انهيار الإجماع العربي ـ الإسلامي وغياب مفهوم الأمة وراء سعي القادة نحو مصالح وطنية ضيقة

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: انتقدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي منع فيه رعايا سبع دول إسلامية من دخول الأراضي الأمريكية وعارض الفرنسيون القرار أما البريطانيون فقد عبروا عن عدم ارتياح وسط مطالب من المعارضة وعريضة على الإنترنت وقع عليها أكثر من مليون شخص تطالب رئيسة الوزراء تيريزا مي، بإلغاء الدعوة الرسمية التي قدمتها يوم الجمعة لترامب كي يزور بريطانيا في هذا العام.
ورغم التظاهرات التي عمت الولايات الأمريكية وتعبير بعض النواب الجمهوريين عن قلقهم من الأوامر الرئاسية إلا أن الدول العربية اكتفت بالصمت خاصة في الرياض والقاهرة.
ففي الرياض اتصل الرئيس ترامب بالعاهل السعودي الملك سلمان يوم الأحد حيث أكد على أهمية التعاون بين البلدين. أما مصر، التي تعتبر مركز التعليم الديني فلم تقل أي شيء. وتساءل الكاتب روجر بويز في «التايمز» عما سيحدث لو تم ضم مصر إلى قائمة الدول الممنوع رعاياها من دخول الولايات المتحدة.
وتنظر تركيا بارتياب إلى الإجراءات حيث لا تعرف كيفية تعامل الإدارة معها، هل كدولة عضو في حلف الناتو أو كدولة ذات غالبية مسلمة. ويعتقد الكاتب أن كل ما صدر عن الإدارة الأمريكية الجديدة من أوامر رئيسية ـ إغلاق الحدود ووقف التأشيرات هـي محـاولة من الرئيس خلق وهم عن صورة الـقائد القـوي التـي لم تنـتج إلا العكـس، خاصة أن الإجراءات الأخيرة تطال دولا حليفة مع الولايات المتحدة في الحرب. فقد خلقت قرارات الرئيس مزاجا من التشوش بشأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ومن هنا أكد السناتور جون ماكين، الذي يعتبر من أشد نقاد الرئيس أن الحظر سيعطي دفعة لتنظيم الدولة كي يزيد من جنوده. وقد يكون ماكين محقا لو تم تفسير منع اللاجئين السوريين ومنع الرعايا من اليمن والصومال وإيران والعراق وليبيا على أنه منع لكل المسلمين. لأن الإدارة تقوم بوضع حدود مادية وأيديولوجية وتبدو أنها تتبنى فكرة صدام الحضارات التي دعا إليها صموئيل هانتغتون.
وتضيف الصحيفة أن هذا المنع يغذي خطاب تنظيم «الدولة» عن الحرب المقدسة. وستكون هناك صعوبة في تجميع تحالف من الدول الإسلامية المعتدلة لإعادة نوع من التوازن في منطقة الشرق الأوسط. ويرغب قادة السعودية ومصر الذين توقعوا معاملة جيدة من ترامب بالحصول على تأكيدات من البيت الأبيض من أن مواطني بلادهم لن يكونوا على القـائمة السـوداء.
وتعتقد الصحيفة أن التطورات الأخيرة أدت للإضرار بالعلاقات الأمريكية – الأوروبية أيضا. فالمستشارة الألمانية غاضبة لانتقاد ترامب سياسة الأبواب المفتوحة وذكرته يوم السبت بمعاهدة جنيف بشأن اللاجئين من مناطق الحرب.
وتتساءل الصحيفة إن كان المهاجرون سيتوجهون إلى أوروبا التي ستتحالف مع معارضي الرئيس من جماعات الحقوق المدنية. فالحكم من خلال القرارات الرئاسية يجبر الحلفاء الذين كانوا يأملون بالوقوف على خط الحياد لتغيير مواقفهم.
ففي الوقت الذي أعلن جورج واشنطن عن ثمانية قرارات رئاسية إلا أن قرارات ترامب المتزايدة تفتح عليه بابا من المعارضة ودعاوى قضائية كثيرة.
وسيكتشف الرئيس أن هذه القرارات التي صممت لإظهار صورة الرئيس القوي ستأتي بأثر سلبي.

البعد الأيديولوجي

ولكن الجانب الأهم في كل هذا هو البعد الأيديولوجي في تحركات الرئيس والتي أشارت لدور مدير استراتيجيته ستيفن بانون. وقال جوليان بورغر، مراسل صحيفة «الغارديان» إن القرارات التنفيذية صاغتها مجموعة أيديولوجية حول ترامب بدون استشارة وزارات الأمن القومي والدفاع أو العدل ولا الخارجية. وتحدث بورغر عن دور القرارات في دعم الجهاديين وتهميش الدول المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي.
وتواجه الولايات المتحدة مشكلة في التعاون الأمني مع هذه الدول في ضوء تصريحات ترامب التي أعرب فيها عن دعمه للتعذيب. فيما أشارت تقارير إلى أن المخابرات البريطانية والإسرائيلية تلقت تحذيرات من فريق الأمن القومي لإدارة باراك أوباما بعدم التعاون مع فريق ترامب حتى الانتهاء من التحقيقات حول تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية وتعاون فريق الإدارة الحالية معها. وعلق مسؤول أمني على الحظر «من زاوية محاربة الإرهاب فلا معنى للقرار» و «هذا تحرك سياسي ولا يقوم على الأمن القومي».

صمت عربي

وبدا الصمت في موقف منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 58 دولة.
وفي الوقت الذي أصدرت فيه إيران والعراق ولبنان بيانات شديدة إلا أن طهران علقت قرارها لمعاملة أمريكا بالمثل. وربط محللون الصمت أو الرد الهادئ على قرار ترامب بعدم وضوح سياسة الأخير الخارجية وفيما إن كان سينفذ وعوده الانتخابية وينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وهل سيقوم بتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أم لا أم أنه سيوافق على الموقف الروسي في سوريا ويتعاون معها في مجال مكافحة تنظيم الدولة.
وحسب ناثان براون من جامعة جورج واشنطون «وعد ترامب كل الأشياء ولا يعرف ما هي الأشياء التي سيتحرك لتحقيقها مباشرة» وأضاف في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» «لا أحد يبدو يعرف، وليس واضحا إن كان ترامب نفسه يعرف».
وتربط الصحيفة بين مواقف القادة المسلمين الذي لا يقدمون إلا خطابات كلامية عن «الأمة» وما يدفعهم أكثر هو مصالح الوطنية الضيقة.
ويرى رامي خوري، مدير معهد عصام فارس بالجامعة الأمريكية في بيروت أن القادة «لا يملكون قاعدة شرعية قوية في بلدانهم»، مشيرا إلى أنهم واقعون بين غضب شعوبهم ومخاوفهم من إغضاب الرئيس الأمريكي. إلا أن مصر التي وصف ترامب رئيسها بالرجل الرائع تنتظر دعوة منه لزيارة السيسي واشنطن وهو أمر لم يكن يفكر به أثناء فترة أوباما. وتعتقد «نيويورك تايمز» أن عدم شمل السعودية في قائمة الدول يعكس العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين.
ويحتفظ ترامب نفسه بمصالح تجارية في السعودية. ففي آب/أغسطس 2015 حيث بدأت حملته الانتخابية تكتسب زخما سجلت منظمة ترامب ثماني شركات في جدة. وهناك الباكستان التي عادة ما تتعرض للنقد من الإدارات الأمريكية لدعمها الإرهاب إلا أنها تنتظر إن كان مواطنوها سيشملون في قوائم مستقبلية.
ونقل عن المحلل السياسي زاهد حسين قوله «هناك قلق كبير» و»في الوقت الحالي يريدون التزام الصمت وانتظار ما سيحدث». وتعلق أن التضامن الإسلامي ظل قائما حتى بداية القرن الحادي والعشرين حيث اتفقت الدول الإسلامية على دعم القضية الفلسطينية إلا أن الإجماع العربي والإسلامي انهار نتيجة لسلسلة من المشاكل الإقليمية والحروب الطائفية التي عصفت بالمنطقة خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
أما المنظمات الإقليمية فليست لديها قوة، مشيرة لاستقالة رئيس منظمة التعاون الإسلامي بعد «نكتة» على السيسي.
ورغم انتقاد الأزهر ترامب أثناء حملته الانتخابية لكن لم يصدر منه ما يدعو على التشجيع حتى الآن.

المواجهة

ويبدو واضحا أن التيار الذي يقود السياسة في واشنطن عازم على المواجهة. وتبددت الأمال من مواقف معتدلة من الإدارة. ويقول بورغر بصحيفة «الغارديان» إن السفارات الأوروبية في واشنطن أكدت لحكومات بلادها أن تعيين شخصيات مثل جيمس ماتيس في وزارة الدفاع وجون كيلي في وزارة الأمن الداخلي وريكس تيلرسون في الخارجية سيترك أثره على مواقف الجناح المتشدد المعادي للإسلام والمؤمن بتفوق أمريكا البيضاء.
وبنهاية الأسبوع بدت التأكيدات هذه كأنها تعلل بالأماني فقد وقف ماتيس متفرجا على تصرفات الإدارة وهو الذي حذر من «الضرر العظيم» من سياسة استهداف المسلمين.
وفي تطور جديد أعلن البيت الأبيض عن تعزيز قوة اليمين والتيار الأيديولوجي في عملية اتخاذ القرار حيث تم ضم ستيف بانون إلى مجلس الأمن القومي فيما استبعد رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات المركزية ـ «سي آي إيه» ولن يسمح لهما بالمشاركة في الاجتماعات إلا بالأمور المتعلقة بمسؤولياتهما وخبراتهما.
وعبرت السفارتان الفرنسية والألمانية عن مخاوفهما من دور بانون بتشجيع اليمين المتطرف في بلادهما. وسيؤدي وجود بانون في المجلس لتعزيز موقع مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، مايكل فلين وهو الشخص الذي قام بنشر تغريدات تحتوي على أخبار مزيفة وشارك في قناة تلفازية يشرف عليها الكرملين ـ «روسيا اليوم».

أسئلة

وجاء ترفيع مسؤول الإستراتيجيات في البيت الأبيض لمجلس الأمن القومي في الوقت نفسه الذي أندلع الجدل الذي أحدثه قرار منع اللاجئين. وأشارت كارين دي يونغ من صحيفة «واشنطن بوست» نقلا عن مسؤولين قولهم إن بانون لعب له علاقة وثيقة بصياغة القرار والذي عبر عن مواقفه الأيديولوجية المعارضة للعولمة.
وهي الأفكار نفسها التي ألهمت ترامب دورا مهما في قرار. وتقول الصحيفة إن القرار جاء بدون استشارة مسؤولي الأمن القومي وهي المجموعة التي تقدم النصيحة للرئيس وتتأكد من أنه فحص السياسة من مختلف الزوايا.
ورغم عدم اكتمال فريق الأمن القومي حيث لا تزال وزارات تنتظر مصادقة الكونغرس على وزرائها إلا أن الرئيس منح بانون موقعا بارزا. ووصفت مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي سوزان رايس قرار إعادة تشكيل المجلس والتقليل من دور رئيس هيئة الأركان المشتركة والمخابرات بأنه قرار «قاس ومجنون».
أما وزير الدفاع في إدارتي أوباما وجورج دبليو بوش، روبرت غيتس فقد تحدث إلى شبكة أنباء «إي بي سي» معلقا أن استبعاد رئيس هيئة الأركان المشتركة والمخابرات «خطأ فادح» وأضاف أن كل رئيس وجد أراءهما مفيدة «أحبوها أم كرهوها».
وقال مسؤول في مجلس الأمن القومي إن بانون «مستشار يوثق به» و»لديه مسؤوليات جوهرية في مجال السياسة ووجوده ضرروي للاستماع وتقديم سياق لما يحدث».
وقال «بصراحة كل شيء في واشنطن مسيس» و»نريد التأكد من تناول كل وجهات النظر المهمة»، مشيرا إلى أن وجود اسمه كعضو في المجلس لا يعني حضوره لكل جلساته. وأضاف أن قادة الجيش والمخابرات تتم دعوتهم «كحضور في كل جلسة من جلسات مجلس الأمن القومي ولا يوجد في الوثيقة ما يشير لاستبعادهم». وكانت إدارة أوباما قد اشتكت من طول أمد اللقاءات والاستغراق في التفاصيل التي يقدمها قادة الأمن القومي. وقالت كي تي ماكفرلاند التي بدأت عملها كمستشارة في المجلس يوم الجمعة «ستكون اللقاءات محددة .. 90 دقيقة، وستدخل وستقدم مواقفك وسيكون مؤسسة صناعة قرارات».
وفي الوقت الذي انتقد اوباما لزيادته أعضاء المجلس وتشريع الكونغرس قانونا لتخفيض أعضائه فإن رايس قامت بخفض نسبة العاملين فيه إلى 17% في السنوات الماضية وحددت مناصبه بـ 180 موقعا تنفيذيا.
ومع أن المسؤولين داخل المجلس حاولوا التقليل من أهمية التغييرات وتصويرها بالروتينية إلا أن رد الفعل خارجه كانت أقل إيجابية. وقال البعض أن قرارات تتعلق بالمهاجرين وغيرها صدرت بدون عرضها على صناع السياسة وتركت في يد ناشطين سياسيين مثل بانون وستيفن ميللر، المسؤول البارز لشؤون السياسة في البيت الأبيض.
ويعتبر ميللر من حلفاء بانون وعمل في الماضي مساعدا للسناتور جيف سيسشن، خيار ترامب لتولي منصب النائب العام. وعندما سئل المتحدث الإعلامي باسم ترامب، شون سبايسر عما يمكن بانون أن يقدمه للمجلس قال إنه كان ضابطا سابقا في البحرية «ولديه خبرة كبيرة في العالم والفضاء الجيوسياسي الذي نواجهه الآن» وليس لدى بانون خبرة في السياسة الخارجية فبعد سبعة أعوام في البحرية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي مارس أكثر من عمل، منها في غولدمان ساكس إلى صانع أفلام وثائقية ومن ثم مسؤولا عن موقع اليمين المتطرف «بريتبارت نيوز» والذي اهتم بنظريات المؤامرة.
فعبر هذا الموقع أكد بانون موقعه كمدافع عن اليمين المتطرف «اليمين البديل» وكمعاد للعولمة وحظي بدعم المتفوقين البيض وأسهم بوصول ترامب إلى البيت الأبيض.
ويتعامل الرئيس الأمريكي مع بانون كابن جيل يشترك معه في معاداة المؤسسة وبأسلوبه الهجومي.
وحسب عدد من الأشخاص العارفين فقد ترك بانون انطباعا جيدا على الرئيس خاصة في قضايا الأمن ونال إعجابه في أثناء لقاءاته مع قادة الأمن ومسؤولي الجيش. ويعتمد الرئيس على بانون للتأكد من أن وعوده الانتخابية قد تم الوفاء بها.
ومع ذلك فموافقة ترامب على ترفيع مسؤولي استراتيجياته لمنصب في الأمن القومي ينظر إليه على أنه تحول في دينامية داخل البيت الأبيض.
ويرى الكثيرون خارج الإدارة أن تعيينه في هذا المنصب ليس جيدا بعيدا عن دوره في قضايا الأمن ومشاركته فيها، خاصة أن الإدارات السابقة منعت المستشارين السياسيين المسشاركة في نقاشات قضايا الأمن القومي.
ومنع جورج دبليو بوش مسؤول استراتيجياته كارل روف من اجتماعات مجلس الأمن القومي حسب جون بولتون، مسؤول طاقم بوش «وقال الرئيس لكارل روف: قد لا تحضر اجتماعات مجلس الأمن القومي»، وأضاف إن منعه لم يكن له علاقة بعلاقته أو بما يكنه من احترام ولكن بالإشارات التي كان يريد إرسالها للرأي العام وهي أن القرارات التي اتخذها ولها علاقة بالحياة والموت وينفذها المسؤولون بالزي العسكري لن تتأثر بآي قرار سياسي.

انهيار الإجماع العربي ـ الإسلامي وغياب مفهوم الأمة وراء سعي القادة نحو مصالح وطنية ضيقة
ستيفن بانون يقف وراء قرارات ترامب وترفيعه للأمن القومي يؤكد انتصار رواية «صدام الحضارات»
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية