زمن الانقلاب الترامبي

حجم الخط
7

المشهد الترامبي شبيه بالمناخات الانقلابية، فالرجل يتصرف بصفته زعيما انقلابيا، فهو منذ لحظة دخوله إلى البيت الأبيض لا يقوم سوى بالتوقيع على أوامر رئاسية هدفها إحداث تغير جذري في المناخ السياسي الأمريكي والعالمي. أوامره الرئاسية تشبه البلاغات العسكرية، وأداؤه المسرحي يشبه أداء عقداء العالم الثالث في الزمن الانقلابي، وإعجابه بنفسه لا يتوقف عن التضخم، بحيث صار العالم اليوم أمام لحظة لا تذكرنا سوى بصعود النازية والفاشية.
والرجل الذي يتباهى بثروته ويستخف بالآخرين، يقدم لنا نموذجا حيا عن معنى التراجيديا الكوميدية في السياسة. لم يعد يحق لأحد أن يتساءل كيف سُمح لهتلر بتسلق السلطة، إذ نحن اليوم أمام مشهد مشابه، فصعود المهرجين السفاحين إلى السلطة لا يحتاج إلى أكثر من اجتماع أزمة اقتصادية مع أزمة قيم أخلاقية في المجتمع، عندها يأتي من يتحايل على الشعب باسم الشعب، فيمتطي السلطة ويقود الناس إلى الهاوية.

انقلاب في أمريكا؟

هذا هو المحال، لكنه محال يتحقق بطرق ديموقراطية، أو لنقل بطرق تستخدم الديموقراطية من أجل قتلها. الترامبية ليست سوى انقلاب، وهو ككل الانقلابات يأتي مفاجئا، أو لنقل انه يفاجئ النخب والمثقفين.
وأمريكا ليست دولة عادية، إنها الامبراطورية، والامبراطورية تتهاوى من الداخل، يفترسها مرضها العنصري، ويهيمن عليها قيصر أعمى، يعتقد أن العودة إلى منطق القوة والتهديد سوف ينقذ امبراطوريته، وأن الشرط الأول للإنقاذ هو إعادة العبيد في الداخل والخارج إلى الحظيرة.
وبمقدار ما يبدو ترامب مهرجا فهو يثير الرعب، بدأ بمنع رعايا سبع دول إسلامية من الدخول إلى أمريكا، حتى ولو حمل بعضهم «البطاقة الخضراء» للإقامة الدائمة، وألغى التأمين الصحي، وأعلن البدء ببناء الجدار، وأهان رئيس المكسيك، ويهدد الصين، ويريد تأبيد الاحتلال الإسرائيلي عبر نقل سفارة بلاده إلى القدس، والحبل على الجرار.
أما في الداخل الأمريكي فإن كل منجزات حقوق الإنسان من الحقوق المدنية إلى حقوق المرأة مهددة بشكل جدي.
والرجل الذي يحيط نفسه بالعنصريين واللاساميين لا يتوقف عن إبداء إعجابه بالاحتلال الإسرائيلي، فهو لا يحفل بمنطق الحقوق، منطقه الوحيد هو الربح المادي وتسيّد الرجل الأبيض.
ترامب هو نوستالجيا الفاتحين الأوروبيين الذين اجتاحوا القارة الجديدة بالحديد والنار. فلا وجود لأي رادع أخلاقي أمام جبروت الإنسان الأبيض، كل شيء يجب أن يكون في خدمة جشعه وتسلطه وتعطشه إلى الثروة.
وترامب ليس معتوها، إنه رجل عقلاني جدا، يزن مصالحه الخاصة بدقة، تمرجل على مواطني الصومال لكنه لم يجرؤ على الاقتراب من مواطني آبار النفط، يقرأ العالم بعيون التجار، معتقدا أن الثروة تجيز له كل شيء.
لكنك لا تحتاج إلى أن تكون معتوها كي تقود العالم إلى العُته، خطر ترامب الأكبر في أنه ظاهرة كونية، من بوتين إلى لوبين وفيّون ومستبدي العالم الثالث. هؤلاء هم أنبياء انحطاط العقل، وشيوع ثقافة ما بعد الحقيقة، وعودة الغرائز العنصرية والدينية إلى واجهة العالم.
إنه زمن السقوط المدوي للرأسمالية التي كان انتصارها في الحرب الباردة بداية هزيمتها الأخلاقية والسياسية. فالحرب الباردة كانت في أحد أوجهها حربا أخلاقية، حرب قيم ضد قيم، ولكن مع سقوط الاتحاد السوفياتي ومنظومته من داخل فساد نظام الاستبداد الستاليني، وجدت الرأسمالية المنتصرة نفسها حرة إلى درجة التخلص من قيمها الليبرالية نفسها، فتوحشت، وقادت إلى أزمات اقتصادية مستعصية، سمحت للخطاب الفاشي بالعودة إلى المسرح والاقتراب من لحظة الهيمنة عليه.
العالم اليوم أمام الخطر الفاشي، وهو خطر جدي لأنه يهدد الشعوب والأفراد، ليس في القارة الأمريكية فقط، بل في العالم بأسره.
وأول الطريق إلى مقاومته يبدأ بالتأكيد على القيم الأخلاقية، وعلى رأسها قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق المرأة ورفض الطائفية والعنصرية والاحتلال.
والمعركة ليست في أمريكا وحدها، على الرغم من ضرورة أن يلعب الأمريكيون دورا حاسما فيها، إنها معركة في العالم بأسره، وهدفها هو منع الفاشية من الانتصار وحماية الحقوق التي اكتسبها الإنسان في العصر الحديث منذ الثورة الفرنسية.
لا مجال للحياد في هذه المعركة البالغة الصعوبة. فعالم اليوم يبدو وكأنه سقط في أسر لغة الاستبداد، بين ترامب وبوتين أكثر من رابط، على الرغم من اختلاف الأداء بين القيصرين، إنهما منحازان إلى منطق القوة، ويروجان وإن بوسيلتين مختلفتين للاستبداد.
وفي هذه المعادلة يبدو العالم العربي من مشرقه إلى مغربه خارج اللعبة، أو هو مجرد ساحة لها، ويصير موتنا العربي هو أحد أثمان صعود الترامبية في العالم. لكن هذا الواقع يزيد في مسؤوليتنا، فاستعادة لغة الحق في بلادنا، من الحق في الحياة الكريمة (سوريا) إلى الحق في مقاومة الاحتلال والتطهير العرقي (فلسطين)، مرورا بحقنا في أن نكون مواطنين أحرارا في بلادنا، يجب أن تكون جزءا من هذه المعركة الكبرى التي تخوضها شعوب العالم ضد الفاشية الجديدة.
دونالد ترامب هو الأخ الأبيـــــض لعيدي أمين دادا، وسيكون فضله الكبير إنه أنهى الحلم الأمريكي وحوله إلى كابوس.
النضال ضد الترامبية في الشارع والقضاء والجامعات، وفي كل مكان، هو عنوان معركة الدفاع عن قيم الحرية والمساواة في العالم.
إنها معركة ضد هذه الكوميديا المأسوية كي نستعيد حقنا في أن نكون بشرا وتكون لنا كرامة إنسانية.

