لا غبار على أن ثورة 25 يناير هي الثورة الجامعة للمصريين توحدت فيها الميادين والشعارات والأهداف فاستحقت اسمها وتحققـــــت مطالبها باجتماع كلمة ثوارها، إلا أن المشهد بدا مغايرا في الأحداث السياسية الجارية على مدى الأسبوع الماضي فكانت الثنائية والازدواجية حاضرة في مكونات مشهد الأزمة المصرية على مستوى المكان والأهداف والشعارات..غير أن التطور الأبرز الذي زاد الطين الانقسام بلة هو تدخل الجيش في مسرح الحكم والسياسة من جديد لتدخل مصر بذلك في جدلية ‘انقلاب عسكري أم ثورة 30 يونيو’ وكأن المصطلحات أصبحت يتيمة بحاجة إلى من يتبناها لتنتسب بنسبه!! لم يكن في معطيات المشهد المصري ما يشجع لتدخل المجلس العسكري كسبيل حل ناجع للازمة، فمبرر التدخل بالوقوف لجانب مطالب ‘الشعب’ وهو ما ينظّر له ‘ثوار يونيو’ يفقد دعائم الإقناع في ظل الانقسام الشعبي الذي شهدته الميادين. وعلى هذا الأساس وجدت المسلمات لمعقولية أن ما حصل هو انقلاب عسكري لم تستطع حِرَفية الإخراج في سيناريو تنحية الرئيس من أن تشوب على المصطلح معناه، أو آن تمرره على الرأي العام والمجتمع الدولي بأنه ثورة مجيدة نقية قام بها الشعب وسانده الجيش في تطلعاته الثورية. ليس الخوف من حدث الانقلاب العسكري بحد ذاته الذي عادةً ومن المفترض أن يُشجب ويُستنكر كونه مرض يهدد حياة المجتمع الديمقراطي، وتتعامل معه النظم والقواعد الديمقراطية على هذا الأساس. إلا أن الانقلاب الفكري والأخلاقي الذي أظهره الانقلاب العسكري هو الأخطر لأنه يؤسس لنفي فكرة الديمقراطية بالأساس وعدم الإيمان بها كنظام سياسي منظّم للمجتمع، فما أراه بعد أحداث مصر هو انقلاب الليبرالية على ذاتها وأفكارها بالدرجة الأولى قبل ان يكون على النظام الحاكم، فطالما أُقرعت رؤوسنا كمجتمع عربي بفكرة الديمقراطية ومكوناتها الضامنة لاتساع واحتواء الجميع، حتى كان منظّروها من أبناء الدولة الحديثة ملكيين أكثر من الملك في انتمائهم للفكرة وتحمسهم لتطبيقها، فلما وقع فأس الديمقراطية برأس النظام السياسي العربي وبعد مضي خطوات وان كانت متلكئة- في مسيرة التحول والتأسيس الديمقراطي تأتي النخبة العصرية الليبرالية لتنسف العملية برمتها وتنسلخ من هويتها . ولعل أبرز مظاهر هذا الانسلاخ والانعتاق ما رأيناه في الدعوة والتهليل لإسقاط وعزل الرئيس المنتخب بحجة انسلاخه من وعوده التي قطعها في الحفاظ على المسار الديمقراطي، فعلى الرغم من المبادرات التي قدمت لحل هذه الأزمة إلا ان رفض المعارضة الليبرالية لها كلية وإصرارها فقط على مطلب إسقاط الرئيس يكشف على نحو واضح نزعتهم للسلطة وان مشكلتهم مع من أفرزتهم الديمقراطية فكان حالهم أنّى يكون لهم الملك علينا ونحن أحق بالملك. بل حتى على صعيد الحريات التي هي من أبسط أبجديات الديمقراطية كانت هناك أزمة أخلاقية ظهرت تجلياتها في أداء الإعلام المصري الذي تجرد من قواعد المهنة وأصولها ورسالتها، وعودة ملف الاعتقالات السياسية، وإقصاء الآخر، والكيل بمكيالين.. ليظهر في مجمل المشهد ان الليبراليين في مصر أخفقوا في الممارسة العملية لما كرّسوا حياتهم في التنظير له والدعوة إليه. وليس بأقل عجباً موقف الولايات المتحدة الأمريكية أم الديمقراطية في العالم وراعـــية ترويجــــها! وهي تتنصل حتى من تسمية الأمور بمسمياتها عـــــبر خطابها الغامض، ودورها الأشد غموضا في تدبــــير هذا الانقلاب. ليعكس في نهاية المطاف ان الديمقراطية الأمريكية مقرونة ‘بمقبولية’ من تفرزه الديمقراطية وليس من يختاره الشعب! منور مسالمة – رام الله [email protected]