التلويحة: وتلويحة للقاء حميم
تخبو وتمضي كظل عابر.
وتلويحة عابثة ساخرة
تدير ظهرها للشرفة وتمضي.
وتلويحة على عجل بلا قلب
لا تحتفظ الريح بصورتها.
وتلويحة لم تقوَ على الرفرفة
حزناً وخوفاً فخلدتها القصيدة.
وتلويحة تمطر بالرجاء والأمل البعيد
تحمل مر انتظارها وتموت .
وتلويحة الوداع الأخير
وجع صامت في ليل الحنين.
التلويحة أحوال للعدم قبل الفناء .
……
فصول :
شتاء:
ينقر المطر على شباك غرفتي
أمشي ت حت لغته الجميلة
يحدثني هامساً بصوت حميم
ثم يهديني لوحة الأمل التي أعلقها أمامي على جدار الأفق
وأمضي
ربيعاً :
أستلم من ساعي الطبيعة المبتسم دائماً الرسائل الملونة
رسائل من العشب والزهر وانفجار الينابيع
مكتوبة بلونٍ سماوي
أتلوها على مسامع الكون
ثم أنقلها إلى دفتر الروح
وأهبها للأبد.
صيفاً :
أُسامر في الليل مجرى النهر وألامه
وتنكشف أمامي مفاتن السماء
وأُسر للنسائم المتجهة نحو الشمال بأحوالي
وأشكو لأزيز صوت الطائرات التي تفسد عليّ تأمل الماوراء
وأنتظر الصباح المثقل بالهموم
خريفاً :
تزورني أوراق الأشجار الراحلة إلى العدم
وتصدح بأناشيد اللامعنى
فأكتب سيرة الأزمان بالقلم المتأفف
وبالحبر الأسود الضاحك
……….
ألوان:
وراح يسألني
فقلت له:
شبابة أنا تختزن كل أنغام رعاة
بادية الشآم
وناي يكبت آلام شوق الخيال إلى يافا
أطوق أحزاني بباقات نرجس نوى البري
وأسقيها أفراح طيور بساتين صبّار المزة فصل الصيف
وأزخرف أجنحتي بألوان رحلة الشمس خلف جبال أريحا
وأكتب ما تمليه عليّ أحوال السماء
السماء التي تختزن صيحات حناجر الأحرار ربيع سوريتي
وأرسم على الأفق حلمي المستحيل
ولا أَمِلُ .
…………
أوهام :
من قال إن الحلم يفسد الرؤية
والحب يضلل العقل
والشك يغلق الوعي
والحزن يُسود الفكر
والفرح يهزم الرأي
والرغبة تقتل الحكمة
والجمال يغري بالخطيئة
والسخط يشوه الصورة
أتراني إن لم أك كائناً
أحلم وأحب وأشك
وأحزن وأفرح
وأرغب وأستجمل وأسخط
فما حاجتي لأن أكون أنا .
………
أنواتي :
كل صباح أجدني وقد فقدت آخر مني
وفي كل مساء تغادرني ذات من ذواتي
تمضي أنواتي مذ أصبحتُ أنوات
في تجربة الأسفار
ويسعى ما يتبقى منى في شؤون الحياة
وحين نجتمع بعد غياب في طقس حوار صاخب
محملين بما أهدينا للحياة
نتشاجر أحياناً
وأحيانا نتعانق من شدة الفرح
ونعود للظهور بما فاض منّا
فنتراءى أمام الخلق شخصاً واحداً
يسخر الشاعر
ويقهقه المتمرد
ويبتسم الصعلوك
ويهزأ العاشق
ويصمت الساعي
فيقول الفيلسوف لهم بكل سخرية
وأكثر الخلق لا يدري بأن الترائي عماء.
أغنية للعدم :
حين مات الذي في داخله دون أن يدري
شيعه بفرح مكللٍ بزهر بري
وراح يلهو في حقول الربيع
بكل حرية
هو العدم عدم وجود ثقيل
لم يعد يستحضره وهو في صحبة نبيذه الأحمر
صار النبيذ بساط ريح إلى اللامكان .
وطار كل الحزن الذي أطال المقام في صدره
وبدهشة طفل شقي راح يستفهم:
كيف يخلق العدم وجوداً فرحاً ؟
وكيف يرقص على أنغام موسيقى الغياب؟
عدم ويسقي شجر الحياة؟
يسأل الشاعرُ الفيلسوفَ
………
هوية :
أيها الزمن المتبقي من زمني
ما أروعك
طالت الرحلة وأنت كما أنت
لما تزل مغرىً بالمستحيل.
…..
اغتراب :
المساء القريب المعتم المطل على شرفتي
يشبه المساء البعيد الغارق في لهوه المضيء
عينا الفجر اللتان تمسحان جفنيهما من كثافة الدخان الهائج
تشبه عيني الفجر الفرحتين بصوت بائع الحليب
العصافير المروضة التي تقفز من غصن غريب إلى غصن غريب
تشبه عصافير بساتين الصبار الطليقة في المزة
بساتين الصبار التي علقها الجزار من جذورها في ساحة الإعدام
يوم الجمعة الحزينة
النساء اللواتي يذرعن مولات التسوق عابسات
يشبهن فينوسات ممرات كلية الآداب المشرقات
شبيه الشبيه القاتل الأشر هناك
لا أحد يشبهه هنا
أما أنا فبقيت أنا لا أشبهني
مغترباً في عالم الأشباه المتحلق حولي
العاجز عن أن يأسرني
فأنا أنا
بكل ما يسكن ذاكرتي وبستاني وآمالي:
قلمي، لغتي، لائي، خيالاتي، ممكناتي والمستحيل .
…….
حال :
وأنا أمة وحدي
وفيوضاتي عين ذاتي
أمضي إلى النداءات البعيدة على أجنحة المعاني
وأكتب أحوال نفسي سعيداً
بأحوال كينونة كبرى تنتظر الولادة
فأنا الطفل الشريد
وأنا الشيخ الجريح
وأنا الأم الحزينة
أنا ركام البيت الحنون
ودماء الحلم القتيل
وأنا صور القيامة
أنا ممكن الحياة الذي لا ينفد
وممكن الوجود الذي لا يهرم
أنا أمة وحدي .
……..
زمن :
ما مرة حدقت في وجه الوجود
إلا ورأيته باسماً
وحين أسأله: أفرحاً يا هذا أم سخرية ؟
ينشطر وجه الوجود نصفين:
نصفاً هرماً عليه غبار السنين
ونصفاً غريباً بلا قسمات
ماضٍ يجيب وآت مندهش .
……..
نظرة :
ليس في الليل ما يغري سوى السهر
ليس في الصبح ما يغري سوى اليقظة
ليس في الغابة ما يغري سوى الشجر
ليس في الشجر ما يغري سوى الصمت
ليس في الطير ما يغري سوى الجناح
ليس في النهر ما يغري سوى المعنى
ليس في البحر ما يغري سوى التأمل
ليس في الموت ما يغري سوى القلق
ليس في الحياة ما يغري سوى الحب
ليس في الحب ما يغري سوى المتعة
ليس في اللغة ما يغري سوى الشعر
ليس في السماء ما يغري سوى الدهشة
ليس في الإنسان ما يغري سوى السر
ليس في الزمان ما يغري سوى الذاكرة
ليس في الوجود ما يغرى سوى السؤال
ومن أنا إن لم أكن :
سهراً، يقظة، شجراً، جناحاً
صمتاً ومعنى،
تأملاً وقلقاً،
حباً ومتعة،
شعراً ودهشة،
سراً وذاكرة،
من أنا إن لم أكن السؤال.
أحمد برقاوي