مصر إلى أين؟

حجم الخط
14

شغلني المستقبل، وشغلتني دراسات المستقبل منذ زمن بعيد، حباً في الوطن والأمة وخوفا عليهما، ورغبة في التقدم وخجلا من التخلف، الذي يحيط بالأمة رغم أنها خير أمة أخرجت للناس. ومنطلق ذلك الأمر يكمن في ثلاثة أمور.
أولهما: أن العالم يتقدم من حولنا فيغزو الفضاء، ويحول العالم إلى قرية صغيرة، يهيمن عليها بالعلم والقوة المادية، ومنها العسكرية أو الحربية، وتزداد الهوة بين العالم الغربي وبقية العالم، ومنه الأمة العربية الاسلامية.
وثانيها: ان المرجعية الاسلامية متمثلة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، بكل تأكيد، تحثنا على التقدم والنماء وما نقدمه للغد. ففي القرآن الكريم نقرأ ‘يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون’. وإحسان ما نقدمه للغد كمسلمين يجب أن يكون محشورا بين تقويين، كما تقول الآية، وهذا فرق بين أخلاقيات مشوار تقدم المسلمين المصحوب بالتقوى، وتقدم غيرهم المصحوب بالرغبة في التفوق المادي فقط. وفي الآيات الأخرى من سورة آل عمران.
هناك إشارة واضحة الى التقدم العلمي من خلال التفكر في خلق السموات والأرض، من قبل أولى الألباب، ‘إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب’. إذن الدين ليس أفيون الشعوب، كما كان ولا يزال يظن بعضهم، إن الدين الاسلامي قبل أن تظهر الحضارة الغربية المعاصرة على الحضارات الأخرى، يدعو الناس الى النظر في الغد، ويدعو أولى الألباب الى أن يتفكروا في خلق السموات والأرض. وفي آيات أخرى يشير القرآن الى استخلاص الدروس والعبر ‘قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق’.
وثالثها: ان المسلمين في عصرنا الحاضر، لم يفعلوا للأسف الشديد، شيئا من ذلك المطلوب، بل الواجب عليهم كحكومات وأحزاب وحركات، واشتركوا بكل قوة وعنف أحيانا في الصراع على السلطة أو الحكم، وهم يعلمون أن نتائج الصراع وخيمة، وتؤدي الى الضعف، بل أحيانا الى الاستعانة بالآخرين، ولو كانوا أعداء هذه الأمة، لنصرتهم أثناء الفتن التي تعرضت لها بعض بلادننا، ومنها الخليج أيام صدام، ويتعرض لها حاليا البعض الآخر، وستتعرض لها البقية إن لم تتغير الأحوال والأوضاع. ولكن ‘إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم’، وكذلك ‘من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون’. والتخلف أو العنف لا يمكن أن يكون عملا صالحا في يوم من الأيام وكذلك الضعف، بل إن القرآن يدعو الى إعداد القوة، ‘وأعدوا لهم’ وهذا الإعداد لا يمكن أن يكون للعدوان على الآخر، بل هو الاعداد لردع الآخرين عن أن يعتدوا، ويدخل في إطار ما تسميه الدراسات الاستراتيجية مؤخرا ‘استراتيجية الردع’.
ولو نظر المسلمون في قول أو حديث شريف واحد – فضلا عن الآيات التي أشرنا إليها سابقا – لكفاهم ذلك في السعي للتقدم والتحسن والإحسان والاتقان، ولكنهم يقرأون، ويبدو أن الاستيعاب يكون في أحيان كثيرة قاصراً.
يقول صلى الله عليه وسلم ‘من تساوى يوماه فهو مغبون’، أي مظلوم وقد ظلم نفسه. وإذا اعتبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ‘التساوي بين يوم وآخر هو ظلم للنفس؛ لأن الإنسان أو الحاكم أو الحزب أو الشعب لم يُضف جديدا إلى علمه وأدبه وخلقه واقتصاده وأمنه وقوته، إلا أن هناك من يدافع بالحق والباطل عن رئيسه في العمل أو الحزب، أو رئيس وطنه، أو يلتمس له أعذاراً، رغم أن المشاكل والتحديات من ورائه تزداد يوما بعد يوم، ورغم فشله الواضح في أداء مهام عمله، ومسؤولياته وواجباته، وإذا كان من تساوى يوماه فهو مغبون فما بالنا بمن يتخلف يوما بعد آخر.
إن كان ما رأيناه خلال سنة كاملة مضت من أداء ضعيف أو سيئ مخالف أيضا لمنهج التقدم لأن: من ولِي أحد أمرا من أمور المسلمين وهم يعلم أن هناك من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين. وفي صدد التقدم والبحث العلمي المنشود يقول الامام البنا في ‘رسالة التعاليم’ في الأصل الثامن عشر من أصول الفهم ‘الاسلام يحرر العقل ويحث على النظر في الكون ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع من كل شيء، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها’. كان على الاسلاميين تقديم النموذج الجميل لا الدفاع عن أداء غير حسن.
