المشهد العربي: وداع سنة القهر

حجم الخط
9

مع نهاية هذه السنة سيسكب حبر كثير على تحليل أسباب الكوارث التي حلّت بسكان هذه المنطقة المنكوبة من عرب وقوميّات أخرى وسيذهب الكتاب في ذلك مذاهب كثيرة، كلّ حسب موقعه من خرائط السياسة والجغرافيا والمصالح.
سيحاول بعض الكتاب والإعلاميين والسياسيين والمعلقين التعبير عن مواقفهم من آلام البشر، لكن البعض الآخر لن يرى من كل هذا البحر المتلاطم من الدماء والمآسي غير ما تراه عيون الأنظمة أو الأيديولوجيا أو الحزب أو الطائفة محتفلا بانتصارات فحسب تضيع معها الأرقام المخيفة للقتلى والجرحى والمعاقين، ووقائع الأطفال اليتامى الضائعين بين القارات، وحكايا العائلات الممزقة، الشرف المهان والكرامات المذلولة واستغلال الفتيات وقهر الرجال.
في فلسطين، نشهد تلخيصاً للمأساة العربية مع استمرار العنجهية والاستيطان والقمع والأسر وابتهاجاً اسرائيليا بالخراب العربي العام، كما نرى التأثير العربي والاقليمي من خلال تنسيق سلطات مصر مع اسرائيل على حصار غزة، ومحاولة اقليمية عربية لاختراق المؤسسات الفلسطينية، وبعض ظواهر انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحتى هنا ستحضر إيران من خلال ميليشيا «الصابرون» الصغيرة في غزة، لكننا سنرى أيضاً انتفاضة فلسطينية مستمرة ودعماً دوليّاً يكسر القاعدة في اليونسكو ومجلس الأمن ويدين إسرائيل.
يمكننا بعد ذلك أن نقوم بمسح استطلاعي لجبل القهر العربي بدءاً من اليمن غير السعيد، حيث ما تزال قوات الرئيس السابق علي صالح، وحلفائه الحوثيين، وسندهم الإقليمي إيران يحتلون صنعاء ويحاصرون تعز ويفرضون تحالفا بين الاستبداد الوطني المتراكم والإرث الإمامي الذي أسس صالح، وأسلافه، شرعيتهم بالانقلاب عليه، لمقاومة ثورة ظنّ الكثيرون أنها وصلت إلى منتهاها.
ونتابع في العراق فصول المأساة المستمرة منذ احتلال أمريكي فتح الباب لموجة الاستقواء الإيراني على بلدان المنطقة وأسس نظاماً للغلبة الطائفية والفساد المهول فشلت محاولات الاحتجاج والاعتصام السلمية والمدنية في تغييره فانضافت عوامل الطائفية والظلم والاحباط إلى رصيد حرب بشعة بين تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي حوّل مظالم السنّة إلى تيار نكوصي متطرف، والميليشيات الشيعية المدعومة من التحالف الإيراني ـ الأمريكي نفسه، في دائرة قهر لا تني تتكرر وتتوسع في المنطقة لا في العراق وحده.
وسنشهد في سوريا رئيسا يعلن «الانتصار» على شعبه، مستعينا بالأجنبي الإيراني وميليشياته العراقية واللبنانية في ختام سوريالي لأسطورة البعث السوري رافع راية القومية العربية، فيما تستكمل روسيا المشهد المخزي باستعمار عسكري جديد لبلد كان قد نال استقلاله قبل أكثر من سبعين عاما.
انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان أعطى اشارة جديدة لميل التوازنات الاقليمية لصالح إيران لكنه بدأ توازنات محلّية جديدة لا تستطيع تجاهل المحيط العربي والعالمي.
في مصر، شهدنا استمرار السلطات العسكرية والأمنية في تصلّبها وانحيازها المتصاعد نحو حلف جديد عجيب يجمع بين روسيا وإيران وأنظمة سوريا والعراق والجزائر، من جهة، وإسرائيل وتيارات اليمين العنصري في الغرب، من جهة أخرى، كما شهدنا استمرار القمع ضد المعارضين وتلبيس أي اختلال أمني لجماعة «الإخوان» المطاردة والمسجونة قياداتها وقواعدها.
وفي ليبيا راقبنا حكومة ساهم المجتمع الدولي في إنشائها لتوظيفها في قتال «الدولة الإسلامية»، تنافسها حكومة أخرى يتحكم بها الفريق خليفة حفتر، ومن ورائه مصر، مع دعم جوي وعسكريّ لبعض الدول الغربية، مما يظهر نفاق المنظومة الدولية وخلافاتها.
وفي السودان نشهد نظاماً أشرف على تقسيم بلاده واستنزف خيراتها والتزم بالشروط الاقتصادية العالمية القاسية وما زال يشتري الوقت ضد غضب شعبه بالقمع والتهديد، كما تشهد موريتانيا وضعا مشابها في شدّ ورخي بين السلطات والمعارضة.
ويكشف الوضع في الجزائر تماثلاً رمزيّا بين حال البلاد ووضع رئيسها الصحّي حيث تصلّبت شرايين النظام وصار يمشي على كرسي متحرك تديره أيد خفيّة وتسير به إلى سوق سوداء لتبادل المصالح والمنافع والامتيازات.
في الدول الأخرى، ورغم المصاعب الهائلة التي تعاني منها بلدان مثل تونس والأردن والمغرب، فقد شهدت استقرارا نسبيا بفضل اجراء نخبها تسويات تحد من التطرّف وتفعّل طرق الحوكمة، فيما قامت بلدان الخليج الغنيّة بتعديلات بطيئة ولكن متدرجة لمنظومتها التقليدية تجعلها قادرة على التفاعل مع العالم ومتغيراته العاصفة، وتخفف ثرواتها من آثار النقمة الاجتماعية والسياسية.
2016 كانت سنة قهر عميم، لكنّها أيضاً حملت إشارات إلى أن القهر لا يدوم.

