يروى والعهدة علي الراوي ان هناك زعيما افريقيا قد تمكن من قيادة بلاده مزمنة الاضطراب الى مخرج الامان بعيدا عن الحروب الاهلية وجميع الخزعبلات الديكتاتورية التي كانت تحيط بها في ذلك الوقت، فكان بذلك ‘نيلسون مانديلا’ هو صاحب هذه الاسطورة الافريقية التي استطاع بفضلها اثناء فترة حكمه وبعد خروجه من السجن بالضبط، من بلورة بلد بمثل حجم جنوب افريقيا الى دولة يضرب بها المثل في مناهضة سياسة الحركة العنصرية التي كادت ان تجتاح البلاد، حينها لولا حنكة وسياسة مانديلا الناجحة التي يضرب لنا فيها درسا انسانيا تسامحيا حول كيفية لم شمل عرقين مختلفين متخاصمين تاريخيا احدهما من البيض والاخر من السود داخل بلد واحد، لتكون بذلك قضية جنوب افريقيا من اروع قصص النجاح الانساني اليوم والتي نتمنى ان تستدركها دويلات الربيع العربي لتجنب حروب طائفية واهلية قد تحدث داخل ارجائها .
نيلسون مانديلا يبعث اليوم برسالة الى الثورات العربية خصوصا ثورتي مصر وتونس اللتين شهدتا صراعات داخلية بين الاخوان المسلمين والمعارضة اشبه بالتي كانت ستحدث في السابق بجنوب افريقيا بين البيض والسود حين سادت فيهما الروح الانتقامية، لذلك يدعو مانديلا اليوم الثورتين المصرية والتونسية بان الكراهية لا تعالج بالكراهية الاخري بل يستوجب استدعاء لغة التسامح والصفح عن الاخر ‘النظام السابق ‘ واستدلال طاولة الحوار مع المخطئ ‘الاخوان المسلمون ‘لمنحه فرصة كي يعدل فيها سلوكه، لانه بامكان اي مجتمع ان ينتقل ويتحرك نحو الديمقراطية السليمة وبصورة انجح مما هي عليه الان، بدليل ان بلدا مثل جنوب افريقيا وصل الى مستوى متدنى في التعامل الانساني الا انها خرجت بسلام من دائرة اهاويل الصراعات الاهلية التي كانت تعاني منها في السابق بفضل سياسة التسامح ونسيان الماضي المرير الذي كان يعج في ما بينهم.
وحينها كان ‘مانديلا’ قد واجه اكبر تحد قبيل خروجه من السجن، الا وهو قطاع واسع من السود ارادوا محاكمة كل ما له صلة بالنظام السابق، لكن ‘مانديلا’ لم يابى بذلك فأسس ‘لجنة الحقيقة والمصالحة’ التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وتسامحا كل منهما وكان بذلك الخيار الامثل له، ولولاه لانجرفت جنوب افريقيا الى حرب اهلية والى ديكتاتوريات جديدة، بعكس ذلك نراه اليوم للاسف في ثورات الربيع العربي التي لم ييتوقف كلا الطرفين ‘النظام ‘ و’المعارضة’ في تبادل التهم وتقديم الانتقادات لبعضهما ربما لتصفية حسابات قديمة بدلا من الاجتماع على طاولة واحدة تراعى فيها مصالح شعوبهما على قدر ما يحدث الان في مصر بين الاخوان المسلمين وفصائل النظام السابق من تصفية حسابات سابقة لاوانها .
ويضرب لنا مانديلا بلا شك درسا في الاسلام حين ختم في اخر نص رسالته الى الثورات العربية وبالاخص لحاكم عربي بعد تسلمه زمام الحكم في بلده وسط فوضى عارمة وتصفية حسابات مع النظام السابق قائلا له: لما وصلت الى الرئاسة بعد سجن
واضطهاد قرابة الثلاثين سنة كان اول ما تذكرته وعملت به هو قول نبيكم لمعارضيه لما تمكن منهم في مكة: (اذهبوا فانتم الطلقاء)، فعملت بهذا المبدأ ونجحت وانت اولى مني بالعمل به’، مما يدل على قيمة ‘مانديلا’ ورحه الانسانية لتطبيق معالم الاسلام من مفاهيم التسامح ورفض مقابلة الاساءة بالاساءة لانها تولد روح الانتقام والفتن التي تؤدي الى اراقة الدماء، فياليت يفهم كلامك هذا يا ‘مانديلا’ سادتنا العرب وجمdع مسيسينا لكي يأخذوا بهذا المبدأ الذي اخذته انت، فبالرغم من انه غير مسلم الا انه جد متأثر بالتعاليم الاسلامية اكثر ربما من هؤلاء الذين يتخذون من الاسلام رمزا لمطامعهم دون ان نرى فيهم ذلك.
فتعلموا الدروس من مانديـــلا في فن التسامح والمصالحة اللذين رفعا بهما وجه جنوب افــــريقيا عاليا لتحضى بمكانة في ركب الدول المتقدمة بعد نموذجه الناجح هذا في بعث روح المصالحة الانسانية من جديد وترك تلك البواعث الانتقامية الدافعة دائما الى قتال الشوارع التي لا يجد منها نفعا.
حداد بلال
هذه الرسالة تجاهلتها الفضائيات العربية، كما تجاهلها السياسيون العرب.
لو كان عدوهم صهيوني لكانو مايزالون تحت الاحتلال!
العرب يتسامحون مع أعدائهم من غير العرب (صلاح الدين والصليبين في بيت المقدس) ولكن لا يوجد تسامح بينهم الا العنف والقتل والتنكيل، هي ليست رساله مانديلا فحسب بل هي درس بالتسامح والأخلاق من دروس نبينا(ص) وما اكثرها. مفال ممتاز.
رجل تا ريخه يتحدث عنه قصة كفاح ونجاح
ليس كما يفعله بعض الدعاة فقهاء المماليك والبلاط يدعون الى الجهاد والزج بشاب المسلمين في قلب الفتن