تنظيم «الدولة»: «تسونامي» ضد السنّة وهزيمته ستترك عناصره لاجئين

حجم الخط
2

لندن – «القدس العربي»: تقترب معركة استعادة مدينة الموصل من نهايتها الحاسمة، فقد تم قطع معظم طرق الإمداد عن المقاتلين التابعين لتنظيم «الدولة» وباتوا محاصرين ولم يعد بإمكانهم الفرار إلى الصحراء أو التراجع لمدينة الرقة السورية، معقل «الخلافة» والتي تواجه حصاراً قريباً.
ورغم أن «نعي» التنظيم لم يكتب ولن يكتب في القريب العاجل، لكن الضرر الذي تسبب به على المجتمعات التي حكمها سيتواصل لأجيال قادمة. فقد عانى من سطوته وشراسته الشيعة والمسيحيون والأكراد واليزيديون، لكن السنة الذين خرج باسم الدفاع عنهم وحمايتهم من «الاضطهاد الشيعي» هم أكثر من عانوا.
فالأراضي التي احتلها وحكمها عاشت فيها الغالبية السنية في العراق. وشكل السنة غالبية مهجري الحرب البالغ عددهم 4.2 مليون نازح. وفي الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم تم تدمير العديد من القرى والبلدات السنية مثل الرمادي والفلوجة، وقريباً الرقة والموصل. ورغم أن غالبية السنة لم يلعبوا دوراً في صعود تنظيم «الدولة» إلا أنهم يدفعون الثمن الباهظ بسبب أفعاله بشكل يؤثر على وضعهم في المنطقة والتي حكموها منذ ظهور الإسلام.
وفي تقرير، أعدته ليز سلاي، من صحيفة «واشنطن بوست» نقلت فيه عن الشيخ غازي محمد حمود، أحد زعماء العشائر في ربيعة، شمال غرب العراق، قوله: «كان داعش تسونامي مسح معه السنة. خسرنا كل شيء، بيوتنا وأعمالنا وأرواحنا».
وتعاني البلدات السورية من المصير نفسه الذي عانت منه مناطق السنة العراقيين. فقد تم تدمير البلدات والأحياء السنية نتيجة للضربات الجوية للنظام السوري والروس. ويعتمد نظام بشار الأسد على القوى الخارجية الوكيلة من الميليشيات الشيعية، العراقية والأفغانية وحزب الله لضرب مقاتلي «التنظيم». وأدت الحرب في سوريا لتدفق ملايين اللاجئين إلى دول الجوار وأوروبا حيث يشكل السنة غالبية 5 ملايين نازح توزعوا على المنطقة وتوجهوا إلى أوروبا.
ويحذر الخبراء من مخاطر ما يجري حيث ستؤدي التطورات لتحويل السنة إلى طائفة مقتلعة ساخطة، في بلاد طالما حكموها على مدار السنين، بشكل سيخلق الظروف المناسبة لتكرار التجربة من التشدد والتهميش والتي أدت لولادة تنظيم «الدولة».
ويحذر السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، من مخاطر سيناريو كهذا، موضحاً أن «الأمر لا يتعلق باستعادة المناطق من الجهاديين ولكن يجب الحكم بطريقة مناسبة وإلا سنواجه تمرداً إسلامياً طويل الأمد».
وقال فورد، الذي يعمل في معهد الشرق الأوسط، بواشنطن : «في حالة عدم حصول الحكام على دعم محلي فسيظل تنظيم الدولة قادراً على التجنيد خاصة في حالة استمرت الظروف المعيشية بدون تحسن».