في ضوء ذلك كله لنأخذ مصر اليوم على سبيل المثال، نجد رئيسا معزولا، بعد أن رأينا رئيسا مخلوعا، خلال سنتين ونصف السنة فقط، جاء العزل في ضوء ضعف الأداء في الرئاسة والحكومة ومحاولات الهيمنة، من دون قدرة عليها، وهو ما سماه بعضهم الأخونة أو التمكين أو النهضة، كمــــا جاء نتيجه ضعف القدرة على الاستجابة لطلبات واقتراحات المعارضة وغيرهم، حتى تشكلت حركة ‘تمرد’، التي أذهلت العالم بقـــدرتها على تجميع أكثر من 22 مليــــون توقيع على استمارات تمرد في مدة شهرين أو أكثر قليلا، تطالب برحيل مرسي ، ومن ثم كان الحشد الكبــــير يوم 30 يونيو 2013، الذي لم تشهد مصر مثله من قبل، ولكنها قد تشهد أكثر منه في المستقبل، إذا استمــر المشهد العبثي على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، واستمر العنف والتطرف والتكفير الذي شاب أداء وكلام بعض رجالات الحركة الاسلامية مؤخرا.
نادى هذا الحشد الكبير ‘تمرد’ برحيل الرئيس المعزول حاليا، بعد أن كانوا يطالبونه فقط من قبل بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ وهنا كما يقول العرب ‘ على نفسها جنت براقش’. رأينا ذلك الحشد الهائل يضغط من أجل الرحيل المبكر.
واستعد ذلك الحشد الكبير للاعتصام حتى رحيل مرسي، مع ما في ذلك من مشكلات وتحديات متوقعة. رأينا يوم 30 يونيو وقبلها مسيرات في قرى صغيرة لم يكن لها اهتمام بالسياسة في يوم من الأيام تنادي برحيل مرسي، ومن ثم كان دخول الجيش الى ساحة المعركة الكبيرة ليقف الى جانب هذا الحشد الهائل، أي الثورة الثانية بعد أن بينَّ للشعب حرصه ومتابعته على أمن الوطن، وكان هذا التدخل من الجيش حماية للثورة الجديدة، كما استطاع أن يحمي الثورة الأولى في 25 يناير 2011، ويدعمها حتى تخلى مبارك عن الرئاسة. هذا ما أراه رغم أن من الفقهاء والمؤرخين من لا يثق في الجيوش ولا في الحكم العسكري وينسون كما قلت من قبل دعم الجيش لثورة 25 يناير، بل حكمها بعض الوقت.
حكم المجلس العسكري مصر لمدة سنة ونصف السنة بعد الثورة الأولى، وأصدر ما أصدر من إعلانات دستورية، قبلها الجميع، بمن في ذلك الاسلاميون، الذين شاركوا المجلس العسكري، ودعوا الى التصويت بنعم للاعلان الدستوري المطروح في اذار/مارس 2011 رغم المواد المعيبة التي كانت فيه، وهي المواد 28، 60، وقبل الأكثرية العمل بالاعلان الدستورى ومواده، التي تزيد عن 60 مادة، رغم أن التصويت كان على أقل من 10 مواد فقط. ووقعت تحت حكم المجلس العسكرى بعض الاحداث المستنكرة، لم يستنكرها الاسلاميون الداعمون للمجلس العسكري آنئذ، ومن تلك الوقائع تهريب الأمريكان المتهمين في قضية منظمات المجتمع المدني، فبئس رأي أو عمل يكيل بمكيالين.
فلماذا يقبل البعض تدخل الجيش في ثورة 25 يناير، بل ويدعم حكم المجلس العسكري لمدة سنة ونصف السنة ويرفض ذلك التدخل في ثورة 30 يونيو، رغم ان المجلس العسكري أدار الوطن بعد الثورة الأولى، ولم يفعل ذلك في الثورة الثانية.
أنا مع أن يفرغ الجيش لمهمته الأساسية، ولكنني توقعت تدخل الجيش في برامج ومقالات في السيناريوهات الأربعة التي توقعتها منذ منتصف شهر مارس 2013 وسخر منها بعض الاسلاميين خصوصا.
صحيح تشكلت خلال تلك الفترة أحزاب سياسية كانت في معظمها محظورة، مثل الحرية والعدالة والوسط وغيرهما، وفرحنا بهذه الحرية الواسعة، وبقيت أهداف الثورة الأولى الثلاثة الأخرى مطلبا شعبيا، وهي العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، فضلا عن الوعود التي وعد بها الرئيس المعزول ولم يستطع الوفاء بها لأسباب مجهولة حتى اليوم، ورغم أنه ألقى باللائمة على المعارضة والأصابع الخفية والبلطجة، إلا انه اعترف في خطابه قبل الأخير وقبل الثورة الثانية بثلاثه أيام فقط ببعض الأخطاء وطالب بإجراءات، كان يجب أن يعملها قبل ستة أشهر على الأقل، ومنها لجنة مواجهة البلطجة، ولجنة تعديل مواد الدستور المعيبة ولجنة المصالحة الوطنية وتشغيل الشباب كمساعدين للوزراء والمحافظين. جاء ذلك متأخرا جدا كالعادة وبعد فوات الآوان.
وأخيرا كان النظام يرى أن ‘تمرد’ زوبعة في فنجان ويدعوهم الى الصناديق والمصالحة الوطنية، فلماذا لا يقبل الاسلاميون ذلك اليوم؟
بقى أن نعرف أن الفوضى كما يحدث في سيناء اليوم وأمام الحرس الجمهوري وغيره، قد تؤدي الى السيناريو المتوقع الأسوأ وهو تدخل الأمريكان، ولكننا نثق في القوات المسلحة التي ستقف دون ذلك بالمرصاد، وذلك بالقضاء على الفوضى. وأخيرا كان الاخوان على خلاف مع النظام الناصري منذ سنة 1954، ولكنهم اليوم على خلاف مع الشعب الذي طالب برحيل مرسي.

‘ كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مديحه احمد:

    تحليل واقعى لما يجرى الان فى مصر لكن للاسف معروف دائما ان الاخوان يوافقون على الاشياء حين تلائم مصلحتهم وينقلبون على من يخالفهم هم الان يدافعون عن المناصب والكرسى بدماء الشباب المصريين المغيبة عقولهم وليس بدماء قادتهم الذين لايعرفون الدين الاسلامى الصحيح الذين تبرى منهم حسن البنا ذاته حين قال عنهم ليسوا باخوان وليسوا بمسلمين وللاخوه الذين غير مقتنعين بانه حقا انقلاب شعبى هناك فيديوهات موثقه اذهبوا اليها حتى تعرفوا وتيقنوا اننا كمصريين كرهنا حكم ليس باسلامى جعل الشعب ينقلب على بعضه البعض منذ اول اعلان دستورى اصدره المعزول مرسى ونقول لكم كمصريين ان عاد مرسى حقا وهذا لن يحدث سينزل كل فرد فينا هذه المره لن تجدوا 30 مليون بل ستجدون 80 مليون بالشوارع فى الداخل والجارج ماذا نفعل لتعلموا اننا لانريدهم لانريدهم ارحمونا من تحليلكم الغير واقعى فانتم لاتعرفون من هو الشعب المصرى …

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية