القاهرة – القدس العربي – من كمال القاضي: في زخم السباق الدرامي المحموم غلب الطابع الاجتماعي على معظم المسلسلات الرمضانية وتخللت السياسة بطبيعة الحال الكثير من الأفكار والأطروحات وبشكل عام طغت الحالة الثورية فشملت أعمالاً مهمة مثل ‘الداعية’ باعتبار هذا المسلسل ترجمة صريحة لما نتج عن خلط الدين بالسياسة منذ اتجاه الدعاة للانخراط والاشتباك مع القضايا العامة بعيدا عن منهجية استقلال الدين.
الداعية يجسد فيه الفنان هاني سلامة قصة صعود واحداً من مشاهير الدعوة بالمساجد, وقد كشف المسلسل خلال الحلقات الفائتة عن كثير من التفاصيل الداخلية لعالم رجال الدين وعلاقتهم بالمال والأعمال والفتاوى والقنوات الفضائية التي خلقت لهم قاعدة شعبية عريضة ضاعفت من تأثيرهم وأحاطتهم بالاهتمام والأضواء.
ينافس هاني سلامة في الشهرة والتجارة الدينية المربحة والجماهيرية البطل الثاني احمد فهمي فهو قطب موازي للشيخ يوسف, يعمل أيضاً بمهنة الإرشاد والهداية ويمارس نفس الإسلوب في التسلل إلى قلوب المريدين والأتباع ويدخل دائرة السمع والطاعة ليكون أمره بيد كبير التنظيم الذي يتجاوز حيزه المحيط المحلي ويمتد الى الآفاق العالمية.
دوران حول الأفكار والقضايا والأشخاص والمجتمعات والدول هو ما يمكن ان نستشعره في حلقات ‘الداعية’ الأعلى مشاهدة بين المسلسلات المعروضة خلال شهر رمضان برغم كثرتها, الغريب والمثير للدهشة انه على قدر اهتمام الكتاب والمخرجين بمنطقة التداخل بين الدين والسلطة لم نجد من الأعمال التاريخية المعتادة ما يمكن الاستشهاد به كمرجعية لإثبات الحالة, وهو الأمر الغريب, حيث لم يحدث من عشرات السنين أن غابت الدراما التاريخية والدينية عن الخريطة الرمضانية أو شح وجودها كما في هذا العام.
يرجح ان تكون الثورة وما صاحبها من اضطرابات سبباً في العزوف عن انتاج هذه النوعية لعدم ضمان تسويقها أو أن استغراق الكتاب والمخرجين في الحالة الثورية ورصد تداعياتها السياسية والاجتماعية قد صرف أنظارهم عن القضايا التاريخية لرغبتهم في طرح ما هو معاصر ليكون ريباً من هموم المشاهد واهتماماته.
من ناحية أخرى تحتاج الكتابة التاريخية الى تحضر مبكر ومحترفين من الكتاب لصياغة الأحداث والبحث في الكتب والمراجع لتحقيق ما تتضمنه الحلقات الدرامية وهي مسئولية تحتاج لإمكانيات لا تتوافر إا في عدد قليل من المتخصصين امثال محفوظ عبدالرحمن ويسري الجندي ومن ثم فإنه من الطبيعي أن تصاب الدراما التاريخية بالارتباط لو توقف أي من الاثنين عن الإسهام مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مواهب أخرى بإمكانها سد الفراغ لكنها لم تأخذ الفرصة.
ولو جاز ان نشير في هذا الصدد الى وحيد حامد بوصفه كاتباً كبيراً سيتوجب علينا أن نذكر له مسلسل ‘الجماعة’ الذي عُرض رمضان قبل الماضي وأحدث دوياً, الأمر الذي ربما جعله يعطي لنفسه مهلة لالتقاط الأنفاس قبل أن يشرع في كتابة عمل جديد من نفس النوع فيدخل مجددا في حرب أخرى مع المتربصين بكتاباته والمنتظرين لها على حد سواء.
شيء آخر لعله يمثل مانعاً لدى وحيد حامد يحول دون دخوله غمار الكتابة التاريخية وهو انه كما عودنا لا يكتب التاريخ البعيد وإنما يشتبك مع التاريخ المعاصر بخلفيات ما وقع في الماضي القريب من أحداث مؤثرة وهذا ما يبدع فيه وحيد وتتبلور من خلاله رؤيته ووجهة نظره, وكذلك حسب ما أتصور كان الراحل أسامة أنور عكاشة يتناول من التاريخ ما يسقط به على الواقع, ونحن هنا لا نقارن بين كاتبين كبيرين ولكننا قط نشير إلى المشتركات بينهما في خصائص الكتابة مع التسليم بأن لكل منهما مذاقه الخاص وتفرده الدرامي.
ما يمكن ان يقال باختصار حول إشكالية غياب الدراما التاريخية هذا العام هو عدم تحمس المتخصصين فيها ومخاوفهم من أن يذهب جهدهم هباء بين الكم الهائل من المسلسلات الاجتماعية والسياسية والكوميدية والست كوم والبرامج المنوعة.
أضف إلى هذا ما ذكرناه سلفاً عن مخاوف التسويق وإحجام الفضائيات عن عرض وشراء أعمال تراثية لا تقوى من حيث مضمونها على المنافسة في ظل الجديد والطاريء من القضايا والأحداث, خاصة ان ما يطرح يستلفت نظر الجمهور لاعتقاده بأنه يرتبط بحاضره ومستقبله وليس بعيداً عن دائرة حياته وهمومه وهي رؤية لها وجاهتها في سياق ما نشهده من صراعات ومتغيرات ستنبيء الأيام المقبلة عن نتائجه وستلعب الدراما دوراً في تصويره لتكتمل الدائرة وتتأكد الصلة بين الواقع والإبداع.