من هو التالي بعد تغييب الإسلاميين؟

حجم الخط
2

الناظر إلى ثورات ‘الربيع العربي’ يجد أنها تمثل تطورا إيجابيا في الاتجاه الصحيح، بوصفها ثورات مدنية عفوية تطالب بالحرية وتدفع بزخم من أجل التغيير الديمقراطي الجذري في ادارة الحكم لتحقيق العدالة الاجتماعية.
بطبيعة الحال، فإن إراقة الدماء، والاقتراب من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، والاستقطاب واحداث شرخ في المجتمعات العربية هي من نتائج الربيع العربي. لكن كان يمكن تجنب هذا الخلل السياسي والشرخ العميق في المجتمعات العربية.
لقد كان على طغاة الأنظمة العربية أن يفسحوا المجال لتغير النظام السياسي تدريجياً، لتأسيس التعددية الديمقراطية بدلا من التغير المفاجئ، ولكنهم لم يفعلوا. الحراك الذي يهزّ الدول العربية اليوم ليس حول الإسلاميين والليبراليين، لان كلا القطبين في العالم العربي يسعيان للهيمنة من خلال نفي الآخر، وهذا ما يجعل طريق الوصول إلى مجتمع حر ومستقل أكثر صعوبة وألماً. فمن الواضح إن الشعب العربي لن يبني مجتمعا ديمقراطيا حرا من دون التضحية بالدماء والتعلم من التجارب والاخطاء.
وهذا يقودنا إلى الأزمة الراهنة في مصر التي تتطور بسرعة نتيجة قيام العسكر بعزل الرئيس محمد مرسي، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر بعد ثورة 25 يناير. يجب ألا ننظر إلى هذا الانقلاب العسكري بأنه انتصار للديمقراطية، كما تدعي قوى المعارضة المصرية والمحتجون، بل هو انحراف عن طريق تحقيق الديمقراطية. فحكم الإخوان لمدة سنة واحدة كان كارثيا بالنسبة لمصر، وهذا لم يكن مفاجئا بعد وراثة أربعين عاما من الديكتاتورية والفساد المنظم، إضافة الى المزيج من قلة الخبرة وعدم الكفاءة، إلى جانب جهودهم المتضافرة لتعزيز قبضتهم على السلطة. وقد وضع هذا كله ضغطا على المؤسسات الديمقراطية الوليدة والناشئة في مصر. أمّا عن المعارضة فهي حتى الآن لم تقدم أيّة حلول سياسية أفضل، والدليل على ذلك هو عدم التعاون مع مرسي، بل عملوا على إفشاله.
اعتقد أنه كان من الواجب على القيادة السياسية في مصر ان تزرع بذور البنية التحتية المؤسساتية اللازمة لتشكيل حكومة مشاركة ديمقراطية تتجنب طغيان الأغلبية بدلا من العمل على نفي الاخر. ولكن لسوء الحظ، فإن كلا من الإسلاميين والمعارضين واصلو إنكار بعضهم البعض واستمروا في القتال على سلطة الدولة، على حساب المصلحة الوطنية. وقد أدى هذا في النهاية إلى تدخل العسكر الذين يبررون أفعالهم غير المشروعة بدعوى الحفاظ على إرادة الشعب المصري، ولكنهم في الحقيقة يساهمون في جر البلاد الى حرب أهلية يصعب تصورها. هذه الكارثة هي نتيجة حتمية لفشل كل من الإخوان والمعارضة.
وعلى الرغم من كل هذه الآلام المتزايدة، ما زال المصريون في حاجة لإعطاء العملية الديمقراطية الفرصة. وبدون اي شك لا بد ان نعترف بأن مشاهدة الملايين من المتظاهرين، وفي جميع أنحاء مصر ضد مرسي في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، تمثل بوضوح تصويتا لحجب الثقة عن حكومة مرسي. لكن وبنفس الوقت فان الانقلاب العسكري على رئيس منتخب ديمقراطيا قطعا ليس هو الحل لبناء نظام ديمقراطي، حيث انه لو صبر هؤلاء المحتجون إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية المستحقة لسمعت أصواتهم عالية وواضحة من خلال صناديق الاقتراع، واصبح التغيير مدنيا وديمقراطيا وتم ترّسيخ سيادة القانون.
ولكن الذي حصل انه في خضم الفوضى وبذريعة الأمن القومي، قام الجيش المصري بعمليات اعتقال للناشطين والقادة إلاسلاميين، من دون اتباع الإجراءات القانونية، وباغلاق المحطات التلفزيونية والوسائل إلاعلامية المحسوبة عليهم. وهذا تصرف غير مقبول ويذكرنا بالدكتاتورية السابقة، التي ما زالت تحارب بجهد لمنع بناء مجتمع ديمقراطي.
ينبغي على الشعب المصري الا يفرح كثيرا وان يكون حذرا من عودة الدكتاتورية العسكرية التاريخية، بل يجب ان يسعى بجدية الى المصالحة الوطنية لحماية حقوق جميع المواطنين المصريين من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية، خاصة حقوقهم في الاحتجاج والتظاهر السلمي وحرية التعبير.
لست هنا في محض الدفاع عن الاسلام السياسي الذي أعارضه بشدة، ولكني ادافع عن الشرعية الديمقراطية وسيادة القانون. ومن المهم الا ننسى ان التيار الاسلامي جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي، ويجب ان يشارك في صياغة مستقبل الامة كغيرة من التيارات السياسية. فتاريخ الحزب الواحد قد انتهى ولن يستطيع اي تيار سياسي حكم وادارة البلد الا بائتلافات حزبية.
وهنا تحضرني نصيحة القس الألماني مارتن نيمولر، الذي قال في عام 1930 عندما استلم النازيون الحكم حيث ‘عملوا على القضاء على كافة معارضيهم فغيّبوا اولأ الشيوعيين، فلم أتكلم لأنني لم أكن شيوعيا، ثم باليهود، فلم أتكلم لأنني لم أكن يهوديا، ثم النقابيين، ولم أتكلم لأنني لم أكن نقابيا، ثم الكاثوليك، ولم أتكلم لأنني بروتستانتي، ثم جاءوا إلي، وبحلول ذلك الوقت لم يبق هناك أحد ليتكلم’.
وبناء على ما تقدم، وللحيلولة دون المزيد من اراقة الدماء وعدم الوصول الى حرب اهلية، ينبغي على القيادات السياسية من المعارضة والإخوان أن تسلم بالامر الواقع وان تقبل بتنفيذ خارطة الطريق المفروضة قصرا من الجيش المصري، التي تتضمن تشكيل حكومة أزمة ووحدة وطنية لاعتماد دستور جديد، وصياغة قانون انتخابات نزيهة ومبكرة، مع المحافظة الشفافية الكاملة ومن دون أي تأخير. ومع ذلك فلن تكون مصر قادرة على تحقيق ما يستحقه شعبها من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والازدهار الا مع اليقظة والالتزام بسيادة القانون.
ارى ضرورة أن يحمي الشعب المصري المسار الثوري الصحيح مع إضفاء الطابع المؤسساتي الذي يؤدي الى الحكم المدني وسيادة القانون.
واتمنى على القادة السياسيين الترفع عن انتماءاتهم الحزبية، لحماية المصلحة الوطنية. واني على ثقة بان المصريين سوف يضعون خلافاتهم السياسية جانبا ويبدأون العمل معا لبناء مصر حرة ديمقراطية راسية في سيادة القانون. ومن تحت الانقاض العسكرية سوف ترتفع قيادة وطنية موحدة غير حزبية وغير منخدعة بمكائد الجيش الذي يسعى لإحياء النظام السابق. واخيرا اتوقع من الشعب المصري العظيم ان يعمل لحفظ إنجازات الثورة المصرية المجيدة التي لا تزال تلهم الآخرين في جميع أنحاء العالم.
محامي في نيويورك ومحاضر قانوني بجامعة رتجرز الامريكية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. احسان الخطيب:

    الاستاذ عوض اعطى تحليل علمي ومبداي بالنسبه لاحداث مصر. كان المطلوب من كل المحللين العرب مصداقية الاستاذ عوض ولكن للاسف لم يحصل- مع ان القيم الاسلاميه والمهنية تحث على ذلك.

  2. يقول محمد:

    تحليل عادل وموضوعي.
    Mr. Awad set aside his own political believes and dissected the events in egypt clearly, fairly and objectively.

إشترك في قائمتنا البريدية