صفق الآلاف وهللوا على قرار رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جاني انفانتينو بزيادة عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس العالم، من 32 منتخباً، مثلما هو معمول به الآن، الى 48 منتخباً بدءا من مونديال 2026.
نعم، الآن أصبحت الفرصة مواتية لمنتخباتنا العربية، وللمنتخبات المكافحة والمغمورة أن تتذوق طعم اللعب في مونديال عالمي، ليعزز هذا القرار مشاعر الفخر والوطنية عند الشعوب، التي سترى منتخبها المغمور كتفاً الى كتف ضد عمالقة المنتخبات العالمية.
لكن لماذا أصابني هذا القرار بالاكتئاب والصدمة؟ ربما لأنني اعتقدت أن زمن المحسوبيات والفساد والتربح والاستغلال ولى الى غير رجعة، برحيل عراب الحقبة الكريهة جوزيف بلاتر وزمرته وحاشيته، ليأتي وقت ابراز الوجه الجميل لكرة القدم، والعمل على تحديثها وتطويرها لأمور تتعلق فقط بكرة القدم، وليس بسبب ضغوطات سياسية ولا أهداف تتعلق بزيادة المداخيل المادية عبر زيادة الرعاة والمتسثمرين، لدجاجة «كاس العالم» التي تبيض ذهباً، وستبيض أكثر بعد 9 سنوات.
البعض سألني: هل ستكره رؤية المزيد من المنتخبات في النهائيات، وربما منتخب بلادك، الذي قد يتأهل للمرة الاولى في تاريخه؟ لم أفكر كثيراً، وجوابي كان نعم بكل تأكيد، لأن هذا القرار جردني من قيمة الاستمتاع بكرة قدم حقيقية، بين عمالقة اللعبة ونجومها، بل اعتقدت أن تقليص العدد من 32 الى 24، مثلما كان في السابق كان سيكون الأمثل. لانني كنت وما زلت أعتبر مونديال 1982 في اسبانيا الأفضل متعة وتشويقاً، وحينها حوى 24 منتخباً، وتساءلت ربما اعجابي جاء كونه كان المونديال الأول الذي تابعته وانا فتى واع، لكن ألا يفترض أن تستمر المتعة في السنوات التالية والمونديالات اللاحقة؟ لكن هذه لم يحدث مثل مونديال 1982. ومثلا كنت متشجعاً لرؤية كأس أمم أوروبية جديدة ومتطورة وكبيرة، بعدما ارتفع عدد المنتخبات المشاركة فيها من 16 الى 24، لكن في الواقع، كان «يورو 2016» مملاً وكئيباً وخلا من الكثير من الابداع، ففضلت الكثير من المنتخبات المغمورة والمكافحة اللجوء الى الدفاع واقتناص نقطة أمام الكبار، لأن صاحب المركز الثالث بامكانه التأهل، حتى أن البطل البرتغال لم يحقق أي فوز قبل الدور قبل النهائي، لأكتشف أن هذه الزيادة جردتني من المتعة والاثارة، لانني كنت أفضل مباريات مثل ايطاليا ضد اسبانيا وايطاليا ضد ألمانيا، على البرتغال ضد ويلز في قبل النهائي.
البعض سينظر الى الأمر بمنظور شخصي وسياسي بحت، كونه يعطي فرصة لمنتخب بلده في التأهل الى النهائيات، وطبعاً لا يهم المستوى الفني للبطولة، مثلما كان هم انفانتينو والفيفا ارضاء بعض الاتحاد الكروية وأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، لكن لو كان هناك تفكير أعمق لتوصل الفيفا الى حل يرضي الجميع، وهو الافتراح القديم الذي ما زلت أتمنى تحقيقه، وهو اجراء تصفيات عالمية، بالغاء التصفيات القارية، ما يسمح لكل المنتخبات بالاحتكاك مع بعضها بعضاً، ويسمح أيضا بزيادة المداخيل التجارية والرعاية من تنوع المنافسين من كل القارات، مع تأهل أبرز 32 منتخباً الى النهائيات، والذي سيكونون الاكثر استحقاقاً بعد تصفيات عالمية مضنية، لنشهد بعدها نهائيات ممتعة ومثيرة، لندرك أن مستويات كل المنتخبات ترتفع كونها تصطدم معاً، ولن تكون التصفيات مجرد مباراة حاسمة، بل فرصة ذهبية للقاء الكبار، ليس بشكل ودي، بل على مكان للعب في كأس العالم.
twitter: @khaldounElcheik
خلدون الشيخ
المقال ممتاز ومتوازن … كرة القدم بحاجة ماسة لإعادة روحها بدون فساد إلى الجماهير … المتعة والإنسانية والثقافة والتنافس هي ما يميز الرياضة … الاحتراف في بعض جوانبه قتل اللعبة والفيفا بفساده دفنها .