مصر: درس إبراهيم عيسى

حجم الخط
27

إبراهيم عيسى صحافي مصري شهير أجاد الكتابة الصحافية لسنوات كما أجاد الحديث المنفرد للتلفزيون في برنامج يحمل اسمه، في أسلوب انفرد به الإعلام المصري دون سواه في العالم ويتمثل في جلوس الصحافي ليحاضر في خلق الله في كل شيء، مع أن هذا ليس من مهامه المهنية إذ إن الصحافي ليس خطيب مسجد ولا مرشد الأمة.
على كل، هذا ليس موضوعنا، ولا موضوعنا كذلك محاكمة عيسى على آرائه ومواقفه السياسية فهذا ليس شأننا كما أنه حر في ما يقول ويعتقد. لا شيء من ذلك يقلل من قيمة عيسى المهنية والفكرية، صحافيا جريئا وروائيا جميلا ومتحدثا لبقا وآسرا. ما يهمنا هنا فقط هو أن ابراهيم عيسى الذي كان ناقدا شرسا لحكم مبارك ثم لحكم مرسي كان من بين أولئك الذين وقفوا مهللين لانقلاب عبد الفتاح السيسي بل وكان أول من جلس معه في حوار تلفزيوني ليقدمه للناس مرشحا للرئاسة التي قال يوما ما، وصدقه المغفلون، إنه زاهد عنها. لكن عيسى وقد بدأ ينتقد تدريجيا حكم السيسي وجد نفسه الآن خارج الشاشة مرة واحدة فالريس لم يستطع تحمله ولو لسنوات قليلة كما تحمله مبارك، أو لسنة واحدة فقط كما فعل مرسي.
إبراهيم عيسى أعلن بنفسه أنه أوقف برنامجه الذي يقدمه منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015 أربع مرات في الأسبوع بسبب تعرضه لــ «ضغوط» وأنه «يتقبل أن تكون هذه اللحظة مناسبة للتوقف عن تقديمه»، فيما قالت قناة «القاهرة والناس» التي تبثه أنه «تقدم باعتذار إلى إدارة القناة معربا عن رغبته في عدم الاستمرارفي تقديم برنامجه (…) وتطلعه إلى التخفف من بعض أعباء العمل للتفرغ والتركيز على مشروعاته الكتابية والابداعية في الفترة المقبلة».
السذج فقط يمكن أن يقبلوا بهذه الرواية، وعلى كل لا يبدو من بين هؤلاء زملاء إبراهيم عيسى نفسه الذين يقدمون هم أيضا برامج تلفزيونية لم تتوان أبدا في التطبيل للسيسي وسياساته لكن الرجل بدا كمن لا يقبل منهم أبدا أي نشاز أو خروج عن النص حتى وإن كان مدروسا أو للتمويه أو للتنفيس عن الناس… لا شيء من ذلك بات مقبولا الآن في مصر. هؤلاء ارتعبوا مما حدث مع عيسى كالعروس التي ارتعبت من ذبح العريس القطة ليلة الدخلة، على ما يقول المثل الشعبي الشهير.
لا فائدة في استعراض ما تقوله منظمات حقوق الانسان وحرية الصحافة في العالم عن مأساة الصحافيين المصريين والأجانب تحت حكم السيسي فتلك طبعا في عرف جماعته «منظمات مأجورة ومتواطئة مع الإخوان المسلمين وتمولها قطر». لهذا سنستعرض بعضا مما قاله مقدمو البرامج في التلفزيونات المصرية أنفسهم، جادين أو ساخرين، ممن اشتركوا وما زالوا في عشق النظام الذي باتوا مع ذلك يخشون أن تدوسهم عجلاته، كما داست عيسى ومن قبله المأسوف على طلته الطريفة توفيق عكاشة. يقول هؤلاء…
لميس الحديدي: «عندي إحساس أننا عايزين نسمع صوت واحد، الناس تصفق بطريقة واحدة وتتكلم بطريقة واحدة (…) إحساسنا بالضيق يزداد يوما عن آخر ولست متأكدة إذا كنت سأتواجد على الهواء غدا».
خيري منصور: غياب برنامج إبراهيم عيسى «خسارة كبرى للإعلام ومؤشر سلبي لمستقبل الحرية في مصر».
شريف عامر: «الآن وقد توقف برنامج إبراهيم عيسى، نتمنى أن تستقر الأسعار وينكسر الدولار ويعم الرخاء والاستقرار»..
كثيرون سيشمتون لا محالة في «أبو حمالات» كما يوصف إبراهيم عيسى عند بعضهم، وقد يكونون متلهفين لغياب آخرين ممن ذكرنا الآن، وممن لم نذكر من قبيل.. «الواد» فلان و»البت» فلانة، ولكن الأجدى هو استخلاص العبرة : الصحافي الذي يطبل لدكتاتوريات فرضت نفسها على الناس بالقوة وأجهضت تجربة جميلة في الانتقال السلمي الديمقراطي لن يكون أبدا في مأمن من بطش هذه السلطات عندما تستتب لها الأوضاع ولا يعود بمقدورها أن تتحمل حتى زقزقة العصافير.
كلمتان في النهاية… ردا على كلمتين…
تقول لميس الحديدي إنها «مجهزة بيان استقالتي من الآن وحتفرغ للخياطة وشغل المنزل واشتغل تريكو لو متضايقين من أسئلتي»… وأنا أقول: هذا ما سيحصل على الأرجح سيدتي!!
و يقول إبراهيم عيسى «أترك مساحة التعبير التلفزيوني لمرحلة أخرى ووقتٍ لعله يأتي».. وأنا أقول: لو أتى في عهد هؤلاء… إبق قابلني!!

٭ كاتب وإعلامي تونسي

مصر: درس إبراهيم عيسى

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dr. Walid Khier:

    إلي كل من لازالت لديه القدره علي التطبيل و التهليل للسيسي بعد كل الإخفاقات و الفضائح و الكوارث التي مرت علي مصر حتي الآن: صمودكم أخجلنا.

  2. يقول محمد منصور....فلسطين:

    يقالل بأن الثورة تأكل أبنائها وفي مصر ها هو الأنقلاي يلتهم أبناءه.

  3. يقول Dr. Walid Khier:

    لا أعلم من أين تأتي بقصصك يا محمد يا صلاح و لكن ربما قبل أن تولد أنت ذهب الاخوان دون سواهم لنجدة فلسطين في ١٩٤٨، و جهلك بالتاريخ ليس عذراً و لا مبرر لتأليف الأقاصيص. و في ١٩٦٧ كان الآلاف منهم في معتقلات عبد الناصر و لم يصدر لهم صوتاً إلا بعد افراج السادات عنهم. ثانياً عبد الناصر كمم الأفواه و صادر الحريات و نكل بالابرياء فطبيعي أن يشمتوا فيه في هزيمه أوجعته لكسرها كبريائه و اذلالها لغروره قبل أن توجعه خسائرها البشريه و الماديه و المعنويه. ثالثاً جيشك الذي تتباكي علي هزيمته طغي و تكبر وأظن قصص تعذيب السجون الحربيه ح و سيرة صفوت الروبي و حمزه البسيوني و شذوذ صلاح نصر و فساد عبد الحكيم عامر ليست من تأليف الإخوان. و إذا كنت تعيب علي الإخوان عدم نجدتهم لفلسطين (و هو ما بينت لك عدم صحته) فالأولي أن تعيب علي جيشك قصف المدنيين الأبرياء في اليمن بالاسلحه الكيماويه و النابالم و جبنهم و فرارهم بالملابس الداخليه أمام جيش إسرائيل. و أخيراً الشعب المصري فعلاً لا يقارن لا بالأوغندي و لا الروسي و لا الليبي. الشعب المصري الأول في الاصابه بفيروس سي و الأخير في جودة التعليم و ساكن المقابر و لا ينال الحد الأدني من حقوقه علي بلده و لا الحد الأدني من العيش الآدمي الكريم. لا يجرؤ الاعتراض علي اهانة ضابط شرطه الموظف عنده و يلقبه بالباشا خوفاً من بطشه. و مع ذلك يمجد في من يسرق قوته و يدمر حاضره و مستقبل أولاده و أحفاده من ٦٥ عاماً و يلتمس لهم الأعذار و يلقي بها علي : ” الأخوان” حتي بعد فضيحة إتصال نتنياهو بالزعيم الوطني ألمخلص المشير أبو فلاتر لإعاقة مشروع قرر إدانة المستوطنات الإسرائيليه.

