رام الله ـ «القدس العربي»: نظمت اثنا عشر دولة في العالم وقفات تضامنية داعمة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وذلك تزامناً مع يوم الأسير السياسي العالمي وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من كانون الأول/ديسمبر. وأكد رئيس نادي الأسير قدورة فارس، أن «هذه الفعاليات تُعيدُنا إلى القضية الإنسانية الأولى ألا وهي قضية الأسرى».
وأعلن أن مؤسسة «مدافعون من أجل حقوق الإنسان» التي تتخذ مقراً لها في محافظة الخليل كانت قد رتبت ذلك بالتنسيق مع نادي الأسير ومع العشرات من المؤسسات الحقوقية الداعمة للأسرى في هذه الدول. وذكر فارس أن من بين الدول التي ستُقام فيها الفعاليات، اسبانيا وأمريكا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا واليابان والمكسيك وكندا وفرنسا وجنوب افريقيا وكوبا وتشيلي.
وبدأ تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948. وتعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين من أكبر القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية في العصر الحديث، خاصة أن أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني دخل السجون على مدار سنين الصراع الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية. وكانت سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت عام 1987 والانتفاضة الثانية عام 2000 من أصعب المراحل التاريخية في هذا المجال، حيث تعرض الشعب الفلسطيني خلالها لعمليات اعتقال عشوائية طالت الآلاف من أبنائه وبناته، بالإضافة إلى عام 2015-2016 وتحديدا منذ بداية الهبة الشعبية. وقد أقر المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1974 خلال دورته العادية يوم السابع عشر من نيسان/إبريل يوما وطنيا تحت عنوان «يوم الأسير الفلسطيني».
واعتبرت الحركة الوطنية الأسيرة تجربةً رائدة ومسيرة حافلةً في العطاء على مدار سنوات الصراع مع العدو الصهيوني، هذه التجربة التي ضاهت في مستوى أدائها وبرامجها، عدة مدارس فكرية متعددة رغم قسوة الحياة في المعتقلات الإسرائيلية ووحشية السجان إلا أن صدق الانتماء وتطور التجربة، حول هذه المعتقلات إلى قلاع ثورية تَخرج منها آلاف الكوادر الحزبية المنظمة التي استطاعت أن ترسم ساحتنا الفلسطينية تلك الطاقات الخلاّقة التي عكست تجربتها النوعية في المضمون والأداء وفي مجالات كثيرة في ساحة العمل الأوسع، ووسط الجماهير في الميدان.
وتميزت الحركة الأسيرة في السنوات الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بالتركيزعلى البعد التوعوي والتربوي الأمر الذي أسهم في صقل الطاقات وتهذيبها بشكل أتاح الفرصة لبناء الكادر القادر على القيادة وتحمل المسؤوليات في ظل ظروف اعتقال قاسية كان طابعها العام المواجهة الدائمة والمستمرة مع إدارة السجون، وهذا بطبيعة الحال كانت له استحقاقات سددها الأسرى بالمعاناة والتحدي لأبشع قوة احتلالية، حتى أرسوا دعائم وأسس الحركة الفلسطينية الأسيرة، في ظل غياب الإعلام القادر على رفع صوت الحركة الأسيرة في وجه الغطرسة الصهيونية.
وبعد احتلال باقي فلسطين في العام 1967 تجرع المعتقلون الأوائل مرارة سياسة استهدفتهم من أبواب كثيرة وطنية ونفسية واجتماعية وفكرية، فقد اتبعت حكومة إسرائيل في هذه المرحلة كل الأساليب الممكنة لأجل تحقيق هدفها في تطويع المناضل الأسير لاخضاعه تمهيداً لشطبه وطنياً وإنسانياً، فسياسة الاستنزاف العصبي المرهق والتجويع النفسي والمادي والحرمان المطلق من كل الضرورات الأولية لحياة بشرية معقولة، وسياسة الإسقاط الوطني والاستهداف الأمني، والتجهيل الثقافي وغيرها دل كل هذا على أن السجن في المفهوم الإسرائيلي هو أداة لقمع ومواصلة قمع مقاومة الشعب الفلسطيني المحروم من حقوقه الإنسانية والسياسية.
وتحولت السجون التي ورث معظمها الإسرائيليون عن الانتداب البريطاني بعد حرب حزيران/يونيو عام 1967 إلى مراكز لشن العنف ضد الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة بهدف إبادته عبر وسيلة أخرى غير حبل المشنقة هي الاعتقال وسياسة الموت البطيء للأسرى. وهذا ما وعد به موشي ديان بتحويل المعتقلين في السجون إلى حطام وكائنات لا تمت للبشرية بأي صلة، مفرغة من كل مظهر إنساني تشكل عبئاً على نفسها وشعبها.
الدفاع عن الذات الوطنية
وتركز صراع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية حول دفاعهم عن ذاتهم الوطنية التي استهدفتها سياسات الإبادة الإسرائيلية. ومنذ عام 1967 زج الاحتلال بالآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في السجون، وعملت حكومة إسرائيل على ترميم السجون القديمة التي ورثتها عن أسلافها المحتلين، لزيادة قدرتها الاستيعابية وأقامت العديد من مراكز ومعسكرات الاعتقال الجديدة كأنصار 3 في النقب، وعوفر في بيتونيا وسالم وحوارة في نابلس وقادوميم في طولكرم وغيرها حتى أنها حولت سجن الفارعة خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 من اصطبل للخيل في العهد البريطاني إلى مركز للتحقيق، وحولت سجن الدامون الذي كان يستخدم كمستودع للدخان في العهد البريطاني إلى سجن.
وحسب إحصائيات مؤسسات حقوق الإنسان قدر عدد حالات الاعتقال ما بين عامي 1967- 1987 بـ (535000) أسير فلسطيني بمعدل 27 ألف حالة أسر سنويا، في حين يقدر عدد الفلسطينيين الذين تم أسرهم منذ بداية الانتفاضة الأولى في 8/12/1987 وحتى نهاية عام 1994 بحوالي 275 ألف مواطن فلسطيني فيكاد لا يكون هناك بيت فلسطيني إلا واعتقل أحد أبنائه.
وكانت السنوات الأولى من تجربة الاعتقال حفرت علامات دامغة في أذهان وعلى أجساد المعتقلين لأنها كانت مسرحاً مفتوحاً تمارس على خشبته كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. فقد كان استخدام العنف والاعتداء على الأسرى والأسيرات منذ بداية الاعتقال بمثابة قانون روتيني يتعرض له الأسرى وبأشكال مختلفة. ولم يقتصر الأمر على الاعتداء الجسدي، فأساليب الإذلال التي نفذها السجانون كانت أشد وقعاً من الاعتداء بهدف كسر روح السجين، وتحطيم نفسيته وتحويله مجرد عبد لا قيمة له. على سبيل المثال كان الأسرى يجبرون على مخاطبة السجان بكلمة «سيدي» ويمنعون من إطلاق شعر الرأس والشارب ويجبرون على حلاقة ذقونهم مرتين أسبوعياً بشفرة حلاقة واحدة توزع على خمسة أسرى. إضافة إلى الإذلال المتبع في طريقة استحمام الأسرى بإجبارهم على الخروج عراة من غرفهم إلى حمام خارجي وإلزامهم إحناء الرأس أثناء قيام شرطة السجن بإجراء العدّ اليومي، وشملت سياسة الإذلال إخراج الأسرى في ساحة الفورة «النزهة» والأيدي متشابكة منتصف الظهيرة والجلوس قرفصاء في الساحة.
كما عملت إسرائيل على محاصرة الأسرى ثقافياً عبر منعهم من الحصول على القلم والدفتر والكتاب وإجبارهم على سماع الإذاعة الإسرائيلية في أوقات محددة، ولم يسمح لهم بقراءة الصحف سوى صحيفة «الأنباء» التي تصدرها أجهزة المخابرات الإسرائيلية وكان الأسير الذي يتم ضبط قلم أو ورقة معه يعاقب في زنزانة إنفرادية. وكانت أشدّ الأساليب خطورة هي سياسة الإفراغ الثقافي والفكري من خلال ترويج كتب ثقافية فارغة المضمون داخل السجون.
تجارب طبية سرية على المعتقلين الفلسطينيين في السجون
أما سياسة الإهمال الطبي من قبل سلطات الاحتلال فهي سياسة منظمة وكانت حبة «الأكامول» هي العلاج السحري لكل الأمراض وقد استشهد العديد من الأسرى بسبب عدم وجود عناية طبية وحمل الكثير من الأسرى المحررين أمراضاً مزمنة معهم، واستشهدوا بسببها بعد الإفراج. ولعب الجهاز الطبي لمصلحة السجون دوراً قمعياً واستخبارياً مستغلاً حاجة الأسرى للعلاج لمساومتهم على شرفهم الوطني إضافة إلى مساهمته في قتل عدد من الأسرى، كما حصل مع الشهيدين علي الجعفري وراسم حلاوة إثر اضراب سجن نفحة عام 1980 وقد كشفت الصحافة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة عن ألف تجربة طبية قامت بها حكومة إسرائيل وبشكل سري على المعتقلين الفلسطينيين في السجون.
وواجه الأسرى سياسة العزل بأشكال عديدة والتي تقوم على عزل النشطاء من الأسرى وما تطلق عليه إدارة السجون «ذوي الرؤوس الحامية». وكانت سياسة تعذيب المعتقلين ممنهجة وثابتة بأساليب محرمة دولياً، حيث تعرض المعتقلون لمعاملة قاسية وعنيفة على يد المحققين الإسرائيليين وامتلأت تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بشهادات مشفوعة بالقسم عن حالات تعذيب وحشية تعرض لها الأسرى والأسيرات على أيدي المخابرات الإسرائيلية. وأصبح التعذيب قانوناً مشرعاً لدى حكومة إسرائيل وفق تقرير لجنة «لنداو» عام 1978 والتي أجازت استخدام الضغط الجسدي والنفسي مع المعتقلين. ولم تراع حكومة إسرائيل القوانين الدولية، واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة التي تحرم التعذيب وتعتبره جريمة حرب.
ولعب عدد من أصحاب التجربة التنظيمية دوراً في وضع اللبنات الأولى لبناء الجسم الاعتقالي حيث تم القضاء على كل مظاهر التحلل والانفلات في صفوف الأسرى ووضع البرامج التنظيمية والفكرية والتعبوية لمواجهة التحديات القائمة في السجون. وبنيت الأطر السياسية داخل السجون على قاعدة الالتزام والوحدة ومحاربة كل أشكال القهر والإذلال، وتطلب ذلك جهداً كبيراً وعملاً دؤوباً حتى استطاع المعتقلون ومن خلال خطوات نضالية واضرابات امتناعية وعصيان أوامر وإجراءات إدارة السجون من الحصول على جزء مهم من حقوقهم الإنسانية والمعيشية.
ويعتبر إضراب سجن عسقلان التاريخي عن الطعام في 11/12/1976 الذي استمر 45 يوماً نقلة نوعية في مسيرة الاعتقال نحو تحسين شروط الحياة في المعتقلات ومظهراً من مظاهر نضوج التجربة وترسيخ مؤسسة الاعتقال القائدة في السجون، وقد اعتبر الإضراب ملحمة جماعية وضعت حجر الأساس لنضال المعتقلين الشامل، المبني على أسس تنظيمية راسخة ولأول مرة يرافق هذا الاضراب تفاعل شعبي جماهيري خارجي مناصر لمطالب الأسرى.
فيما كان إضراب سجني نفحة في 21/7/1980 وسجن جنيد في نابلس 23/9/1984 المفتوح عن الطعام نقطة تحول جذري في حياة الحركة الأسيرة. وبدأت مرحلة تحقيق المنجزات والحقوق الإنسانية للأسرى إذ رافق هذين الإضرابين تفاعل شعبي وجماهيري خارجي مساند لمطالب المعتقلين إضافة إلى مشاركة ومساندة في الاضراب في كافة السجون الأخرى. وتم تركيب الأسرة للمعتقلين بدلاً من فرشات الأسفنج الركيكة وإدخال أجهزة الراديو وإنهاء سياسة الاعتداء على الأسرى وإذلالهم وتحسين الطعام وتغيير نظام الزيارة ليصبح مرة كل أسبوعين بدلاً من كل شهر والسماح بالحركة داخل السجن بالتزاور بين الغرف والأقسام، وإنهاء الازدحام في الغرف، وإدخال الملابس وتحسين التهوية، والإنارة. وأعاد الإضرابان الهيبة للحركة الأسيرة، وأديا إلى الاعتراف بشرعية مؤسسة الاعتقال، فلأول مرة يقوم وزير الشرطة حاييم برليف بالتفاوض مع اللجنة القيادية في سجن جنيد خلال إضراب عام 1984.
خطط لضرب الحركة الأسيرة
وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 8/12/1987 وما نتج عنها من عمليات اعتقال واسعة وإقامة سجون عسكرية لاستيعاب الأعداد الجمة من المعتقلين إضافة إلى العدوان الثلاثيني على العراق وما أحدثه من متغيرات دولية عكست نفسها على القضية الفلسطينية وحركتها الوطنية التي تعتبر الحركة الأسيرة جزءا منها- دوراً في التأثير على المسيرة الاعتقالية في السجون، إذ إن عمليات القمع والبطش التي مارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الانتفاضة وفرض سياسة القبضة الحديدية، طالت الأسرى ومنجزاتهم وحقوقهم.
وكانت إسرائيل تخطط لضرب الحركة الأسيرة وتقويض منجزاتها، وذلك بتنصل إدارة السجون من وعودها التي قطعتها على نفسها بتحسين ظروف الحياة داخل السجون ووقف تصعيد إجراءاتها التعسفية تجاه الأسرى. وكان من أبرز هذه الإجراءات افتتاح قسم العزل في سجن الرملة الذي يطلق عليه نيتسان وأقسام عزل في بئر السبع وعسقلان. وتم نقل عدد كبير من المعتقلين إلى هذه السجون ذات الظروف القاسية جداً إضافة إلى إصدار إدارة السجون تعليمات بمنع الاحتفالات في المناسبات الوطنية، وتصاعد الاعتداء على المعتقلين بالرش بالغاز المسيل للدموع، والإهمال الطبي للمرضى والجرحى، وتقليص كميات الطعام، وإجبار الأسرى على الوقوف أثناء العدِّ اليومي وغير ذلك من المضايقات. وأعلن الأسرى في 27/9/1992 الإضراب المفتوح عن الطعام والذي شمل لأول مرة كافة السجون واستمر 15 يوماً حيث شارك فيه 16 سجيناً. وحقق هذا الاضراب العديد من المنجزات المادية والمعنوية، وشكل انتصاراً على المخططات الإسرائيلية، التي كانت تتأهب للإنقضاض على وحدة الحركة الأسيرة وحقوقها.
أما معارك الإضرابات الحديثة للأسرى الفلسطينيين فقد تطورت خاصة ضد سياسة الاعتقال الإداري كسياسة إسرائيلية مبرمجة ضد الشعب الفلسطيني. وخاص العديد من الأسرى إضرابات أثمرت عن تحرر بعضهم والوصول إلى اتفاقات جديدة مع البعض الآخر فيما يواصل ثلاثة أسرى حالياً إضرابهم عن الطعام ضد هذه السياسة.
تضامن متواصل مع المعتقلين
ندد أهالي المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وعشرات المتضامنين الأسبوع الماضي، بالممارسات الإسرائيلية بحق أبنائهم المعتقلين، عقب إصابة عدد منهم في سجن «نفحة» الصحراوي.
ورفع المشاركون، خلال وقفة دعت لها مؤسسات تعنى بالمعتقلين أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، صوراً لأبنائهم ولافتات تطالب بتدخل دولي للإفراج عن ذويهم، ووقف الممارسات والانتهاكات بحقهم.
وقال أمين شومان، رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى (تضم مؤسسات تعنى بالمعتقلين وفصائل)، إن «الاعتصام هو تضامن متواصل مع المعتقلين، ردا على الإجراءات الإسرائيلية القمعية بحقهم».
وأضاف «إسرائيل بدأت العام الجديد (2017) بتصعيد وقمع المعتقلين في السجون، وخاصة معتقلي حركة حماس».
ولفت إلى إن «استمرار هذا الاعتداء يؤدي إلى انفجار في السجون».
وحذّر شومان، مصلحة السجون الإسرائيلية من مواصلة سياستها القمعية، بحق المعتقلين، داعيا المؤسسات الحقوقية للتدخل الفوري.
وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 7 آلاف معتقل فلسطيني، وفقاً لإحصائيات فلسطينية رسمية.
فادي أبو سعدى