السابق.
على ضوء القناعة الكاملة لدى الفنانين والمبدعين بأن ما حدث جاء تحقيقاً لغاية الحرية وإطلاق سراح الإبداع بدأت الاحتفالات وتواصل النزول الى ميدان التحرير كرمز من رموز الثورة، حيث تتلاقى فيه كل الأطياف من كل حدب وصوب تردد جميعها شعارا واحدا يعبر عن التمسك بالدولة المدنية الحاضنة لفنون الآداب في عودة إلى ما كانت عليه مصر إبان فترتي الخمسينيات والستينيات وزمن احترام الفن وتكريم الفنانين.