أبو بكر الرازي (866 ـ 925): يدشن العام 2016 الذكرى الـ1150 لولادة أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، علامة عصره، والعالِم الموسوعي الذي كتب في الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والأدب والفلسفة والموسيقى، واستحقّ من الغرب لقب «الطبيب الأعظم في عالم الشرق والعصور الوسطى»، حسب جورج سارتون مؤسس تاريخ العلوم؛ ولهذا لم يكن غريباً أن يظلّ كتابه الجامع «الحاوي في الطب» مرجعاً الطبّ الرئيسي في أوروبا طيلة 400 سنة أعقبت تأليفه. ولد الرازي في الري، قرب طهران الراهنة، سنة 250هـ ـ 864م، ودرس الطب في بغداد، وهناك قرأ الكثير من المراجع الأجنبية، وآمن بأن العلوم تراث إنساني مشترك تساهم فيه كل الشعوب والثقافات؛ كما بشّر بأفكار التقدم والتحديث والمعرفة، في مواجهة الخرافات والخزعبلات، مما جرّ عليه نقمة المتشددين والمحافظين، فاتهموه بالكفر والزندقة.
وضع الرازي أكثر من 146 مصنفا، منها 116 كتابا، و30 رسالة؛ وموضوعات مؤلفاته تتوزع كما يلي: 56 في الطب، 33 في الطبيعيات، 23 في الكيمياء، 17 في الفلسفة، 14 في علم الكلام، 10 في الرياضيات، 8 في علم المنطق، 6 في ما وراء الطبيعية، و17 في علوم أخرى متفرقة. وإلى الرازي يعود الفضل في ابتكار خيوط الجراحة، وتركيب المراهم، وتشخيص أمراض النساء والأطفال، وجراحة العيون، والعلاج بالدواء المفرد وعن طريق الأعشاب والغذاء، والاستفادة من تحاليل الدم والبول، وقياس النبض، واستخدام العلاج النفسي.
ميغيل دي سيرفانتس (1547 ـ 1616)
وليام شكسبير (1564 ـ 1616)
العام 2016 دشن الذكرى الـ400 لرحيل اثنين من عمالقة الأدب العالمي؛ الأول، الإسباني، في ميدان الرواية عبر رائعته «دون كيخوته»؛ والثاني، الإنكليزي، عبر عشرات المسرحيات والقصائد. طريف، هنا، أن سيرفانتس رحل قبل شكسبير بيوم واحد؛ ومثير، في ميدان الدراسات المقارنة، البحث عن أوجه التأثير والتأثر بين العملاقين (من جهة شكسبير أكثر، فهنالك نصّ شكسبيري ضائع بعنوان «كاردينيو»، يُقال بأنه يقتبس سيرفانتس مباشرة). كذلك وفّرت المناسبة فرصة سانحة لاستذكار اشتراك الأديبين في سمة مدهشة، هي تعرّضهما لسخرية «النُخب» الأدبية في بريطانيا وإسبانيا؛ وكذلك إعادة البحث في مدى تأثر الرواية الإنكليزية في القرن الثامن عشر (والتر سكوت، توبياس سموليت، هنري فيلدنغ، صمويل ريشاردسون…) بأسلوبية وتقنيات «دون كيخوته»؛ ثمّ الأدوار التي لعبها أدب شكسبير وسيرفانتس في فرنسا عصر الأنوار، عند فولتير وديدرو وماريفو…، وكذلك في الفنّ التشكيلي، خاصة دولاكروا ودومييه وفراغونار ودويه وبيكاسو…؛ والأوبرا، لدى فيردي وريشارد شتراوس خاصة؛ ثمّ السينما، والحديث فيها يطول؛ فضلاً عن تأثيرات كبرى أخرى، في آداب عالمية عديدة.
ورغم تعريب أعمال شكسبير وسيرفانتس، مرّات عديدة للعمل الواحد ذاته في الواقع، فإنّ المكتبة العربية ما تزال بحاجة إلى دراسات نقدية أكثر تخصصاً في منجز سيرفانتس وشكسبير. تُستثنى، بالطبع، مقدمات الترجمات المسرحية، والقصائد الغنائية، الـ»سونيت»، عند شكسبير؛ أو ترجمات «دون كيخوته» العديدة. كذلك تُستثنى تلك الجهود، على أهميتها بالطبع، التي تفحصت مختلف التجليات والانعكاسات والإشارات، أو حتى الاقتباسات، ذات الأصول العربية في مسرح شكسبير وأدب سيرفانتس؛ فهذه لا تشتغل على الفنّ مباشرة، أو خصيصاً، وبالتالي فإنها لا تتناول، ثمّ لا تنصف استطراداً، إلا النزر المحدود من خصائص الإبداع الأعمق والأثمن. في الميدان الشكسبيري يُشار إلى استثناءات مثل غالي شكري، «شكسبير في العربية»؛ وفاطمة موسى، «وليام شكسبير شاعر المسرح»؛ وشفيق مجلي، «شكسبير فكراً وفناً»؛ ورجاء النقاش، «نساء شكسبير». وأمّا الأديب الإسباني فإنّ حظه من القراءات العربية يظل أقلّ بكثير، ولعلّ معظم ما توفّر اقتصر على إبرازه من خلال التعريف بالأدب الإسباني عموماً؛ أو عرض الدراسات الإسبانية التي تناولته (كما فعل محمود صبح، أميرة حسن نويرة، نادية ظافر شعبان، وهدى بن جديد، على سبيل الأمثلة). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ عبد الرحمن بدوي، الذي ترجم «دون كيخوته» سنة 1956، اعتبر أنّ «روائع الأدب العالمي» أربع: «الإلياذة» لهوميروس، و«الكوميديا الإلهية» لدانتي، و«فاوست» لغوته، بالإضافة إلى عمل سيرفانتس (أو ثيربانتس، حسب النطق الذي اعتمده)؛ وبالتالي لم يُفسح مكاناً لأيّ من أعمال شكسبير!
هنا اقتباسان من العملاقين: يقول سيرفانتس، على لسان دون كيخوته، النبيل الإسباني الشيخ، والفارس في عصر بلا فروسية: «قد تُمطّ الحقيقة حتى تصبح نحيلة، لكنها لن تنكسر، وهي دائماً تطفو فوق سطوح الأكاذيب، كما يطفو الزيت على الماء»؛ ويقول شكسبير، في الـ»سونيت» 18 الأشهر، بترجمة بدر توفيق: «فما دامت للبشر أنفاس تتردد وعيون ترى/ سيبقى هذا الشعر حياً، وفيه لك حياة أخرى».
اتفاقية سايكس ـ بيكو
(أيار/ مايو 2016)
رغم كونها مئوية حدث سياسي بامتياز، فإن اتفاقية البريطاني سير مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو حول تقاسم الشرق الأوسط بين القوتين الاستعماريتين حملت مضموناً ثقافياً أيضاً، وكانت لها ـ وما تزال، حتى الساعة ـ آثار بعيد الغور في تركيب علاقة تفوّق/ هيمنة بين الغرب والشرق. ولسوف تتجلى أولى العواقب الثقافية لهذه الاتفاقية في صعود، وترسخ، مؤسسة الاستشراق المرتبطة مباشرة بالمشروعين الاستعماريين، البريطاني والفرنسي؛ وستشهد المعاهد ومراكز الأبحاث والجامعات تنشئة دراسات إسلامية وعربية، يشتغل عليها مستشرقون ومستعربون، على هدي أعمال ت. إ. لورنس (أو «لورنس العرب») في كتابه «أعمدة الحكمة السبعة»؛ وقبله إدوارد لين، في ترجمته لـ«ألف ليلة وليلة» حيث باتت حواشي الترجمة، الزائفة في غالبيتها، بمثابة تنميطات قصوى للشرق والإسلام.
وفي كتابه الشهير «الاستشراق»، 1978، توقف إدوارد سعيد عند الأبعاد الثقافية لهذه الاتفاقية، خاصة وأنها تسجّل نقطة التوافق الوحيدة بين فرنسا وبريطانيا، اللتين كانتا غارقتين في نزاعات لا حصر لها، أسفرت عن مواجهات عسكرية أيضاً. وسعيد يقتبس سايكس، ضمن فقرة تخصّ التوترات الثقافية في المنطقة، بين العرب وكلّ من تركيا العثمانية وفرنسا وبريطانيا: «كان واضحاً أن انتفاضة عربية سوف تنطلق عاجلاً أم آجلاً، وأنّ على الفرنسيين، مثلنا، أن يكونوا على أتم استعداد إذا توجب على تلك الانتفاضة أن تكون نعمة لنا ولهم، وليس نقمة علينا وعليهم».
جوائز
نوبل الآداب ـ بوب ديلان
صنعت الأكاديمية السويدية واحدة من أكثر مفاجآتها خروجاً عن المألوف، حين منحت الجائزة إلى المغني والمؤلف الموسيقي الأمريكي (75 سنة)؛ بصفته شاعراً في المقام الأول، و«لأنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية». وقالت سارة دانيوس، سكرتيرة مؤسسة نوبل، إن اللجنة اختارت ديلان لأنه «أيقونة، تأثيره على الموسيقى العصرية عميق جداً»، وهو «شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنكليزية»، و«يكتب شعراً للأذن»…
ولد روبرت ألن زمرمان في دولوث، ولاية مينيسوتا، سنة 1941، واتخذ اسم بوب ديلان من باب تأثره بالشاعر الويلزي ديلان توماس. وقد بدأ بغناء الـ»فولك» في النوادي الليلية المحلية، ثم انتقل إلى نيويورك للدراسة، وأخذت شهرته تتعاظم مع صدور ألبومه الأول وذيوع أغنيته «بلوينغ إن ذي ويند»؛ ليبلغ عدد أغانيه 300 خلال السنوات الثلاث الأولى من احترافه الغناء.
أصدر ديلان قرابة 30 مؤلفاً، تعتمد إجمالاً على كلمات أغنياته، وقد تميز بالانخراط في حملات مكافحة العنصرية والدفاع عن الحقوق المدنية، وكان موضوع فيلم سينمائي اخرجه مارتن سكورسيزي بعنوان «لا اتجاه إلى البيت». ولم يمرّ فوزه بجائزة نوبل للآداب دون سجال حول أحقيته شخصياً، أو أحقية القصيدة المغناة، بانتزاع الجائزة من أدباء كبار منافسين.
كتارا للرواية
فئة الروايات المنشورة: ناصر عراق، «الأزبكية»؛ يحيى يخلف، «راكب الريح»؛ إيمان حميدان يونس، «خمسون عاماً من الجنة»؛ إبراهيم نصر الله، «أرواح كليمنجارو»؛ إلياس خوري، «أولاد الغيتو».
فئة الروايات غير المنشورة: مصطفى الحمداوي، «ظل أميرة»؛ سالمي الناصر، «الألسنة الزرقاء»؛ علي الرفاعي، «جينات عائلة ميرو»؛ سعد محمد رحيم، «ظلال جسد… ضفاف الرغبة».
أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي من بين الروايات المنشورة: «الأزبكية»، ناصر عراق.
أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي من بين الروايات غير المنشورة: «جينات عائلة ميرو»، علي الرفاعي.
فئة الدراسات النقدية: زهور كرام، «نحو الوعي بتحولات السرد الروائي العربي»؛ حسام سفان، «زوايا الميل والانحراف في مغامرة الرواية العربية الجديدة»؛ إبراهيم حجري، «صورة الشخصية الرئيسة في الرواية العربية»؛ حسن المودن، «الرواية العربية: من الرواية العائلية إلى محكي الانتساب العائلي ـ قراءة نقدية من منظور التحليل النفسي».
الشيخ زايد للكتاب
• أمين معلوف ـ لبنان، «شخصية العام الثقافية»؛ تقديرا لتجربة روائي حمل عبر الفرنسيّة إلى العالم كلّه محطات أساسية من تاريخ العرب، وتاريخ أهل الشرق بعامّة، وسلّط أضواءً كاشفة على شخصيات نذرت نفسها لإشاعة الوئام والحوار الثقافي بين الشرق والغرب، وأعاد خلق تجارب فذّة ومغامرات مؤثّرة، وتميّز في هذا كلّه بأسلوب أدبي يجمع مفاتن السرد العربي إلى بعض منجزات الحداثة الغربية في الكتابة الروائية وكتابة البحث الفكري.
• دار الساقي ـ لبنان، جائزة «النشر والتقنيات الثقافية»؛ تمتاز الدار منذ إنشائها في لندن عام 1979 ومن ثم في بيروت عام 1990 بصدورها عن مشروع فكري يتسم بالانفتاح، كما أنّ منشوراتها المتميزة شكلا ومضمونا تغطي مجالات معرفية متعددة تجمع بين الإبداع والفكر والعلم والفن، فضلا عن حضورها الفاعل في الحياة الثقافية العربية وتواصلها الدائم مع وسائل الإعلام.
• جمال سند السويدي ـ الإمارات، جائزة «التنمية وبناء الدولة»، عن كتابه «السراب». السويدي مفكر وكاتب وخبير استراتيجي إماراتي، يشغل منصب مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية منذ عام 1994 حتى الآن. ولد عام 1959، وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الكويت عام 1981، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وسكونسن في عامي 1985 و1990.
• رشدي راشد ـ مصر؛ جائزة «الثقافة العربية في اللغات الأخرى»، عن كتابه «الزوايا والمقدار Angles et Grandeur. من مواليد القاهرة، عام 1936، حصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة القاهرة وبكالوريوس في الرياضيات من جامعة باريس. ضليع في نظريات الأرقام والعلوم الجبرية وحاصل على درجة الدكتوراه في تاريخ الرياضيات وتطبيقاته من جامعة باريس. تمحورت أهم أبحاثه في نظرية الاحتمالات وتطبيقاتها في العلوم الاجتماعية، بما يشمل الجانب النظري من جهة والجانب التاريخي للتطبيقات من جهة أخرى. يتركز اهتمامه العلمي بدراسة علوم الرياضيات العربية وتطبيقاتها في مجال البصريات.
• سعيد يقطين ـ المغرب؛ جائزة «الفنون والدراسات النقدية»، عن كتابه «الفكر الأدبي العربي: البنيات والأنساق». من مواليد 1955 بالدار البيضاء. دكتوراه الدولة من المغرب 1997. متخصص في السرديات والنظرية الأدبية والأدب الرقمي. يدرّس في كلية الآداب بالرباط وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض. اشتغل أستاذاً زائراً في عدة جامعات فرنسية وعربية. له أكثر من عشرين كتابا في السرد العربي قديمه وحديثه، وفي الثقافة العربية العالِمة والشعبية، والثقافة الرقمية، وفي السياسة والاجتماع.
• كيان أحمد حازم يحيى ـ العراق؛ جائزة «الترجمة»، عن ترجمة «معنى المعنى»، أوغدن ورتشاردز. وُلِد عام 1966 في مدينة بَغداد في العراق، وحصل في عام 1989 على شهادَةِ البكالوريوس في الهندسةِ المعمارية، والدكتوراه في اللغة العربية من قسم اللغة العربية في جامعةِ بغداد. من مؤَلَّفاته: «الاحتمالات اللُغوية الْمُخِلَّةُ بِالقطع وتعارضها عند الأُصوليين».
• إبراهيم عبدالمجيد ـ مصر؛ جائزة «الآداب»، عن كتابه «ما وراء الكتابة: تجربتي مع الإبداع». روائي وقاص، ولد في الإسكندرية عام 1946 وتخرج من كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة الإسكندرية. أصدر خمس عشرة رواية، منها «المسافات»، و«الصياد واليمام»، و«بيت الياسمين»، و«لا أحد ينام في الإسكندرية». حصل عبدالمجيد على العديد من الجوائز منها جائزة نجيب محفوظ عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2007 و جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004.
رحيل
يوسف العاني
أحد أبرز شخصيات المسرح والسينما في العراق، وبين كبار ممثلي الواقعية الاجتماعية والانحياز إلى هموم وهواجس وحكايا الفئات الكادحة، ضمن روحية الكشف عن الأمراض المجتمعية، وتشريح أسبابها وعوارضها، والسخرية منها في آن معاً؛ إلى جانب العناية الفائقة بجماليات الفنّ والارتقاء بأشكاله اسوة بمضامينه. ولد العاني في بغداد سنة 1927، ودرس في كلية الإدارة والاقتصاد ثم درّس فيها، قبل أن ينتقل نهائياً إلى المسرح والسينما كتابة وتمثيلاً، وإلى النقد الفني.
ولقد بدأت أسلوبيته تترسخ منذ فيلم «سعيد أفندي»، 1957، إخراج كاميران حسني؛ الذي مثّل ثورة في طرائق الإنتاج السينمائي، لأن الكاميرا غادرت اسوار الستوديو وخرجت إلى شوارع بغداد وأحيائها الفقيرة، وعالجت مشكلات بالغة الحساسية؛ كما مثّل الفيلم محاولة عصيان مبكرة ضدّ رقابة نوري السعيد وأجهزة السلطة. في الاعمال المسرحية اللاحقة سوف يقتبس العاني من الأدب («النحلة والجيران» عن رواية غائب طعمة فرمان)، والمسرح العالمي («البيك والسائق»، عن مسرحية برتولت بريخت «السيد بونتيلا وتابعه ماتي»). هذا إلى جانب مسرحيات اجتماعية وكوميدية وسياسية، بعضها قصيرة أو متوسطة، سبقت الإطاحة بالنظام الملكي وصارت من كلاسيكيات مسرح العاني؛ مثل «رأس الشليلة»، «حرمل وحبّة سودة»، «أكبادنا»، «تؤمر بيك»، «فلوس الدواء»، و«ستة دراهم». المرحلة اللاحقة سوف تسجّل ذروة جديدة في تأثره بمسرح بريخت، كما في «المفتاح»، «الخرابة»، «صورة جديدة»، «الشريعة»، و«الخان».
وإلى جانب دور سعيد أفندي في الفيلم الشهير، مثّل العاني في «المنعطف»، إخراج جعفر علي عن رواية فرمان «خمسة أصوات»؛ وفي «أبو هيلة» و«المسألة الكبرى» لمحمد شكري جميل، و«بابل حبيبتي» لفيصل الياسري، و«ليلة سفر» لبسام الوردي، و«اليوم السادس» ليوسف شاهين.
من مؤلفاته: «بين المسرح والسينما»، «أفلام العالم من اجل السلام»، «هوليود بلا رتوش»، «التجربة المسرحية معايشة وحكايات»، «المسرح بين الحديث والحدث»، و«شخوص في ذاكرتي».
محمد الصغير أولاد أحمد
بعد أبو القاسم الشابي، شاعر تونس الأكبر في العصور الحديثة، لا يلهج أبناء تونس باسم شاعر بعد الشابي كما يلهجون باسم محمد الصغير أولاد أحمد؛ الأمر الذي لا يعني بالضرورة أنه كان الافضل فنياً. ولعلّ بعض السبب يعود إلى طبائعه المشاغبة، وشخصيته البوهيمية التي تجمع بين التمرد السياسي والصعلكة؛ كما يعود سبب واحد، على الأقلّ، إلى قصيدته الشهيرة: «نحبُّ البلاد/ كما لا يحبُّ البلاد أحدْ/ صباحاً مساءً/ وقبل الصباحِ/ وبعد المساءِ/ ويوم الأحدْ/ ولو قتّلونا/ كما قتّلونا/ ولو شرّدونا/ كما شرّدونا/ لعُدنا غزاة لهذا البلدْ/ وعادَ إلى أرضنا الشجرُ/ وعادَ إلى ليلنا القمرُ/ وصاحَ الشهيدُ:/ سلامٌ/ سلامٌ/ على من صمدْ/ نحبُّ البلاد/ لكي لا يحبَّ البلاد أحدْ/ ولو قتَّلونا/ ولو شرَّدونا/ لعُدنا غزاةً… لنفسِ البلدْ».
ولد أولاد أحمد في قرية النوابل، سيدي بوزيد، سنة 1955، ثم غادر إلى العاصمة حيث انخرط في سلسلة من الأنشطة الثقافية وبدأ ينشر قصائده التي شكّلت بصمة أسلوبية خاصة منذ مجموعته الأولى «نشيد الأيام الستة»، 1988، الذي انتظر أربع سنوات قبل أن توافق على نشره الرقابة (البورقيبية، آنذاك). ولقد سجن أولاد أحمد فترة قصيرة، حينذاك، وفُصل من عمله. صدرت له، بعدئذ، خمس مجموعات شعرية: «لكنني أحمد»، «ليس لي مشكلة»، «جنوب الماء»، «الوصية»، و«حالات الطريق».
تميّز الشاعر، أيضاً، بنقد مبطّن للسلطات، في زمن زين العابدين بن علي أيضاً، رغم محاولات شرائه عن طريق تسهيل مبادرته إلى تأسيس بيت الشعر التونسي، ومنحه جائزة الاستحقاق الثقافي سنة 1993 (التي رفضها). كذلك دأب على التعريض برجال الدين، والأصوليين، والسلفيين، والإسلاميين عموماً؛ مما جرّ عليه حملات شعواء من داخل تونس وخارجها. ويرى كثير من النقاد أنّ النبرة السياسية، والسخرية اللاذعة من السلطة والمؤسسة الدينية، والغنائية العالية والمبسطة، هي العناصر التي صنعت جماهيرية أولاد أحمد؛ أكثر من التميّز الفني وارتقاء الموضوعات والأدوات.
أمبرتو إيكو
يحقّ للكثيرين أن يتذكروا الكاتب الإيطالي الكبير من خلال روايته الفريدة «اسم الوردة»؛ أو «ستّ نزهات في غابة السرد»، عند أولئك الذين يثمنون شخصيته كناقد أدبي، ومتبحر فذّ في علم الدلالة. وقد يختار البعض عمله الفلسفي اللامع، المبكر، «تطور علم الجمال في القرون الوسطى»، 1959؛ أو محاضرته، هائلة التأثير، «نحو حرب عصابات في صفّ السيميولوجيا»، 1967، التي ستظهر بعدئذ في كتاب لا يقلّ إشكالية: «الإيمان بالمزيفات». وربما فضّلت شريحة من القراء أن تذهب نحو زاوية خاصة تماماً في الأنثروبولوجيا؛ عبر البرنامج الدراسي غير العادي الذي أطلقه إيكو في جامعة بولونيا، سنة 1988: دراسة أناسة الغرب، ولكن من وجهة نظر باحثين من أفريقيا والصين.
ولد إيكو في مدينة أليساندريا، شمال إيطاليا، ودرس اللاتينية وتاريخ القرون الوسطى في جامعة تورينو. ومنذ كتابه الأول، «علم جمال توما الأكويني»، 1956، واصل إيكو الانشغال بالقرون الوسطى والحضارة اللاتينية، وأخذ يرى في العالم شبكة من الرموز والعلامات التي تنتظر التفكيك، خاصة في ضوء ما تمنحه عوالم القرون السحيقة من دلالات خافية. وفي ميلانو، التي انتقل إليها من بولونيا حيث كان يدرّس، أسس إيكو «مجموعة 63» الأدبية، التي رفضت النزعات المحافظة في الفن والأدب، وشجعت إنتاج روايات وأشعار حداثية، وفي تلك الفترة آمن إيكو بأنّ لا قيمة للرواية من دون قصة.
ورغم علوّ كعبه في الرواية، في «بندول فوكو» و«مقبرة براغ» و«الرقم صفر»، وليس في «اسم الوردة» وحدها؛ فإنّ إسهامات إيكو في السيميائيات والنظرية الأدبية والفلسفة لا تقلّ أهمية ورقياً.
ذاكرة