عمان ـ «القدس العربي»: ثلاث مسائل أساسية لا يمكن إغفالها من الحساب السياسي والعملياتي عندما يتعلق الأمر بأي محاولة لقراءة التطور العسكري الأخير النادر على حدود شمال الأردن الملاصقة للأراضي السورية.
تحركت طائرات «بلا طيار» تتبع سلاح الجو الأردني لمناطق داخل جنوب سوريا وقصفت قاعدة تابعة لتنظيم «الدولة ـ الدولة» وبعد أقل من 24 ساعة على وصف العاهل الملك عبدالله الثاني للتنظيم بأنه «خوارج» بوجود نخبة عريضة من المسؤولين والسياسيين الأمريكيين في واشنطن.
المسألة الأولى إنها تماما المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن تحرك طائرات بلا طيار بتقنية وأذرع أردنية.
الثانية أنها المرة الأولى أيضا التي تقصف فيها طائرات سلاح الجو الأردني هدفا من أي نوع داخل الأرض السورية وفي الجنوب تحديدا وبدون حصول تعليق عدائي من الطرف الآخر.
أما الثالثة فهي الأهم وتؤشر على أن هذه الغارة الموقتة سياسيا وعسكريا وامنيا بامتياز أنجزت دون الإشارة لحركتها بغطاء من التحالف الدولي المناهض لتنظيم «الدولة» وبدت تلقائية وأردنية ذاتية والأكثر أهمية بغطاء مفترض من النظام السوري نفسه. خلافا للعادة لم يعترض النظام السوري ولم تصدر بيانات تندد بالتدخل العسكري الأردني.
وخلافا للعادة نص البيان العسكري الأردني الذي كشف التفاصيل وبعبارة مقصودة عن خلفية الهدف الذي تم قصفه وهو معسكر كان تنظيم «الدولة» قد سيطر عليه من الجيش النظامي السوري نفسه وتلك إشارة غير مسبوقة وفي غاية الأهمية. تنطوي العبارة الأخيرة على شكل من أشكال التعاون مع النظام السوري.
وهو تعاون قد بدأ فعلا منذ الشهر الماضي وفي اللحظة التي تخلص فيها التلفزيون الرسمي الأردني من صيغة «الجيش النظامي السوري» ليستخدم عبارة «الجيش العربي السوري».
الغارة الأردنية برزت على السطح بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من «اتصالات ولقاءات» حيوية حصلت بين مسؤولين عسكريين من الطرفين وفي العاصمة عمان وهو ما كانت «القدس العربي» قد كشفت النقاب عنه سابقا.
وتزامنت مع بحث مباشر لملف «المناطق الآمنة» وسيناريو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا السياق وأعقبت إشراف روسيا على تفعيل قنوات واتصالات أمنية بين عمان ودمشق وزيارة الملك عبدالله الثاني الأخيرة لموسكو.
مجمل هذه الظروف والملابسات جعلت غارة الأردن الجوية على موقع لـ «الدولة» في الشريط الجنوبي الحدودي مع سوريا «تحولا» مدروسا لا يمكن الاستهانة به ليس فقط على صعيد العلاقات الأردنية ـ الروسية التي تنمو بشكل متسارع عبر البوابة الأمنية والعسكرية وليس السياسية اوالدبلوماسية بل على صعيد خيارات السيناريو الإقليمي فيما يخص الملف السوري.
ثمة ثابتتان في السياق من الصعب قراءة هذا التحول الدراماتيكي بدونهما حيث أن روسيا التي ترعى الاتصالات بين الطرفين بنشاط اقترحت عودة سوريا للجامعة العربية عشية القمة العربية التي تستضيفها عمان.
وحيث أن الأردن لا يمكنه تنويع اتجاهاته نحو النظام السوري بدون تنسيق مسبق مع السعودية.
هنا تحديدا وفي النقطة المعنية بالسعودية لابد من الإشارة لرسالة سعودية ليست عابرة أبلغت مؤخرا لعمان حسب مصادر موثوقة تحدثت لـ»القدس العربي». وفكرتها أن الرياض تفكر مرحليا بلغة «أكثر واقعية» فيما يخص كل تفصيلات المشهد السوري مع الإقرار بأن»المعطيات تغيرت» والعمل ضروري على «أوراق جديدة» وتفعيل قنوات «الحوار مع روسيا» ودون أن يحظى نظام بشار الأسد بالمكافأة.
الرسالة السعودية ثلاثية الأبعاد وقد علمت عمان عبر قنواتها السعودية مسبقا بأن الرياض تتحاور مع موسكو خلف الكواليس، الأمر الذي شجع الأردن لاحقا على التحدث مباشرة مع موسكو وعلى التقدم بخطوات ملموسة باتجاه «تطبيع العلاقات» مع النظام السوري حرصا على المصالح وتفاعلا مع الوقائع التي تغيرت حسب اللهجة السعودية.
تبادل التقديرات بين عمان والرياض بعنوان «المعطيات التي تغيرت» قادت في المحصلة للغارة المشار إليها والتي تعني ضمنيا بأن النظام السوري يوافق على تحرك الأردن عسكريا ضد «الإرهاب» في جنوب سوريا وشمالي المملكة وبدون الحاجة لغطاء التحالف الدولي.
طبعا يحصل ذلك فيما تقترب معركة «تدمر» التي يتردد أن الأردن قد يكون طرفا فيها على نحو أو آخر وفيما تسلط بعض الاجتماعات وفي عمان الأضواء مجددا على تجمع لقوات «الدولة» وسط بعض المكونات العشائرية في محيط الأنبار العراقية وعلى تحشيد قوات عربية خاصة برفقة أجنبية مجددا شمالي سوريا.
” والتي تعني ضمنيا بأن النظام السوري يوافق على تحرك الأردن عسكريا ضد «الإرهاب» في جنوب سوريا وشمالي المملكة وبدون الحاجة لغطاء التحالف الدولي. ” إهـ
أي أن الغارات الأردنية المكلفة مالياً كانت لصالح الأسد ونظامه !
على الأردن أن ينشغل بالدواعش على أرضه أولاً
ولا حول ولا قوة الا بالله