هذا اللغط العربي حول ما سيأتي به الرئيس الأمريكي الجديد من مفاجآت تجاه الأوضاع العربية هو جهد ضائع، بل وثرثرة سياسية إعلامية لن تفصح عن شيء جديد. ولقد آن لنا، نحن العرب، أن نقتنع بأن ثوابت السياسية الأمريكية تجاه الأمة العربية لن تتبدل بمجيء هذا الرئيس أو ذاك.
ومثلما انتظرنا الكثير من الرئيس الأمريكي المغادر فلم نحصل إلا على القليل، فكذلك سيكون الأمر مع الوجه الجديد. لن تتغير الثوابت الاستراتيجية الأمريكية التالية قيد أنملة، وهي استراتيجية لا يزيدها مرور السنين إلا رسوخا، وتفننا في التلاعب بأقدار الوطن العربي، وتلذذا بعذابات الملايين من ساكنيه. سيبقى الكيان الصهيوني الحليف مقدما على كل حليف عربي آخر، وستبقى العين الأمريكية مغمضة عن كل جرائم ذلك الكيان، وستستمر المساعدات العسكرية والمالية والعلمية والسياسية الدبلوماسية بالزخم نفسه، وسيظل الطفل الشيطان ملاكا في عين أمه.
ومن أجل إرضاء ذلك الحب المريض لن تسمح أمريكا بوجود جيش عربي قوي قادر، ولا بوجود نظام حكم مقاوم ورافض للتطبيع، ولا بقيام سلطة فلسطينية غير كسيحة وعاجزة، ولا بقيام نظام حكم ديمقراطي مستقل عن إرادتها وخدمة مصالحها. ولن تتراجع أمريكا عن استراتيجية الهيمنة على ثروات البترول، والتحكم في كل السياسات المتعلقة بتك الثروة، وغض الطرف عن الجنون الجهادي التكفيري طالما بقي محصورا في أرض العرب، وطالما أن عنفه لا يزعج الكيان الصهيوني ولا يتهدده، والتدخل اليومي في الشؤون الداخلية لكل قطر عربي حتى لا يخرج عن الخطوط الحمر للسياسة الأمريكية، وأخيرا التأكد من عدم توجه العرب نحو أي وحدة قومية من أي نوع. وستكون تلك الاستراتيجيات ليست قابلة للتغيير بتغير الرؤساء. وإذا فشلت الرئاسة الأمريكية في التبني الكامل لتلك السياسة، فسيقوم الكونغرس الأمريكي، ويهب مجلس النواب، ويتدخل اللوبي الصهيوني، وتضغط المصالح الصهيونية في حقلي المال والإعلام، سيفعلون كل ذلك لتصحيح مسار الرئاسة. ما نحتاج نحن العرب، أن نفعله ليس الاندماج المضحك في اللغط حول المتغيرات الأمريكية التي في الأصل لا تعطي أي اهتمام لوجودنا وطموحاتنا وحقوقنا، وإنما، بدلا من ذلك، أن نطرح الأسئلة حول بناء الندية العربية تجاه الندية الأمريكية. هنا مربط الفرس وهنا نقطة الانطلاق في التعامل مع السياسات الأمريكية المتخبطة المذلة تجاه العرب، والتي لا يهمها إلاَ مصالحها، والتي تتميز بالأخذ الكثير والعطاء القليل.
