من قال: تبادل اراض

حجم الخط
0

إن تبادل الاراضي بين اسرائيل وفلسطين في نظر من يريدون حل الدولتين يُرى فكرة قد تسوي بسهولة قضية الحدود. لكن هذه الفكرة تنطوي على واحدة من الصعاب الجوهرية التي تجب مواجهتها في الطريق الى الاتفاق. ويُجهد طالبو الامتناع عن الاتفاق أنفسهم في تجاهل امكانية تبادل الاراضي وينشئون بذلك تناقضات سياسية وقانونية واجتماعية.
إن فكرة تبادل الاراضي ترمي الى حل التوتر المبدئي بين مواقف الطرفين في شأن الاراضي. فالفلسطينيون بتأييد من المجتمع الدولي يعتمدون في موقفهم المبدئي على قرار مجلس الامن 242 وتفسيره الرائج هو انسحاب اسرائيلي الى خطوط 1967. والاسرائيليون، بدعم من رؤساء الولايات المتحدة الثلاثة الآخِرين، يُظهرون الواقع السكاني في الضفة الغربية، حيث يحيا أكثر من نصف مليون اسرائيلي باعتباره يقتضي تغييرات لمضاءلة عدد مواطني اسرائيل الذين سيبقون خارج سيادتها. إن تسوية تبادل اراض كالذي تم في اتفاق السلام مع الاردن، ستُمكن الفلسطينيين من ان يزعموا ان القرار 242 نُفذ كاملا، ويُمكّن اسرائيل من ان تُبقي أكثر الاسرائيليين في الضفة الغربية تحت سيادتها.
اقترح موقف الفلسطينيين من اسرائيل في العقد الاخير تبادل اراض بنسبة 2 3 في المئة من اراضي الضفة والقطاع، بنسبة 1 : 1، وهو ما سيُبقي 75 في المئة من الاسرائيليين ضمن سيادة اسرائيل. وفي مؤتمر كامب ديفيد في 2000 رفض رئيس الوزراء آنذاك ايهود باراك فكرة تبادل الاراضي وطلب ضم 8 في المئة من الضفة بلا مقابل. وبعد نصف سنة في طابا وافق على ان يعوض الفلسطينيين عن ضم 6 8 في المئة من الارض بممر بري بين غزة والضفة، ورصيف في ميناء أسدود. إن هذا التصور وهو تصور تعويض ليس ارضا، الذي يرفضه الفلسطينيون، يقوده اليوم رئيس كديما شاؤول موفاز ويتم توسيعه ليشمل بنى تحتية اخرى مثل منشآت تحلية ماء البحر وكهرباء وشوارع.
تبنى ايهود اولمرت الصيغة الفلسطينية والدولية في مؤتمر أنابوليس 2008، واقترح ان يُضم الى اسرائيل 6.5 في المئة من الضفة الغربية وان تُنقل الى فلسطين مقابل ذلك ارض بنسبة 5.8 في المئة من مساحة الضفة تشمل الممر بين غزة والضفة (الذي سيُحسب نحوا من 0.7 في المئة من الارض التي ستُسلم رغم أنه أصغر بعشرة أضعاف). وان جزءا كبيرا من الاراضي التي عرضها اولمرت هي اراض زراعية تفلحها كيبوتسات وقرى زراعية.
مع افتراض ان خطبة بار ايلان ما زالت نافذة، فان اعلان بنيامين نتنياهو الذي قال إن ‘كتلي ليست هي كتل اليسار’، يعني ضم 8 10 في المئة على الأقل. ولا تزيد الطاقة الاسرائيلية على تبادل الاراضي اذا لم تكن اسرائيل معنية بالاضرار بنسيج حياة أكثر من 20 بلدة في داخلها لا تزيد على 3 4 في المئة. وعلى ذلك فان معنى موقف نتنياهو اذا حدث تبادل اراض هو الاضرار بالطابع الزراعي والجماعي لعشرات البلدات.
ولأجل ذلك بالضبط لا نسمع منه كلمتي ‘تبادل اراض’. وليس لنتنياهو قاعدة قانونية يقبلها المجتمع الدولي يستطيع بها ان ينقذ اسرائيل من نتائج المشروع الاستيطاني الذي أحدثته هي نفسها. ولهذا يطالب ‘كتله’ بالدعوى الداحضة وهي أنها ‘حدود آمنة’، ويرفض تعويض الفلسطينيين تعويضا عادلا بأراض.
ويرفض الفلسطينيون هذه الدعوى، فهم مستعدون لتلبية حاجات اسرائيل الامنية حتى لو كان ثمن ذلك المس بسيادتهم بتجريد دولتهم من السلاح، لكنهم غير مستعدين للتخلي عن اراض من الضفة لأجل ذلك. وترفض اوروبا والولايات المتحدة هذه الدعوى ايضا. فهما تريان الترتيبات الامنية كوجود قوات دولية وعمل سلاح الجو الاسرائيلي في المجال الجوي الفلسطيني، ردا مناسبا. واحتمال ان يغير الفلسطينيون موقفهم صفر. وآثار موقف الجامعة العربية واقتراحها السلام على أساس خطوط 1967 مبدئية. إن لبنان، وسوريا على الخصوص تحت كل حكم متضررتان محتملتان وستعارضان وتُفشلان القرار بالاجماع المطلوب لتغيير موقف الجامعة، وهذا شيء سيمنع اسرائيل والفلسطينيين من تسوية معترف بها ومساعدة من الدول العربية.
يوجد اشخاص مثل افيغدور ليبرمان يقترحون تبادل اراض مأهولة، وهو ما حظي بعنوان ‘أم الفحم أولا’. ويدرك نتنياهو وفريقه ان هذا ليس أكثر من حيلة انتخابية. وحتى لو كان لهذا الاقتراح امكانية سياسية وقانونية فانه مع افتراض ان اسرائيل غير معنية بأن تنقل الى فلسطين بلدات اسرائيلية وبنى تحتية (الشارع 6 مثلا)، لا يمكن أن يُقترح في منطقة وادي عارة لتبادل الاراضي أكثر من 2 في المئة، فاذا تبنى نتنياهو ذلك وقرّب خط الحدود الى مسافة 10 كم عن البحر فلن يستطيع ان يزعم بعد ذلك ان حاجات اسرائيل الأمنية تُملي ضم اراض بلا تعويض.
وعلى ذلك فان استمرار توجه البناء وتوسيع المستوطنات في المناطق لا يُحدث هيمنة اسرائيلية في 94 في المئة من مساحة الضفة خارج ‘الكتل’. انه في الحقيقة يوسع المساحة المبنية في الكتل لكنه يُفشل المعنيين بتسوية دائمة بزيادته الثمن الشخصي الذي سيُطلب من الكيبوتسات والقرى الزراعية التي يفترض ان تتخلى عن اراض. ومن التناقض المنطقي ان حكومة اسرائيل تُمكن اولئك الذين يبنون فوق كل تلة في الضفة برخصة أو بغيرها والذين يسمون أنفسهم ‘جيل الرواد الجدد’، تُمكنهم من الاضرار ببلدات رواد أُنشئت طائفة منها في ايام سور وبرج، في اليوم الذي سيُبت فيه الاتفاق الدائم الذي سيكون على كل حال قائما على خطوط 1967 وتبادل اراض.

هآرتس 23/7/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية