إن قلت إن الشعر جينة من جينات الإنسان فقد لن يصدقني أحد، لأن البشر أنواع هناك من يحب الشعر وهناك من لا يعني له شيئاً، وآخرون ربما يكرهونه. لكنني أعتقد أن الإنسان مهما نفرت نفسه من الشعر لصعوبة لغته أو سطحية معانيه أحيانا فإن التربية والتوجيه يجعلانه يسلك سلوكا فيه شعر.
قبل أن أكتب القصيدة وأنغمس في عوالم الشعر أحببت الألوان والأثواب الملونة والأناقة والجمال، أحببت معلماتي الأنيقات الباذخات في التهذيب وقول الأشياء بشكل مختلف، وقد كانت تلك كلها إشارات منذ بواكير عمري بأن يكون قدري من بين أقدار الشعر. كبرت وكبرت في نفسي تلك البذور الصغيرة التي تشبه حبوب الفاصولياء السحرية التي عانقت السماء في أسطورة قديمة لتطال مملكة العملاق مالك كنوز الذهب. ووجدتني سعيدة في هذه المملكة، مع عملاق الشعر الذي ليس من السهل ترويضه وأخذ كنوزه من بين يديه.
اليوم تفتح سجالات كثيرة حول موضوع أين الشعر اليوم؟ هل انتهى؟ هل يحتضر؟ هل يعود؟ هل ينبعث من قبره؟ ولماذا لا يقبل الناس على الشعر؟ وأسئلة كثيرة تشبه الإجابات عنها التكهنات بحظوظ الناس ومستقبلهم؟ فلا إجابة شافية، ولا نظرية نهائية للموضوع.
هل انتهى؟
لا أرى أنه انتهى، فعمر الشعر قصير مقارنة مع عمر الإنسان على هذه الأرض. وما يبدأ في سلوك البشرية جمعاء يصعب أن ينتهي بسرعة بل يتطور، وإن تأملنا في عمر اللغة فسنجدها أيضا معطىً شابا مقارنة مع عمر الإنسانية طبعا، وتطور اللغة في نظري هو الذي أنجب الفنون القائمة عليها، ومنها الشعر. والشعر أنجب فنونا أخرى، أو تناسل معها وأنجب أشكالا جديدة من الإبداع. والشعر اليوم موجود في حياتنا في الأسماء الجميلة التي نختارها لأبنائنا، في الموسيقى التي نبحث عنها في تلك الأسماء، الجميع يريد أسماء غير تلك الأسماء الطويلة الثقيلة على اللسان، الكل يبحث عن أسماء تحرك قلوبنا ومشاعرنا مثل «رهف، وراجي، وجنا، وميّا، ولانا» وغيرها من الأسماء، على سبيل المثال لم نعد نسمع أسماء كالتي كنا نسمعها سابقا مثل عبد المعطي، عبد الجبار، عبد القوي، مع أنها قائمة على حديث يقول أجمل الأسماء ما عُبِّدَ وحُمِّدَ. لم نعد نسمع باسم جاد الحق لكننا نسمع باسم جاد، اختصر الاسم ليصبح أكثر خفة على اللسان، وأجمل إيقاعا. قد نختلف في الموضوع وقد نتفق لكن ما أريد قوله هو أن الشعر حتى إن بات تراجع عن ساحاتنا الأدبية وقل الإقبال عليه جماهيريا إلا إنه ينتعش في نفوسنا. الأكثر من ذلك أن الشعر لم يتراجع أدبيا أيضا، ولمن يقول إن هذا الزمن زمن الرواية، نقول إن القارئ، خاصة القارئ العربي، أثبت أنه يجنح نحو الرواية الشاعرية، أو التي تزخر بالشعر، وأشهد بأني واحدة من هذا الجمهور الذي يجد متعته في قراءة رواية يحضر فيها الشعر أكثر.
تبدو تلك الروايات أكثر جمالا وكأنها إناث متأنقات رشيقات، مشرقات، هناك سر في تلك اللغة التي تنساب على طريقة الشعر حين تزين طبقات السرد وتلون شخصيات وأماكن الروايات بألوان بديعة. الشعر يدخل نوعا من الإيقاع على محتوى الرواية، يشبه الموسيقى التصويرية في الأفلام، لا يمكننا أن نستمتع بفيلم خال من الموسيقى، وإن أحببناه، والروايات هكذا، بعض الروايات نجحت فقط بسبب لغتها الشعرية مثل روايات أثير عبد الله التي تنافس روايات أحلام مستغانمي ومحمد حسن علوان، وعلى فكرة كلاهما أصدر عدد طبعات فاق العشرين طبعة لبعض العناوين، لكن إعلاميا يتخفيان وكل لأسبابه، وأعتقد أن محمد حسن علوان المقيم في كندا إن لم أخطئ لديه انشغالاته، ولا أعرف أي شيء عن أثير سوى ما قرأته لها.
خيارات الجمهور هنا تقول إنهم بحاجة إلى شعر، والشعر وحده يلبي تلك الرغبة الدفينة التي تحرك ذائقته.
نتهم الجمهور العربي بأنه يحب بطنه وأن كتب الطبخ هي الأولى على مستوى العالم العربي حسب المبيعات، طيب هل أمسك أحد مثقفينا كتب الطبخ هذه وتأملها من الغلاف إلى الغلاف؟ هل تأمل صور الطبخات؟ والمقادير لكل طبخة، وأسماء الأعشاب والبهارات التي توضع في كل طبخة ومن أين تحضر هذه البهارات والأعشاب؟ لن أخفي عنكم سرا ثانيا، وهو أني عاشقة للمطبخ الفخم، وتذوق أكلات كل بلد أزوره من أستراليا إلى أوروبا إلى أمريكا إلى كل بلدان آسيا التي زرتها إلى شمال أفريقيا إلى تونس التي أحضر عرسها الشعري اليوم. لن أخفي عنكم أن الطبخ في حد ذاته قصيدة، وأن الطبخة التي لا تحضر بحب وفن لن تنجح ولن يكون مذاقها رفيعا لدرجة جعلنا نردد كلمة «الله» بعمق وكأننا نصلي. الطبخ فن أيها السادة،
قطعة اللحم لها طريقة كيف تقطع وكيف تطهى وكيف تطعم بأعشاب تليق بها، وكيف ترش ببهارات تجيء من آخر الدنيا ليتذوقها شخص يفهم بالأكل. لا أحب فكرة أن الأثرياء هم الذين يتفلسفون بشأن الأكل ويلجأون للمطاعم الفخمة التي تبالغ في تقليص اللقمة وتكبير السعر، وأننا شعب فقير «يا دوب يشبع» وما نحتاجه هو قطعة خبز وطبق يجعلنا نشبع. كل الأكلات الشعبية المنتشرة في العالم غزت المطاعم الفخمة، وكلها كسرت قاعدة أن للفقراء نوعا من الأكل وأن للأثرياء نوعا آخر،
فالطباخ الشاطر تجده يحضر الأكلة ويقدمها لك وكأنه يقرأ لك قصيدة، وهنا أذكر طبخات أمي، وكيف تزين لنا طاولة الأكل، وكيف تجعلنا نبدأ بالبسملة وننتهي بحمد الله، وكيف تحكي لنا تفاصيل يومها وكيف حضرت طبختها وأن هذه طبخة بروين مثلا أو طبخة أمينة المفضلة أو أي شيء آخر.
كل وجبة كانت حكاية في حدّ ذاتها، وكل «جمعة» حول مائدة الطعام كانت قصيدة من تأليف أمي، تلقيها بمحبة وبصوتها الذي لا يمكن مقارنته حتى مع أجمل سمفونيات عباقرة الموسيقى. بيتنا كان بسيطا، وأكلنا كان دافئا وطيبا ولذيذا، لأن أمي أرادته كذلك. طقوس بدء الأكل بتلك القدسية جعله طقسا مميزا، وهذا نوع من الشعر يا سادتي الكرام، نحن نولد شعراء وحسب رهافة حسنا ونعومة مشاعرنا نعيش هذه الحياة ونحول أيامنا إلى قصائد وحكايات تملأ تاريخنا. ممنوع أن نقول إن الشعر انتهى. ممنوع أن نقتل الشعراء بهذه المقولات القاتلة، لأن الشعر موجود حتى في الخبز والزيت، الشعر موجود في الشارع والحدائق، ولا تقولوا ألا حدائق اليوم في عالمنا، النبتة تشق الصخر وتخرج من ركام الحرب وتعطي زهرة نكاية في المقاتلين وصناع الحروب. تلك الزهرة بين الركام هي شعر الله.. هي رسالته العظيمة للقلوب التي يخيفها الموت لتتمسك بالحياة إلى أن تحين ساعتها.
هذه بالمختصر كلمتي عن الشعر… وأتمنى أني قلت ما هو مختصر مفيد وفتحت نوافذ كثيرة لتقولوا أنتم أكثر.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
تعج أساطير الاولين بالآلهة و عبادها ومن آلهاتهم آلهة الشعر
–
و واهبته وهي بالكاد تعرف مريديها و مصطفيها وهم كذلك و بلا شك
–
معشر الشعراء وليس سواهم من الطهاة او مؤلفي بين الاثواب
–
وألوانها ، فليس من يتفنن في اختيار الاسماء بشاعر و لا حتى
–
قارضه بل راكب بموج الموضى وإن انكر فرهف وما شابهها من الاسماء تفضحه
–
تقول الحكمة إن الجوع أمهر الطباخين وعليه سيكون الجوع لو حسبنا
–
الطباخين من رعيا الشعر من أمهر الشعراء و اشعرها
–
( هل انتهى؟
لا أرى أنه انتهى، فعمر الشعر قصير مقارنة مع عمر الإنسان على هذه الأرض)
–
تقول السيدة الكاتبة ثم تجيب
–
والشعر اليوم موجود في حياتنا في الأسماء الجميلة التي نختارها لأبنائنا، في الموسيقى التي نبحث عنها في تلك الأسماء، الجميع يريد أسماء غير تلك الأسماء الطويلة الثقيلة على اللسان، الكل يبحث عن أسماء تحرك قلوبنا ومشاعرنا مثل «رهف، وراجي، وجنا، وميّا، ولانا»
–
واذا كان هكذا قول مبررا لحضور الشعر و ضمانة استمراره فمن يدري فلربما كان الشعر بعمر الانسان على
–
الارض و كانت له تجليات بلغة اخرى تعذر التعرف عليها ؟
–
وتحباتي
الشعر هو الرسم دون ألوان، تصوير للطبيعة دون آلة تصوير،النطق بلغة الروح البشرية دون قواميس لغة،هو حربٌ تدور رحاها بين القوافي و الكلمات.
الشعر يفاجئ صاحبه في لحظة صدق بينه وبين روحه،تخاطب الروح العقل في محاكمةٍ بين الواقع والخيال،كلٌ يقدم دليله وحجته علهُ يتفوق على الآخر وهنا تبدأ المعاناة التي هي بئر الكلمات و مخزونها.
إن أسمى مايحرك سفينة الشعر المشاعر الصادقة و العواطف الخفية التي تعزف على قيثارة أوتارها الأمل و العشق و الحنين و الحزن وكل مادار حولها وبينها.
و تتبدل الأوتار كيفما كانت المعاناة و كيفما دارت رحى المعركة.
الشعر ليس بنات أفكار و ليس مشاعرٌ نحركها كيفما نريد،الشعر مرآة للروح وصرخةٌ لواقع العقل.
حين يكذب الشاعر في شعره تفضحه عيونه و ترتجف يداه وذلك كله لأنه يسرق كلمات من وحي عقله و تأبى الروح أن تصادق على هذه الجريمة.
الشعر لايمتهن و لايجزأ،لايباع و لايشترى.
الشعر مرضٌ اسمه الشعور،الشعور الذي يختلط بالعاطفة الصادقة و يجعلنا نحلق في سمائنا التي نريد دون رقيب ودون عتيد.
تحلق في سمائك مع من تحب ومن تهوى و مع من تشتاق إليه وتنتقد من تريد وكيفما تريد و كأنك عصفور لتوه تعلم الطيران وأتقنه.
الشعر ليس هواية من الهوايات و ليس صنعة وليس تجارة،الشعر موهبة تصقل فيها الروح المشاعر و ترتبها تطلقها و أحياناً دونما ترتيب.
الشعر يحمل الكلمات مافوق إستطاعتها من معاني و تربط المفردات معاناة بعيدة في نفس الشاعر و تختلط المشاعر حتى تصبح المدينة التي أحبها و المرأة التي عشقها و الوطن المقدس يمكن إختزالها في كلمة أنتِ.
ليس كلنا شعراء و لكن في داخل كل منا شعر يحتاج لموهبةٍ كي تخرجه لذلك عندما نحب قصائد معينة ونصفق لها ذلك لأنها نقلٌ لما يدور بداخلنا وشرحٌ وتفصيلٌ لمشاعرنا.
صورتك لهذا المقال هي القصيدة و هي النغم
نعم الشعر هو كل ما ذكرت
و اكثر
هو الدهشة
و من يندهش يعني ان أحاسيسه لا تزال على قيد الحياة
مصور فرنسي كبير اصدر كتابا عن الارض في كل تجلياتها وقدم لكتابه بجملة واحدة قائلا ان الطبيعة لن تموت لانه ليس فيها ما يدهش
بل ستموت لأننا لم نعد نندهش في حضرتها
سيدتي
مقالك محاولة لإقامة الصلح مع الذين لا يؤمنون بالشعر و هنا تكمن عظمتك
فأنت دوما وأبدا وفية و مخلصة و خدومة للأدب
نعم الشعر هو قدرتنا على روية الجمال في كل شيء
البارحة كنت أشاهد فيلما وثائقيا عن الكواكب و لفت انتباهي رجل جعل من الكون و النجوم عمله ليلا و نهارا
و بالقرب مني كان يجلس رجل احاول منذ سنوات التخلص من شباكه قال معلقاً على مهنة رجل الفضاء
هذا الرجل فعلا déconnecté عن كل شيء الا عن الفضاء
لقد وجد في تفانيه لعمله الفضاءى صورة شعرية هي
الانقطاع عن الارض للتفرغ كليا للفضاء
أدهشني استنتاجه السريع و البديهي
و ربما بسبب شعريته المتدفقة عجزت عن التخلص من قيده!!!!
يقول الجاحظ المعاني مطروحة في الطريق
و لكن أغلبنا لم تعد تجذبه هذه المعاني
و الشعر العربي في حالة احتضار ما دام سلوك الشعراء عكس قيم الشعر
بروين الغالية انت القصيدة و انت الدهشة
يبدو أنّ الدكتورة بروين قررت تبديل ( الروتين ) بعد صورة لبس النظارة كأبي سدارة ؛ وقلب الشعرالأسود إلى ( التلويّن ) حتى يصدق عليها قول شاعرنا الرصافي واصفاً العاشق الحزين ؛ لشفق الأصيل ؛ كالشمس اللجين :
نزلت تجـرّإلى الغروب ذيولا
صفراء تشبه عاشــقاً متبـولا
مقال رائع وفيه نفحات الرّوح والرياحين ؛ ياسيدتي الجميلة.وأرى أنّ أول قصيدة يسمعها الإنسان هي ( لوْلوْة ) الأم الحنون قبل الفطام والكلام.وهي القصيدة الوحيدة التي ترافقه إلى مابعد زواجه. لكن بما أننا نعيش في زمن العولمة المترابط كالنسيج الواحد في الشرق والغرب ؛ هل سيبقى لشعرالعرب مكانة في زمن ( ترامـب ) أم سنشهد ( تفعيلة سياسية ) تقلب الأوزان إلى ( نثـــر) ؟ نعم أتفق مع حضرتك أنّ القاريء العربيّ ( يرتاح الغداة ) للتعامل مع الرّواية المندّمجة بالشعر..وبهذه المناسبة الشعرية ( لجديد اللوك) أعيد نشرأبيات من الوصف.لعلّها تكون شعراً معبّـراً لك :
بتشبيهي من المحبوب نهـدا برّمـــــان ؛ وبالأغصان قــــــــدا
أجورأنْ أقيس الشعَرشعِــرا فهلا أنصفوا بالوصف عمدا
أناس مثلّوا ظلمـــاً وحقـــدا وظبــيّ شبهّــــــوا خديـــــــــــه وردا
لقد أثموا بما قد شبهّوه.
وحــاذرأنْ تماثلـه بشمـس ولا تقـبـــل بظــنّ أوبحــــــدس
فليس لشمسنا سمـع وحسّ وأيـن البدرمن روح ونفـــس؟
فلا ورد يساوي خدّ أنــس لأنّ الــورد يذبـل عند لـمس
وذا يحمرّ؛ مهما قبـّـلـوه.
أكررتقديري العالي لمحررالصفحة الثقافية الكريم الذي ( ينتقي ) لنا من الشعروالنثروالمقالات : الموّحدة في قلادة الأنس ؛ من عالم عربيّ : قلق حساس ؛ والشعرهووجه آخرمن سياسة الناس.
شعر سعاد الصباح رقيق أنيق، كأنه أوراق الورد، أو رقائق (الدانتيل) .. الفرق بين العاشقة الأوربيةْ
والعاشقة العربية
أن الأولى تتناول الوجبات السريعةْ
والأطعمة المثلجة
والحب المثلج) ..
في حين أن العاشقة العربية
تُشوى على نار الفحمْ)!
(أسمع في دمي ضجّة غير اعتيادية
هل هذا هو الحب؟!)
بلا ثقافة بلا تعليم
خلينا نأكل بطيخ
نتغدى حبة خيار
و تتعشى حبة فسيخ
الأكل هو الأهم
التعليم بيجيب الغم
الأهم هو الدرهم
عم العرب و العجم
صوت من مراكش ، معجب جدا بمداخلتك، شكرا لك شخصيا
و شكرا لبروين حبيب مرة أخرى
حين أردت أن أسمي إبنتي منجية على إسم أمي رفضت العائلة و أختاروا إسما لم يخطر على بالي ” لجين”
الجميع أحب الإسم و البعض يقول لي الإسم في حد ذاته قصيدة
كم أنت ذكية يا بروين حبيب لإختصار أفكارنا و عدم إلغائنا كمجتمع يوصف بالأمية و الجهل.