استيقظت قبل عدة أيام مرعوبا مذهولا على أصوات اطلاق الرصاص وابواق السيارات والزغاريد والتهاليل في طرقات رام الله، فاعتقدت جازما انني اعيش كابوسا، أو أن ثمة خطبا كبيرا قد وقع، أو لعل القيامة قامت، ولكني عدت الى رشدي وقلت بأننا يبدو تحررنا من الاحتلال، وكيف ذلك؟ فانا لم انم الى بضع ساعات، ولا يعقل ان نكون قد حشدنا وقاتلنا وحررنا فلسطيننا في عدة ساعات، وفيما انا غارق في زحمة الافكار، نبهتني زوجتي بأن الناس تحتفل بفوز محمد عساف بمسابقة آراب آيدول، فعدت للنوم حتى استفقت في الغداة، لاجد ان كل أحاديث الناس تدور حول ذلك الانتصار الذي حققه الفلسطينيون. عدت للوراء وتذكرت البداية التي شدني فيها صوت محمد عساف واهتتمت به على أنه فلسطيني يشارك في مسابقة عربية، وثم أخذت استعرض شريط الصور في مخيلتي، بدءا بالاختلاف على عساف بين غزة ورام الله، والاختلاف بين المتدينين والعلمانيين في بلادنا لدرجة صدور الفتاوي التي تحرم أو تسمح بتشجيعه ومشاهدته، حتى اصبح عساف موضع اجماع وطني فلسطيني يجب دعمه، لدرجة انغمسنا فيها جميعا بهذا الحدث فجررنا الشاب وانجررنا معه الى الاعتقاد بأنه يمثل القضية وأنه من سيحقق المصالحة وغيرها من القضايا،، فلا ينقصنا لحلها الا فنان، وكرمانه بالالقاب وغدا سنقلده الاوسمة والنياشين على انه ناضل فنيا من أجل القضية، ولا أعتقد انه لا يستحق ذلك، فهل كل الذين ناضلوا من اجل القضية ورقصوا عليها يستحقونها، وهو الذي غنى ويغني على القضية لا يستحقها؟! وهنا أدعو المحطات الفضائية الى توسيع المسابقات وتنظيم مسابقة للرقص، فلا شك اننا سنفوز بها فقد احترفنا الرقص، وليس أي رقص، انه الرقص على القضية، وسنجد الكثيرين الذين احترفوها ويحترفونها وسيحترفونها، فهي تنتقل بالوراثة، فالراقص لا ينجب الا راقصا، كما ان الملك لا ينجب الا ملكا والرئيس لا ينجب الا رئيسا والوطني لا ينجب الا وطنيا، وهكذا وبالتأكيد سنجد الكثيرين من ابناء جلدتي الذين يرقصون، ولا يرقصون فقط على الموسيقى ووقعها، بل ويرقصون على القضية، وهذا فن لا نتقنه الا نحن، فنحن نرقص للهزيمة، نرقص للنكبة، نرقص للنكسة، نرقص للخنوع، نرقص للاستلام، نرقص للانبطاح، نرقص ونرقص ونرقص، وهناك منا من يرقصون معتقدين انهم يشاركون في حلقات الذكر، يريدون التقرب الى الله، أو يريدون الصعود الى الله، أو أن ينزل الله اليهم، لا أدري فكله رقص نحترفه، فمنا من يرقص للوطنية ومنا من يرقص للدين، نرقص لكل شيء، وحتى للموت. ولعل تلك المحطات تنظم بعدها مسابقة أخرى تحت عنوان ‘التعري’، فسنفوز بها أيضا، فقد تعرينا من كل القيم وكل المعايير وكل المبادىء، ولم يعد يمكن أن يغطينا أو يسترنا أي لباس او غطاء، اصبحنا مكشوفين عراة، الغناء والفرح مطلوب، لكن لكل وقته وحجمه، ألم يحن الوقت لنقول: كفى رقصا وتعريا!! مجدي عبد الوهاب – القدس