تحقيق الوئام المجتمعي

ويرى دبلوماسيون وعمال إغاثة أن هناك ضرورة لتحقيق المصالحة وإعادة توطين المهجرين وإعادة البنى التحتية التي دمرتها الحرب كشرط لتجنب تكرار دروس الماضي. وتقول الكاتبة إن هزيمة التنظيم القريبة توفر فرصة لإعادة بناء العلاقات السنية والشيعية والكردية. وتظل مسألة التعايش بين هذه الأطراف محلاً للسؤال مثلما المصالحة التي لا تزال بعيدة المنال. ففي رحلة قامت بها الكاتبة لعدد من القرى التي تمت استعادتها من تنظيم «الدولة» وتمتد من الحدود السورية إلى الحدود الإيرانية، كشفت عن التحديات التي تواجه قضايا التعمير والمصالحة والتوطين.
ومرت الكاتبة بقرى مدمرة ومفرغة من نصف سكانها وتمزقت المجتمعات التي عاشت فيها لأجيال. والمشكلة أن المناطق التي سيطر عليها التنظيم وإن كانت سنية، إلا أن القوى التي استعادتها هي شيعية و كردية قامت بملء الفراغ الأمني وحراسة نقاط التفتيش خشية عودة المقاتلين من جديد. كما أعادت رسم الحدود مما سيفتح الباب أمام نزاعات في المستقبل على الأراضي والسلطة والسياسة.
بلدة ربيعة، القريبة من الحدود السورية التي سيطر عليها التنظيم في آب /أغسطس 2014 وطرد منها بعد شهرين، كانت في السابق تديرها حكومة بغداد، أما الآن فتدار من قبل حكومة إقليم كردستان شبه المستقل. ومع أن البلدة نجت من المصير الذي تعرضت له مدينتا الرمادي والفلوجة، لكن سكانها السنة وغالبيتهم من قبيلة شمر، شكلوا ميليشيا لمساعدة البيشمركه على إدارة البلدة ورفعوا العلم الكردي على نقاط التفتيش. ونقلت الكاتبة عن محمد خضير، رئيس كتيبة شمر، قوله إن «مقاتليه يقومون برد جميل البيشمركه التي وقفت معهم عندما كنا محتلين من قبل داعش». ولا ينفي هذا حالة من الشك والترقب بين الطرفين، فالحكام الأكراد فرضوا على أهل البلدة الحصول على إذن دخول وخروج منها. وهو عبء لبلدة عاشت على التجارة المتبادلة مع الحدود السورية.
ويرى المسؤول الأمني الكردي، محمد صادق سيد، أن الترتيبات ضرورية لوجود الكثير من المتعاطفين مع تنظيم «الدولة» في البلدة. ومنع سكان القرى المحيطة بها من العودة إلى بيوتهم التي لم يبق منها سوى أنقاض.
وفي الطريق إلى سنجار، منع سكان قرية كازوخا من العودة إلى بيوتهم لاتهامهم بالتعاون مع تنظيم «الدولة». صحيح أن بعض السنة في المنطقة دعموا تنظيم «الدولة» كبديل عن الحكم القائم. كان هذا في البداية، كما يقول الشيخ حمود، مضيفاً: «لو لم يكن هناك دعم لما استمروا ساعة. وفرح السنة في البداية ولم يعرفوا من هم ولهذا رحبوا بهم كمنقذين» والآن نعتبرهم كارثة».
وتشير الكاتبة، لحزام من القرى والبلدات والذي يمتد على مئات الأميال والذي شكل يوماً ما حدود «الدولة الإسلامية» التي تتقلص أراضيها حيث عاش الناس وأصبحت اليوم فارغة. وربما هرب بعضهم مع المقاتلين المنسحبين أو ماتوا نتيجة للقصف الجوي.
وهناك حوالي 4.2 مليون هربوا بالاتجاه المعاكس بعيداً عن المقاتلين وباتجاه القوات المتقدمة. وكانت منظمة «أمنستي إنترناشونال» قد اتهمت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الميليشيات العراقية والحكومية بسجن آلاف الأشخاص معظمهم رجال حاولوا الهروب من مناطق القتال.

ضحايا المنقذ والمحرر

وعليه، فالسنة لا يشكلون فقط غالبية ضحايا تنظيم «الدولة» ولكنهم أيضاً غالبية من تأثروا بالحرب ضده. وتظل الفرصة قائمة لعودة المهجرين إلى مدنهم التي كانت غالبيتها سنية مثل الرمادي والفلوجة وتكريت. ففي العامين الماضيين عاد حوالي 900 ألف نسمة إلى مدنهم حسب تقديرات الأمم المتحدة. أما في المناطق التي عاش فيها السنة جنباً إلى جنب مع الشيعة والأكراد فلا توجد أية فرصة للعودة رغم خروج تنظيم «الدولة» منها.
وحسب جاسم نوري، وهو سائق شاحنة «يقولون كل السنة هم داعش، وهذا غير صحيح». نوري، عاش طوال العاميين الماضيين في موقع بناء بمحافظة صلاح الدين بعيداً عن قريته سلمان بيك حيث منعت الميليشيات الشيعية السكان السنة من العودة إلى بيوتهم هناك. وتعرض ابناه العام الماضي لاعتقال من ملثمين واتهما بالتعاطف مع تنظيم «الدولة».
ويبدو الوضع واضحاً في مدينة ديالى قرب الحدود العراقية مع إيران، حيث يعيش في المدينة سنة وشيعة وأكراد. وبعد عام ونصف من طرد الجهاديين منها عاد التوتر بين السنة والشيعة بشكل أسهم في ظهور التنظيم من جديد.
وقامت خلايا باختراق المناطق التي طرد منها الجهاديون ونفذت عمليات انتحارية قتلت المئات. وفي الوقت نفسه قامت ميليشيات تعمل في الظل باستهداف السنة. ورغم عودة 172.000 فروا بعد تقدم تنظيم «الدولة» إلا أن هناك 82.000 منعوا من العودة.
ويشعر الكثير من السنة في هذه المناطق بوجود سياسة «تطهير عرقي» موجهة ضدهم وتقوم بتنفيذها الميليشيات المدعومة من إيران. ويقول فني كهربائي سني، من سلمان بيك، إن «هذه الجماعات تستهدف السنة بشكل مقصود لإحداث تغييرات ديموغرافية».
ولم تقتصر عملية التهجير على القرى التي احتلها تنظيم «الدولة» بل وتلك التي لم يصل إليها، حسبما يقول عدنان سالم داوود الذي عاش بمنطقة لم يصلها الجهاديون، إذ أن الميليشيات الشيعية هجرته ويعيش الآن في مخيم قوره تو. وقال إن سياسات التخويف ومداهمة البيوت في الليل والضرب والإهانة أمام العائلات وتحويل الحياة إلى جحيم لا يطاق هي ما دفعت الكثيرين للهروب. ونفى متحدث باسم منظمة بدر التي تسيطر على المنطقة وجود سياسة تستهدف السنة. وبرر عدم عودتهم إلى بيوتهم بكون قراهم قريبة من محاور الحرب أو لأن أفراد عائلاتهم يشتبه بعلاقتها مع تنظيم «الدولة». كما اعترف بوجود قتل وتهجير، موضحاً في الوقت نفسه ان ذلك «عمليات انتقام وثأر فردية تجري بين العشائر. علينا أن لا ننظر إلى ديالى ولكن إلى تكريت التي تعتبر قصة نجاح».

أعلام المليشيات في تكريت

وتعلق الكاتبة أن سكان تكريت، مسقط الزعيم صدام حسين عاد معظمهم إليها بعد طرد الجهاديين منها، ومع ذلك لا تزال أعلام المليشيات الشيعية ترفرف على نقاط التفتيش التي تتحكم بمداخلها.
وفي الماضي كانت صورة صدام تستقبل القادمين إليها، أما اليوم فلوحات إعلانات تحمل صور قادة الميليشيات الأقوياء – هادي العامري وأبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي. ويعلل قائم مقام تكريت عمر الشنداخ وجود الصور بأنها «الطريقة الرسمية لشكر هؤلاء الذين حرروا تكريت».
ومع ذلك لا تزال مساحات واسعة من المدينة مدمرة، ورغم عودة الحياة الطبيعية والخدمات الرئيسية إلا أن عملية الإعمار لم تتم بعد. وحسب ليزا غراند،، منسقة الشؤون الدولية التابعة للأمم المتحدة في العراق فتكريت تعتبر قصة نجاح بمعايير الوضع في العراق «وهذا لا يعني أنك ترى مجتمعاً استعاد عافيته».
رغم هزيمة تنظيم «الدولة المرتقبة»، لكن العراق يعاني من أزمة اقتصادية وخسر نصف موارده المالية بسبب تراجع أسعار النفط. وحتى الذين يشعرون بالفرحة لأنهم عادوا إلى تكريت لا يعرفون إلى أين تسير بلادهم وبالتأكيد معظم الذين لم يعودوا ولا يزالون يعيشون في المخيمات. فكارثة تنظيم «الدولة» ستترك أثرها وستظل تحوم على حياتهم وعلى المنطقة في المدى القريب.

تنظيم «الدولة»: «تسونامي» ضد السنّة وهزيمته ستترك عناصره لاجئين
العراق يحتاج لمصالحة وإعادة تأهيل وإعمار
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Salam:

    الكرد هم ايضا سنة لكن لم يرحبوا بالداعش بل وقفوا ضدهم وقاتلهم ام العرب السنة فقط رحبوا بالداعش وصفقوا لهم

  2. يقول مراقب.المانيا:

    المضحك قليلا والمبكي كثيرا . السنة يقولون داعش دمرتنا.داعش هي مؤامرة على السنة .لكن ونكون صريحين أي دولة عربية حاربت داعش .أي دولة عربية سيطرت على المشايخ الذين كانوا يصدرون الفتوى تلو الأخرى التي تدعو لدعم ( مجاهدي الدولة الإسلامية ) والله حرام .دمروا مدن السنة في سوريا والعراق.. وصلوا إلى بلدانا أخرى ..أين نحن العرب .تغيير المناهج الدراسية ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القرارات ربما تغير صورة شعبنا وتجعلها أكثر إنسانية .

إشترك في قائمتنا البريدية