    و لسة بتقول ثورتين… روح يا شيخ أضحك الله سنك….. و كما ذكرت في تعليق سابق صمودك أخجلنا

  4. يقول م . حسن .:

    بعد أن عشنا ثنائية ومسرحية العسكر الوطنيين أوى والدراويش بتوع ربنا , جاء الدور علي الإعلاميين والصحفيين . النقد هو أول وظائف العقل الإعلامي والصحفي , أى علي حرية الرأى والتعبير المقدسة , في جميع الدول المتحضرة وأول بنود دساتيرها . المصرين لا يريدون لا ديكتاتورية عسكرية ولا ديكتاتورية دينية , يريدون دولة مدنية يشارك فيها الجميع علي قدم المساواة كما هو الحال في تونس .

  5. يقول سمير زيدان- المغرب:

    شكرا الدكتور خير على المعلومات التاريخية القيمة.

  6. يقول der_araber:

    ورد عيسي علي الموضوع ,اقابلك فين طيب وانا ممنوع من السفر ايضا!

  7. يقول م . حسن .:

    الإختلاف بين مصر وتونس هو في ” إتفاقية كامب ديفيد ” , بين عسكر مصر وإسرائيل وأمريكا .

  8. يقول سامح //الاردن:

    *شيء طبيعي (السيسي) يبعد الناقدين
    ويقرب المادحين والمطبلين.
    * لكن هل لوحده يفعل هذا الأمر ..؟؟؟
    * كل حكام العرب يفعلون نفس الشيء.
    *(النقد ) ممنوع ف العالم العربي
    من محيطه الى خليجه..
    سلام

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      أخي العزيز سامح !

      انتشار و سيادة الخطأ لا يبرره !!

      الموضوع عن مصر تحديداً ، و كون أن حرية الرأي مقموعة في كل او جل بلدان وطننا العربي ، فذلك لا يعني تبرير الأمر !

      اسلوب كلامك يوحي ، انه لم الكلام عن مصر فقط ،طالما الاخرون لديهم نفس الخلل ؟!

      و حتى لو صح أن حرية الرأي مقموعة بهذا الشكل في بلدان اخرى ،و هو صحيح واتفق عليه ، لكن كون مصر هي القاطرة و هي المثال بحكم موقعها و امكانياتها و تأريخها ، فيجعل من وجود الخلل فيها ،اي خلل ، مؤثرا بدرجة اكبر من وجوده في غيرها

      لهذا مرفوض تماماً وجود مثل هذا القمع في الحريات في اي بلد و بدرجة اكبر و اعظم في بلد مثل مصر !

      تحياتي

  9. يقول محمد على موريتانيا:

    معلودة اضافية للدكتور وليد واخونا صلاح
    في حرب اكتوبر ٧٣ تعلمون جيدا عن ما يسمى ثغرة الدفرسوار التي دخلت منها قوات شارون مدينة السويس واصبح على بعد ١٢٠ كلم من القاهرة وحاصر الجيش الثالث الميدانى شرق القناة . اللجان الشعبية المدنية التي قاومت قوات الصهاينة حينما دخلت السويس كلها إخوان والقصة معروفة لدى كل الإخوة المصريين

    1. يقول محمد صلاح:

      يا اخ محمد على
      السويس طول عمرها مدينة ناصرية
      وكل ابطال المقاومة بالسويس شباب ناصرى
      وكلهم دربهم الجيش وسلاحهم كله من الجيش
      اما الاخوان لم يكن لها اى وجود
      ولكن كان له وجود الشيخ حافظ سلامة وهو ليس من الاخوان ولا يثق فى الاخوان وهو عايش حى
      وهو رجل محترم له كل التقدير من كل شعب السويس

  10. يقول حسن - المغرب:

    كما تدين تدان ، من حفر حفرة لأخيه سقط هو فيها ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، ومن يهن يسهل الهوان عليه ، تآمروا على الإخوان فسلط الله عليهم جنودا مرئية وغير مرئية ، ستجعل ابراهيم عيسى ومن على شاكلته في ظنك وغصة وكره للمحبوب السيسي ونظامه ، وإن عفا عنهم وسمح لهم بالعمل . جراحة السنان لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية