الدرس المصري من يناير الى يونيو

حجم الخط
0

الحديث عن مصر ومصيرها شغل موائد الشهر الكريم فأينما ذهبت تجد في صدر المائدة مصر، ويبدأ الحديث من نقطة منغلقة على نفسها، أي ان مصر تعيش صراعا بين الجيش والاخوان المسلمين ويرمز لهما بمرسي والسيسي فتجد الخيارات التي امامك محدودة ومسيجة بمع أو ضد. في تقديري نحن بحاجة الى العودة قليلا الى الوراء فقط لنعلم اين نحن الان.
عندما أشعل محمد البوعزيزي المشهد العربي وتباينت التفاعلات الداخلية للاقطار التي اصابها الوابل، فالمشهد اليمني جاء مختلفا عن الليبي، والسوري لازال مستمرا، بل اخذ شكلا قطع الصلة بينه وبين شرارة التونسي الاولى، فبذات القدر للمشهد المصري خصائصه التي جعلت رحيل مبارك يحتاج الى تعريف وضبط مفاهيمي.
لعلنا أيضا نتذكر أن وصف المشهد العام بالربيع العربي كان مصحوبا بعدم يقين، وفي مصر كان الحديث عن ان الذي يجري ثورة، لكنها لا تتطابق مع المفهوم الكلاسيكي للثورة، لعدم وجود قيادة ومشروع تريده الثورة بعد رحيل مبارك.
الشيء الاصدق كان ولا يزال هو رغبة الجماهير العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية، والراسخون في علم الاجتماع السياسي كانوا يرددون أثناء حكم مبارك أنه (من يستطيع تغيير النظام لا يرغب، ومن يرغب في تغير النظام لا يستطيع). وجاهة تلك العبارة أنها تعكس حقائق السياسة وكيف انها مقدمة على الرغبات الجماهيرية ذات الطابع الاخلاقي المثالي بفهم أن أي اجتماع بشري تحت اي مسمى كان، وطنيا أو دينيا أو حزبيا، أو أي شكل من الاشكال هو في المحصلة النهائية يقف على فكرة المصالح في تصادماتها أو تحالفاتها .
رحل مبارك وفاز الاخوان ديمقراطيا، وجاء مرسي الى قصر الرئاسة فبدا الامر وكأن مرسي استولى على السلطة في جنح الظلام، لا انه جاء نتيجة لانتخابات ديمقراطية لماذا؟
في ثورة يوليو العام 1952 عندما استولى الضباط الاحرار على مقاليد الحكم لم يكتفوا فقط بإزالة الحكم الملكي، بل أزاحوا معه المجتمع المستفيد من نظام الملك ونزلوا الى مجتمع الفلاحين، لاستيلاد المجتمع البديل أو المستفيد من مشروع عبد الناصر السياسي، أي قوة صاحبت مصلحة في الحكم القائم، لقد ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل ان من نصائح كيسنجر للسادات ان يسعى لبناء مجتمع مستفيد من السلطة لحمايته، ولقد كان هذا أساس سياسة الانفتاح.
ورث مبارك مجتمع السادات او نما وازداد في عهده لا فرق، ولكن طول عمر مبارك في الحكم يساوي منطقيا قدرة مجتمع دولته على التغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع، ليصبحا القوة القادرة على التغيير، ولكنها لا ترغب لتعارض ذلك مع مصالحها .
الاخوان المسلمون وبواسطة الجمعيات الخيرية استطاعو ان يعيشوا يوميات الجماهير، وفي المقابل القوى الليبرالية الداعية للديقراطية عاشت في فضاءاتها التنظيرية مستفيدة من ادوات مجتمع مبارك ودولته، وعدد مقدر منها من باب النجومية كانت لهم حبال وصل مع مبارك .
هكذا كانت الخارطة عشية 25 يناير، ولان رحيل مبارك ومجتمعه ليس عملية يمكن ان تتم بين يوم وليلة، ولانها كانت من المتوقع ان تتم في ظل حكومة انتقالية الا انها الظروف التي احاطت بتقديم الانتخابات على الدستور وما تلاها من معارك سياسية ساهمت كلها في فوز الاخوان والدخول في مواجهة مع طرفين، مجتمع مبارك والليبراليين اللذين جمعهما الشارع مع الاخوان قبل بلوغ السلطة .
لم يكن لدى الاسلاميين مهارات سياسية كافية للتعامل مع الواقع بطريقة تمكنهم من إحلال مجتمع دولتهم الاسلامية، غير سياسة التمكين التي مورست في السودان من قبل الاسلاميين هناك، الامر الذي جعل المجتمع السياسي باتجاهاته الثلاثة، مجتمع دولة مبارك والليبراليين والإسلاميين بكافة ألوانهم في سباق مع الزمن، وجاءت السياسة بمصلحة الليبراليين عند سفينة مجتمع مبارك وتحالفوا وذهبوا الى رمزية الثورة والجماهير الى ميدان التحرير، الامر الذي جعل ميدان رابعة العدوية حيث مناصري محمد مرسي وكأنهم خارج شرعية الجماهير .
هذا الانقسام في الميادين لا ينفي أن الجماهير في 25 يناير كما في 30 يونيو قاصدة العدالة الاجتماعية ومناهضة للظلم والتسلط والهيمنة، وان الحيرة في تسميتها في حركة يناير لا أعتقد انها قائمة الان، لان المجتمع السياسي عاد للجماهير وليس بالضرورة لتحقيق مطالبها، ولكن من المؤكد لبناء مجتمعه الخاص لدولته التي هي قيد التأسيس .
الشيء الاهم الذي يمكن استلهامه من المشهد المصري هو أن الديمقراطية ليست عملية أخلاقية مثالية لاثبات نزاهتنا ومنزوعة المصالح، بل هي إحدى أدوات العملية السياسية التي تقف عند مراكز قوى وصراع مصالح.
كاتب في شؤون القرن الافريقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية