عاد إسماعيل ولد الشيخ إلى المنطقة. كان الرئيس اليمني قد رفض استقباله قبل أسابيع في الرياض، غضب ولد الشيخ، وذهب يشكو إلى جون كيري، جاء كيري إلى مسقط، انتقم لولد الشيخ من هادي، باجتماعه مع محمد عبدالسلام، مكايدة لهادي. غضب هادي، وخرج المخلافي وزير خارجيته ليقول عن تصريحات كيري في مسقط إنها «زوبعة إعلامية».
العجوز كيري عاد أدراجه لحزم أغراضه من أروقة الخارجية الأمريكية، بقيت له أسابيع، لا تكفي للرد على المخلافي وظريف ولافروف والمعلم، ومشاغبات الرئيس الفلبيني. كيري وميشال أوباما يتفرغان، هي للملمة أدوات باراك الرياضية، وبعض مستلزمات كلب العائلة، وهو ربما لطي صفحة حياته السياسية، والتفرغ لإلقاء المحاضرات عن السلام بين اليهود والعرب في فلسطين، مثلما فعل «الرجل الطيب» توني بلير.
المهم، ولد الشيخ عاد مجدداً للمنطقة، لقي ابن سلمان في الرياض، أما هادي فكان قد حزم أمتعته، وذهب «في زيارة» إلى عدن.
طلب هادي أن يكون لقاؤه مع ولد الشيخ في عدن، ولد الشيخ قبل، وذهب إلى عدن، ولقي هادي هناك.
قال هادي لولد الشيخ إن «خريطة الطريق» تحتاج إلى «إعادة تقويم المسار» الخريطة حسب كلام سابق لهادي «تشرعن الانقلاب». ولد الشيخ الذي قال قبل ذلك إن هذه الخريطة غير قابلة للتغيير أو التعديل، عاد من عدن الخميس ليقول بلغة لينة إن الحكومة سلمته ردها على الخريطة، وأنه «لا حل في اليمن إلا بمشاركة الشرعية ممثلة بالرئيس والحكومة».
ولد الشيخ يطير بعد الاجتماع إلى الكويت، ويدخل سكرتير هادي ليقول له إن موعد الطيران إلى الإمارات قد اقترب.
الكويت تعلن أن «حكومة الرئيس هادي هي الشرعية دستورياً وقانونياً» وقبلها رفض التعاون الخليجي والجامعة العربية وروسيا وتركيا والأمم المتحدة الاعتراف بحكومة الحوثيين وعلي عبدالله صالح التي شكلوها مؤخراً في صنعاء.
زخم مسقط الذي أحرزه الحوثيون تبخر، وعاد الحوثيون وصالح يأسفون لردود الأفعال «السلبية» التي لاقاها تشكيل «حكومة الانقاذ الوطني» وعادت مجدداً الوقفات الاحتجاجية ضد ولد الشيخ والأمم المتحدة.
تحاف صالح ـ الحوثي قدم لهادي الهدية التي ما كان يتوقعها، ففي حين كان ولد الشيخ عائداً بعصا كيري إلى هادي، أعلن صالح والحوثي عن حكومتهم، التي قال ولد الشيخ عنها إنها تناقض تعهدات صالح والحوثيين للأمم المتحدة، وإنها تناقض تعهد الحوثي لكيري في مسقط.
الوضع السياسي في اليمن مثل طقس لندن يسخن ويبرد خلال ساعات، وربما مرت الفصول الأربعة في اليوم الواحد. يبدو أن الرئيس هادي ينال شيئاً من الارتياح خلال هذين اليومين. عاد إلى عدن، لقي ولد الشيخ، تفهم ولد الشيخ قلق هادي والحكومة، الموجة مواتية لهادي.
علي عبدالله صالح الغائب الحاضر في الحراك السياسي، أحس خلال الأيام الماضية أن زوايا التصوير تتجاوزه، فأراد أن يلفت الأنظار. خرج صالح برسالة غريبة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي للسماح له بالمشاركة في تشييع جثمان «الرفيق فيدل كاسترو». صالح الذي لم يأبه لرسالته أحد، عاد وبلع لسانه، لتخرج اللجنة العامة لحزبه، أو لما تبقى من حزبه الذي ضاع دمه بين القبائل، عادت اللجنة لتقول إنها تمنع «الزعيم» من السفر خارج البلاد، يريد صالح أن يقول إنه منضبط لحزبه، وليقول إن عدم سفره إلى الخارج جاء تلبية لطلب المؤتمر، وليس لان العالم يمنع سفره.
كان صالح أذكى من كذا بكثير، لكن يبدو أن الحرص على تحقيق نقاط جديدة- ولو على المستوى الإعلامي- يفقد السياسي قدرته على تحقيق الأهداف.
في المجمل لا ربح دائم، ولا خسارة دائمة، يربح هادي قليلاً اليوم، ليخسر غداً، ابتسم صالح أمس، ليبتلع ابتسامته اليوم، أما الحوثي ففي كهفه يلوك الزمن بطريقته الخاصه، وبين الحين والآخر يرسل صورته ليتبرك بها أنصاره عبر شاشة «المسيرة» وهو الذي يخسر كثيراً، لكنه يعدنا بالربح الأكبر يوم أن يهزم «المشروع الصهيوأمريسعودي».
البورصة السياسية في اليمن هذه الأيام كالبورصة في المنطقة، الأسهم التي ترتفع اليوم تنتكس في الغد، لا شيء مضمونا.
سهم واحد فقط في هبوط منذ سنوات هو «سهم اليمن» سهم «المشروع الوطني» الذي اتفق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، والذي قضى عليه الحوثي بدخوله صنعاء فاتحاً، وقضى عليه صالح بمحاولاته إفشال من يأتي بعده، وقضى عليه هادي بتلكؤه، وتردده القاتل، وعدم اغتنام الفرص المهدرة.
« الملك عارياً» هل تذكرون حكاية أندرسون؟
الملك الذي ضحك عليه المحتالان بأنهما سينسجان له ثوباً لا يراه إلا الأذكياء، وحضر الملك للبس الثوب، ولكنه لم يجده، لأن المحتالين أخذا الذهب، ولم ينسجا ثوباً، غير أن الملك تظاهر بأنه يراه حتى لا يُظن أنه غبي، وألبس المحتالان الملك الثوب غير الموجود أصلاً، وخرج في مهرجان جماهيري، وتظاهر الجمهور برؤية الثوب على الملك كي لا يقال عنه إنه غبي، هللت الجوقة لجمال الثوب، وابتسمت الحاشية للملك أثناء الجلوس، مع أن الملك كان عارياً. إلى أن صرخ طفل ليس لديه خوف الجمهور والحاشية، صرخ مندهشاً: الملك يمشي عارياً.
ألا ترون هذا الملك عارياً، يمشي في شوارع صنعاء وعدن، ويخرج عارياً كذلك من كهوف صعدة؟
ورقة التوت سقطت، والبلد يتهاوى، والأهم من ذلك أن صالح حاكم لا يريد أن يترك الحكم، وأن هادي حاكم لا يريد أن يحكم، أما الحوثي فحاكم «سماوي» ومن ذا الذي يحاكم حاكماً نصبته السماء!
اصرخوا مع الطفل الصغير: الملك يمشي عارياً، كي ينتهي هذا العبث، هذا الاحتيال، هذا المهرجان السخيف، وكي يعرف الملك كما يمشي عارياً من كل شيء.
محمد جميح