زمن الانقلاب الترامبي

الياس خوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” والرجل الذي يحيط نفسه بالعنصريين واللاساميين لا يتوقف عن إبداء إعجابه بالاحتلال الإسرائيلي، ” إهـ
    هناك عشرة من اليهود (ساميين) في حكومة ترامب بدرجة وزير ومستشار ومساعد ووو وهم :
    جاريد كوشنر – دافيد فريدمان – جيسون جرينبلات – ستيفن منوتشين – ستيفن ميلر – غاري كوهين – بوريس إيبشتين – دافيد شولكين – ريد كوديش – أبراهام بيركوفيتش
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول احمد سامي مناصرة:

    تستطيع العربية السعودية كبح جماحة بالخروج عن سياسة الصمت السالبة . فسعودية اليوم غير سعودية الامس.

  3. يقول جليس:

    أخطر ما يصنع و يحصد ترمب الان هو حالات القصوي من الاستقطاب والصدامات و التوترات الدوليه و العالميه والمحليه..ترمب و داعش مثلهم كمثل متسابقيين بمضمار واحد ،لهدف واحد و نتيجه واحده، لكن مع فارق ما يملك ترمب الأحمق المطاع من مقومات عسكريه و اقتصاديه و اعلاميه.داعش كم سفكت من دماء ، كم هجرت من المدنين والعزل ،وكم أءسرت وقهرت وسجنت من اوطان و مدن ومجتمعات .ترمب هو الوجه الحقيقي لداعش بالجزء الشمالي من الكره الارضيه والعالم المتحضر ..حتي أسلوب الخطابه التويتري يجمعهم ،غير الفاشيه والعبودية والتوحش الانساني بالقرن٢١..والسلم سلام واءسلام

  4. يقول saleh oweini -sweden:

    Shukran Ustad Elias

    as always
    A true eye-opener

    saleh oweini
    stockholm

  5. يقول سوري:

    إن المسؤول الأول والأخير على عنجهية ترمب ونتنياهو هي الأنظمة العربية الخانعة، الخاضعة، البائعة، عديمة الكرامة، والصرامة، لم يصدر عنها أي ردة فعل، في حين أن إيران عاملت امريكا بالمثل فوريا. أين هم بائعوا الكلام الممانعون، لقد تركوا ترمب يمرغ أنف العرب بالتراب وهم لا يقوون على التفوه بكلمة واحدة، لا أعرف لماذا كلما يصيبنا مصيبة من هذا النوع أتذكر قصيدة مظفر النواب: يا أولاد… لا أستثني أحدا منكم

  6. يقول سيف كرار ،السودان:

    الاستاذ الكروي داؤد في تعليقة ذكر ان الرئيس ترامب يوجد في تشكيلة حكومتة عشرة يهود هذا صحيح…انت تعرف ان اللة تعالي في برمجتة للدنيا جعل كل الانبياء من بني اسرائيل الا محمد(ص) ، وفي العصر الحديث العلماء الذين قادوا الثورة العلمية معظمهم يهود ،مثلاً ،نيوتن ، إنشتاين ،داروين ، نيتشة صاحب الانجيل الخامس….،فرويد، ماركس ،تستوفسكي ،لينين،،. هيغل ،وكثير من الشخصيات الاجتماعية العالمية في شتي المجالات في النادي العالمي هم يهود ،اذاً الرئيس ترامب زكياً واختيارة لمعاونية وفق منظومة مدروسة مسبقاً……اليس كذلك ؟

  7. يقول يوسف ابن تاشفين - اميركا:

    يا ترى من هي الدول في عالمنا العربي التي لم تفلح في شيء بل في تصدير الدكتاتورية الى العالم الديموقراطي. لا ادافع عن ترامب فهو رجل اقتصاد لا يفهم في السياسة شيء سوى تفريغ ميولاته العنصري؟. علينا ان نقول لهؤلاء كفى فقد جلبتم الكره للاسلام والمسلمين وهم اكثر عنصرية مع ابناء ديانتهم من ترامب… تشخيص الداء اولا ثم البحث عن الدواء هو الحل. يوسف ابن تاشفين – اميركا

إشترك في قائمتنا البريدية