والواقع أن بناء تلك الندية تجاه أمريكا هو بناء الندية في وجه الكثيرين الآخرين، سواء بعض الدول الأوروبية التي تتعامل مع قضايانا بالطريقة الانحيازية الأمريكية نفسها، وأحيانا بطريقة أشد وأسوأ، أو سواء بالنسبة لبعض الدول الإقليمية التي أصبح بعضها لاعبا رئيسيا في هذه الساحة العربية أو تلك. ولا حاجه للحديث عن التدخلات الإيرانية والتركية اليومية التي أصبحت تهزأ بالوجود العربي وتتعامل معه كجسم مريض عاجز. وإلا هل يعقل أن الدولتين أصبحتا تمثلان العرب في كل النقاشات الدولية، بينما تقبع دول العرب وجامعتهم العربية المشلولة في الزاوية، وهم يتفرجون ويتلعثمون وينتظرون الفرج؟ لكن تلك الندية العربية لا يمكن بناؤها في أجواء التشاحن العربي – العربي، فالخلافات العربية البينية في المغرب العربي الكبير لا تنطفئ في مكان حتى تتجدد في مكان آخر، والصراعات العربية البينية في المشرق العربي حول ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والمماحكات الإعلامية التي ما إن يهدأ أوراها هنا حتى تشتعل نيرانها هناك، والتي يزيد في بلاءاتها وفواجعها سفه بعض الإعلاميين وصبيانيتهم، كل تلك الخلافات والمشاحنات لا يمكن ان تؤدي إلى بناء الندية التي نتحدث عنها.
فاذا أضيف إلى ذلك الجهات الداخلية والخارجية التي تعمل من وراء أقنعة، مثل أجهزة الاستخبارات وبعض الأحزاب الانتهازية وبعض المؤسسات المدنية العربية المرتبطة بالخارج، بلادة أو اضطرارا أو تآمرا، فان المشهد العربي أصبح سرياليا بكل معنى الكلمة، وأصبح اللاعبون في كل موضوع يعدون بالعشرات. ولعل المشهد السوري هو أوضح مثال على ذلك.
إذا كانت القيادات العربية تعتقد بأن الزمن كفيل ببناء تلك الندية العربية، فإنها ترتكب جريمة تاريخية مفجعة وخطرة. وإذا كانت تعتقد بأن انشغالاتها الصغيرة ستقود إلى حلول كبرى، فإنها تعبث بمصير هذه الأمة. وإذا كانت المؤسسات المدنية العربية في مجتمعات العرب المنهكة ستظل هي الأخرى تراقب وتنتظر فإنها هي الأخرى تساهم في خروج العرب من التاريخ. وإذا كان الكل سينتظرون الفرج على أيدي أمثال الرئيس دونالد ترامب فانهم سينتظرون طويلا.
جاء ترامب أو ريغان أو بوش أو أوباما، صعد نتنياهو وليبرمان أم غطسوا في فضائحهم المالية والجنسية، فإن الحل يقبع في أرض العرب ولا غير وطن العرب.
يوم الخميس المقبل، يوم تنصيب الرئيس الجديد، لن يكون أكثر من يوم تمثيلية مضحكة ومبكية بالنسبة للعرب؛ لا بأس أن يستمتعوا بمشاهدتها، ولكن عليهم أن لا يعيشوها، فهي تخص غيرهم.
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
منذ ،،كامب ديفيد،، في سبعينيات القرن الماضي،وقول
أحدهم ،،99بالمئة من الحل بيد واشنطن،،ومربط خيولنا،
وكعبتنا،هناك، أما الندية،فرحلت مع ،،حلم الوحدة،،
يصعب التفاؤل في واقع بشاعة الحاضر،أما الأمنيات
فحق لكل إنسان،وهي أضعف الإيمان !.
تلقيت بعض التعليم في امريكا و قابلت الرئيس كارتر في عام 1981 و سألته سؤالا مباشرا: اذا كانت السياسة الخارجية الامريكية مبنية على المصالح و المبادئ فمن باب اولى ان سياستها بتأييد اسرائيل و التحالف معها هو ضد مصالحها مع العالم العربي و انها تساهم في تشريد الشعب الفلسطيني و احتلال اراضيه و هو ضد مبادئها؟ فسألني ان كنت من اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية فاجبته انني موظف في الحكومة الاردنية. فقال بنبرة الحزن على سذاجتي في السياسة كمواطن عربي، انه يعرف الملك حسين شخصيا و لا يلومه و لكن يلوم السعوديين الذين لديهم القوة المالية الكبيرة و يقولون في داخل القاعة البيضاوية ما لا يقولونه خارجها.
و كرر الرئيس كارتر ذلك في تصريح قرأته له في نيوز ويك
الخلاصة: ان السياسة الامريكية مبنية على ردود الفعل الانظمة العربية. و قد اسمعت لو ناديت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي