منذ الحرب الكوريّة في الخمسينات من القرن الماضي، توقن السلطات في نظام كوريا الشماليّة أنها مستهدفة من أعداء كثيرين، ليس أقلهم الجار الكوري الجنوبي المدعوم من الإمبراطوريّة الأمريكيّة المعولمة، وان هذا الاستهداف يأخذ أشكالاً مختلفة من الحصار العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي المستمر دون فتور أو كلل منذ عدة عقود ضد واحد من آخر قلاع الشيوعيّة المغلقة في العالم.
ولا شك أن حكام كوريّا الشماليّة – بخبرتهم الطويلة في مواجهة الحصار – يدركون تمام الإدراك خطورة الدّعاية الغربيّة وحملات البروبوغاندا الموجهة ضد بلادهم على تماسك جبهتهم الداخليّة وتقبل المواطنين الكوريين العاديين لحكمهم الشمولي، ولذا فهم فرضوا حظراً كاملاً على تداول المعلومات والإعلام الأجنبي، ونفذوا أحكاماً قاسية تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة في معسكرات الاعتقال السياسي لمن ثبت تواطؤه في نشر تلك المواد بوصفها جرائم ضد الدّولة. مع ذلك، فإن المواطنين العاديين في كوريا الشماليّة يستهلكون الآن كماً متصاعداً من المواد الإعلاميّة الغربيّة على نحو غير مسبوق في ما يبدو.
أسلحة ما بعد الحرب الباردة
الهجوم الثقافي الغربي على كوريا الشماليّة في راهن الأيام، لم يعد مقتصراً على أدوات الحرب الباردة من الإذاعات الموجهة والمناشير الملقاة بالطائرات الذاتية الحركة والمجلات الملونة، بل أصبح سلاحه الثقيل النسخ المقرصنة على اسطوانات ممغنطة من أحدث المسلسلات الكوريّة الجنوبيّة – ذات النفس الغربي الرأسمالي التوجهات – والأفلام الأمريكيّة التي يتم تهريبها من قبل المافيات الصينية أساساً عبر الأجزاء الضحلة من نهر التومين – على خط الحدود الرسميّة بين كوريا الشماليّة والصين- الذي يمتد لأكثر من 1400 كيلومتر شمال بيونغ يانغ.
في هذه المواد المهربة صور نقيضة بالطبع للعالم كما يراه الكوريون الشماليون وفق دعاية نظامهم. فالنساء الجميلات والشبان المتأنقون والسيارات الفارهة في المسلسلات الكوريّة الجنوبيّة – التافهة في معظمها – لا تتشابه وإيقاع الحياة اليوميّة القاسي في كوريا الشماليّة، ولا حتى صورة حياة الكوريين الجنوبيين البائسة كما ترسمها دعاية النظام الحاكم.
وتصب الأفلام الأمريكيّة الزيت على النار في ذهن المراهقين الكوريين الشماليين بتقديم تصور بديل لشكل العالم الرأسمالي خارج كوريا، حيث الخير والجمال والحضارة والقوانين وانتصار الإنسان الفرد ضد الصعاب وهي بدورها عكس ما تروج له سلطات بيونغ يانغ تماماً.
الأمريكيون رواد الحروب الثقافيّة
الأمريكيون بالطبع هم رواد وخبراء الحروب الثقافيّة، وهم في الحقيقة نفذوا أكبر هجوم ثقافي عرفه التاريخ ضد الشعب السوفياتي طوال عمر التجربة السوفياتية المندثرة، مستهدفين التأثير في وعي وتصورات مواطني الإتحاد السوفياتي العاديين، بغرض خلق توترات داخلية وضغوطات شعبيّة مضادة لنظام موسكو وقتها.
وهكذا قادت وكالة الاستخبارات المركزّية الأمريكيّة تحالفاً – غير مقدس – من عشرات المنظمات والمؤسسات الإعلاميّة والواجهات الثقافيّة المشبوهة – مع شبكة ضخمة من المنشقين السوفييت – في تسريب كميات هائلة من كتب الأدب المناهض للشيوعيّة والمجلات الغربيّة المبهرة لأيدي المواطنين العاديين، أسندتها أيضاً برامج إذاعيّة مؤدلجة وقتما كان الراديو ملك الوسائل الإعلاميّة. والواقع أن هذه الجهود أفلحت في النهاية بإسقاط النظام الشيوعي من الداخل عبر تقويض ادعاءاته المؤدلجة بتقديم صورة بديلة براقة للعيش خارج الستار الحديدي ساهمت في تكوين كتلة تاريخيّة كسرت ظهر الحزب الشيوعي السوفياتي وأعادت روسيا إلى حظيرة الرأسماليّة.
في جبهة كوريا الشماليّة، وبوجود سلاح الإسطوانات الممغنطة المقرصنة للمسلسلات الكوريّة الجنوبيّة والأفلام الأمريكية، فإن الأسلحة الهجوميّة الثقافيّة المتوفرة للأمريكي صارت أكثر، والمواد الإعلاميّة أسهل للهضم من قبل قطاعات أوسع من المواطنين.
شبكة توزيع معقدة ومتقدمة غيرت الحياة الاجتماعية
يقوم توزيع الإسطوانات الممغنطة المقرصنة في كوريا الشماليّة على شبكة توزيع واسعة النطاق تعود جذورها كما تقول الصحف إلى أيام المجاعة الكبرى في كوريا الشماليّة قبل عقدين من الزمن، إذ أن السلطات حينئذ اضطرت لإغضاء الطرف عن شبكات المافيا المحليّة لتساعدها في مواجهة مشاكل النقص الحاد والمتزايد في المواد الغذائية والتي فشلت المؤسسات الرسميّة بالتصدي لها.
هكذا نمت وعبر السنوات منظومة موازية لشبكات التوزيع الحكومي، تتولى متاجرة غير مشروعة تبدأ من المواد الغذائية ولا تنتهي بالمنتجات الثقافيّة، ويعتقد اليوم بأنها مسؤولة على الأقل عن ثلثي المواد المتداولة في السوق المحلي وفق تقديرات النيويورك تايمز، وهي منظومة تبدو بالغة الفعالية إلى حد أن المواطن الكوري الشمالي بإمكانه عملياً متابعة الحلقة الأحدث من مسلسله الكوري الجنوبي المفضل على اسطوانة مضغوطة مقرصنة خلال 24 ساعة بعد بثها في سيئول!
و يبدو تأثير هذه المسلسلات والأفلام سريعاً في التمظهر اجتماعيا، إذ كثيراً ما يُلْحظ أن الشباب في بيونغ يانغ يتبعون طرق تصفيف الشعر وموضات الملابس كما تظهرها المسلسلات الكوريّة الجنوبيّة، ويقلّد المراهقون هناك نماذج المواعدة مع الجنس الآخر والحب المحرّم كما يشاهدونها في الأفلام الأمريكيّة كاسرين تقاليدهم القديمة الموروثة بتسارع غير مسبوق. و قد نشأت حول هذه المسلسلات والأفلام سوق موازية لبيع سراويل الجينز والجاكيتات والإكسسوارات وربطات الشعر والأحذية المماثلة لتلك التي يرتديها نجوم المسلسلات الكوريّة كما في «ذا هيرز» و«سيغنال» و «نيبرهود هيرو» و«مون لفورز» و غيرها بحيث صارت صناعة متكاملة.
وعلى الرّغم من الشكل البريء – نظرياً – للأعمال الدراميّة التي يتم إغراق كوريا الشماليّة بها، فإنه وحسب مراكز الدراسات المعنية بالشأن الكوري – المعتمدة أساساً على المعلومات المستقاة من منشقين كوريين شماليين – فإن هذي المواد الدراميّة تخلق موجات تحولاتٍ اجتماعية صغيرة، تنتشر بين الأجيال الجديدة انتشار النار في الهشيم، على نحوٍ يقلَّل من شعبية النظام القائم، ويسوّد صفحة مؤسساته في أذهان قطاعات شعبية واسعة .