المشهد العربي: وداع سنة القهر

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه (المشهد العربي: وداع سنة القهر)
    القهر والقمع المفرط في شرق اوسطنا العربي الاسلامي من الاعداء الالد او من الحكام الظلمة، هل هو قدرنا؟ ام ان في الافق(بشري بتجديد وتغيير!!). وقائع 2016 ( المخيفة للقتلى والجرحى والمعاقين، ووقائع الأطفال اليتامى الضائعين بين القارات، وحكايا العائلات الممزقة، الشرف المهان والكرامات المذلولة واستغلال الفتيات وقهر الرجال.) في بلداننا لا تبشر بخير. يقابل ذلك ( استمرار العنجهية والاستيطان والقمع والأسر وابتهاجاً اسرائيليا بالخراب العربي العام، كما نرى التأثير العربي والاقليمي من خلال تنسيق سلطات مصر مع اسرائيل على حصار غزة) وفي ضوء آخر النفق نرى ( انتفاضة فلسطينية مستمرة ودعماً دوليّاً يكسر القاعدة في اليونسكو ومجلس الأمن ويدين إسرائيل.)
    وفي العراق لا يزال ( احتلال أمريكي فتح الباب لموجة الاستقواء الإيراني على بلدان المنطقة وأسس نظاماً للغلبة الطائفية والفساد المهول) وهو يعاني الامرين من (الميليشيات الشيعية المدعومة من التحالف الإيراني ـ الأمريكي نفسه)
    وفي سوريا نرى رئيسا اهوج ( يعلن «الانتصار» على شعبه، مستعينا بالأجنبي الإيراني وميليشياته العراقية واللبنانية…. فيما تستكمل روسيا المشهد المخزي باستعمار عسكري جديد لبلد كان قد نال استقلاله قبل أكثر من سبعين عاما.)
    وليس في ليبيا او اليمن ما يبشر بالانفراج ؛ واما في مصر السيسية فلا مبشرات بالانفكاك من الحضن الاسرائيلي يصاحبه ( استمرار القمع ضد المعارضين وتلبيس أي اختلال أمني لجماعة «الإخوان» المطاردة والمسجونة قياداتها وقواعدها.)
    وعالميا وخصوصاً امركيا، فان رئيسا عنصريا اهوج موالي لاسرائيل يصعد للبيت الابيض قد يزيد (طيننا بلة ) كما يقولون.
    وفي المجمل فان سنة (2016 كانت سنة قهر عميم، لكنّها أيضاً حملت إشارات إلى أن القهر لا يدوم.) (فان مع العسر يسرا، ان مع العسر يسرا) صدق الله العظيم. وكما اخبر الصادق المصدوق(ص) فلن يغلب عسر يسرين. وان الفجر يبزغ بعد حالك الظلام.ولله الامر من قبل ومن بعد

