لا شك أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي نص على إدانة الاستيطان الإسرائيلي، وطالب بوقفه في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بأغلبية ساحقة تمثلت بتصويت 14 دولة من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، بمن فيهم أعضاء دائمون في المجلس، كروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وامتناع الولايات المتحدة عن استعمال النقض «الفيتو» لأول مرة، مثل إحقاقا لحق الفلسطينيين في أرضهم وفي قسم من بلادهم التاريخية.
ويمكن إيجاز إيجابيات وسلبيات القرار بحسب الاجتهاد بالتالي: يمثل القرار إنصافا لحق الشعب الفلسطيني في بلاده منذ سنوات، إذ أن هذا القرار مر دون اعتراض من أي دولة، خصوصا من قبل أمريكا، كونها امتنعت عن التصويت. أعاد القرار كيان الاحتلال الصهيوني إلى دولة عادية، مثلها مثل الدول الأخرى التي تتعرض للمساءلة والإدانة والتصويب لسياساتها وقراراتها، كونها تعتبر نفسها فوق كل مساءلة، وأنها محمية بالفيتو الأمريكي أو الأوروبي، أحيانا، من كل محاسبة أو مراجعة.
حمل التصفيق اللافت للانتباه الذي تلا التصويت، دلالات الانتصار للفلسطينيين أولا واعتبار الدولة الصهيونية لا تحمل صفة الفوقية ثانيا. الاعتراض على ما تضمنه القرار من سلبيات، يعود إلى ما تضمنه البند السادس من القرار، الذي يدعو إلى نبذ العنف وإدانة الإرهاب، ولم يحصر إدانته بالعنف والإرهاب الإسرائيليين الموجهين ضد الشعب الفلسطيني والسياسات التي تتوجه للاستحواذ على الأراضي الفلسطينية، أو الخطوات المتخذة في ما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى والحرم القدسي، وغيرها من مقدسات لدى الشعب الفلسطيني، كما أنه لم يدن سياسة الاعتقالات والمطاردات لكل من يعترض على السياسات الإسرائيلية في مصادرة حريات الفلسطينيين واعتقالهم وقتلهم، بسبب ادعاءات ثبت أن بعضها غير صحيح. صدور القرار تحت ما يسمى البند السادس من قرارات المجلس الدولي، لا يلزم الكيان الصهيوني بالتنفيذ الفوري، أو حتى المؤجل، عكس البند السابع الذي ينص على التنفيذ الملزم، وهذا ما لم يتم تضمينه بالقرار الأممي إياه، ما دفع نتنياهو للقول إنه لن يلتزم تنفيذ أي بند من بنوده.
وعلى ما يبدو، فإن القرار الجديد سينضم إلى مجموعة القرارات المهمة المتخذة لمصلحة الشعب الفلسطيني، منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم؛ كالقرار 167 والقرار 194 الذي نص على إعادة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه وأملاكه، والقرار 242 والقرار 338 وغيرها من قرارات، إلا إذا أرادت السلطة الفلسطينية تفعيل هذا القرار ومطالبة محكمة الجنايات الدولية وغيرها، العمل على مساءلة إسرائيل بالنسبة إلى إقامة المستوطنات وجدار العزل العنصري وغيرهما من مسلكيات تعتبر غير شرعية في أراض محتلة. لا شك أن قرارات مجلس الأمن تخضع لمشاورات وصياغات عديدة وتستغرق وقتا طويلا كي تنضج، ويجري عرضها على مجلس الأمن. وهكذا حصل مع القرار الأخير 2334، إذ أنه لم يتم تجهيزه بشكل نهائي فورا بعد سحب المندوب المصري لمشروع القرار، بل كان قد خضع لصياغات وتعديلات مسبقة عديدة من قبل، حتى استقر حاله على ما تم عرضه في جلسة مجلس الأمن الأخيرة. وقد باشرت آلة الإعلام الصهيوني بإعلان مواقفها بعصبية وبادعاءات كاذبة، كما صرح المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، حين ذكر أن القرار يدمر محادثات السلام القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو أن القرار ضد المفاوضات المباشرة، وغير ذلك من ادعاءات كاذبة. فأين هي محادثات السلام، وهل هناك ما يسمى مفاوضات مباشرة؟
كما باشر نتنياهو حملة من الهجوم المضاد على الدول التي أيدت القرار، وخص بعض الدول ومنها نيوزيلندا والسنغال وأوكرانيا، وهدد بقطع المساعدات عن السنغال وأنغولا خصوصا، واستدعى السفيرين الإسرائيليين في نيوزيلندا والسنغال، كما استدعى سفراء البلدان التي أيدت القرار، ووجه انتقادات إلى سياسات بلدانهم، كما استدعى سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وراجع معه ظروف عدم استعمال المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الفيتو ضد القرار، علما بأن المندوبة كانت صرحت بأن القرار يتوافق مع ما دأبت الولايات المتحدة على توجيهه من انتقادات، لإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أخيرا يمكن الإشارة إلى ما أعلنه رئيس المعارضة الإسرائيلية هيرتسوغ من أن نتنياهو دمر الدبلوماسية الإسرائيلية، وكتب بعض الكتاب الإسرائيليين بأن السياسة الإسرائيلية أخذت تفقد الأصدقاء واحدا تلو الآخر، محملين نتنياهو شخصيا النتائج التي وصلت إليها أحوال الدبلوماسية الإسرائيلية مع دول العالم.
كاتب فلسطيني
سليمان الشّيخ