تبدو السلطات في مواجهة هذا الغزو المتصاعد كمن يحاول إيقاف نهر متدفق باليدين، ما حثها مؤخراً لتوقيع برتوكول تعاون ثقافي مع روسيا أهم بنوده العمل المشترك في مجال الإنتاج الدرامي والفني، لعل وعسى.
ربما لن تُسقِط اسطوانات المسلسلات الكوريّة الجنوبيّة والأفلام الأمريكية الممغنطة المهربة النظام الكوري الشمالي في يوم وليلة، لكنها بالتأكيد تبدو كأمضى أسلحة الغرب اليوم، الذاهبة في تفتيت الجبهة الداخليّة للشعب الكوري الشمالي وتكوين جمهور معاد للشيوعيّة – داخل بيونغ يانغ ذاتها- من الحالمين بحياة أفضل نقيض لشظف العيش في ظل الحصار، ودائماً وفق صورة العيش المثالي كما ترسمها الرأسماليّة في أفلامها الأمريكيّة الطويلة.
سينتقل الكوريون العاديون – إذا حدث وسقط النظام الكوري الشمالي – من أوهام النظام الشيوعي التي عندهم إلى أوهام الرأسمالية التي عندنا. من الأوهام إلى الأوهام، ومن التراب إلى التراب.
اعلامية من لبنان تقيم في لندن
ندى حطيط
لا تفنن ولا صرعات موضة “رأسمالية” في حلاقة شعر الكوريين الشماليين بعد اليوم، فبمرسوم من الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون صدرت أوامر للذكور بحلاقة شعرهم على نسق تسريحة زعيمهم رئيس البلاد، على ألا يزيد طول الشعر إجمالاً على 2 سم.
الزعيم الكوري كيم جونغ أون الذي عُرف بقصة شعره الغريبة وشخصيته المحبة للاستعراض بدأ العام الماضي حملة لمحاربة انتشار كل أشكال الثقافة الغربية التي وصفها الرئيس بـ”الرأسمالية”، حيث تنتشر بين الشباب الكوريين الشماليين بعض الموضات والتسريحات الشبيهة بالغرب.
والمرسوم الجديد جزء من هذه الحملة القمعية لتطهير البلاد من تلك الأشكال، حيث دعا الرئيس الكوري جميع الشبان والرجال إلى التقيد بقصة شعره التي نعتها بـ”الطموحة”.
– عن هافينغتون بوست عربي 17-11-2015 –
ولا حول ولا قوة الا بالله
لا استغرب ان يقوم اي بلد عدو لكوريا الشمالية بعمل دعاية مضاضة لها. ولكن لماذا لاتستطيع كوريا الشمالية عمل ذات الشيء وتحبب الكوريين الجنوبيين بالنظام الشيوعي وتعمل دعاية مضاضة.
ويمكن ان اقبل نظريتك بان النظام الشيوعي والنظام الرأسمالي كلاهما وهم، ولكن مايحدث في كوريا الشمالية هو نظام عبودية بكل معنى الكلمة. يكفي المواطن الكوري الجنوبي ان يكون لديه الماء والكهرباء ووسائل المواصلات الاتصالات السهلة بينما المواطن الشمالي محروم من كل شئ.
كان الأفضل لمقالتك ان تتحدث عن تأثير الدعاية ضد كوريا الشمالية كسلاح ولكنك ابتعدت عن الموضوعية عندما بدأت تقارنين بين بلد تعيش في النور (كوريا الجنوبية) وبلد تعيش في الظلام (كوريا الشمالية).
*أحيانا أشفق على شعب
كوريا (الشمالية) يعيشون
في (سجن ) كبير ورئيس
اهوج طائش مراهق..
سلام