  2. يقول محمد حسنات:

    نعم، لما خلصت إلية القدس العربي،،القهر لا يدوم،،لأنة يتقاطع مع إرادة الشعوب،ومنطق الحياة،وروح العصر،
    فهل من يتعظ و يتعلم ،قبل فوات الأوان ؟!.

  3. يقول عبدالله ناصر:

    تمر السنون تلو السنون وكل اﻻمم تخلصت من استبدادها وطغاتها غير امة العرب ﻻ زالت تحتفظ حتى بمقعديها ليكون ساسة عليها !! يا ترى ما هي اﻻسباب؟!

  4. يقول حسن:

    العرب سماعون لكل مديح مبطن بالخداع والنفاق. فالعربي يغلب عليه الغرور. إذا ما اعتلى منصبا نسي مكانه حيث كان. أما الثراء فهو عندهم استعباد للذات قبل إذلال العربي الآخر. يجد عليهم كل حديث وتنطلي عليهم الحيل. لذلك صالت وجالت الأمم في أرض العرب وعاثت في الخلق والخليقة فساد إلى أن ساد الظلم واستفحل بين وكلاء النظم القائمة مقام قوى الشر التي لن تتراجع حتى ترى تغيرا آفاقه قد تُشرق منه حرية تسود بعدها عرب غير ذي عرب.

  5. يقول محمد حاج:

    وهل هناك يوجد عام لم يكن فيه القهر سائدا ، والذل مسيطرا على أمة العرب خلال العقود الثلاثة الماضية ، نحن نودع القهر ونستقبل قهرا وذلا جديدين ، ونظل نتهم غيرنا في ما يحصل في أوطاننا وكأننا بريئون من كوننا احد أسباب القهر الذي يواجه الأمة .

  6. يقول ماء مبلول:

    الذي مضى لن يعود و علينا بالقادم حتى لا يتكرر ما جرى لكن بشكل جديد و تحت مسميات و شعارات أخرى فكل مرة نبلعها و كل مرة نرى فيها العيار بأثقل من سابقاتها .

  7. يقول سامح //الاردن:

    *عام 2016 على وشك المغادرة
    بحلوه ومرارته وخيره وشره
    والأمل أن يكون العام الجديد
    أفضل للوطن(العربي) ولباقي
    دول العالم (إن شاءالله)
    وكل عام والجميع بألف خير وعافية.
    سلام

  8. يقول Passerby:

    كان المقبور حافظ الأسد يلوك بمقولة كتبها له أحدهم -وهي كلمة حق أريد بها باطل ولكن المقبور وابنه من بعده لم يفقهوها – تقول:
    قوتان لا تقهران: قوة الله وقوة الشعوب.

    1. يقول سلوى:

      ساضيف اليهما قوة ثالثه : قوة اللسان السليط

إشترك في قائمتنا البريدية