نصوص من الجنوب

الفراغ

للتماهي مع مَعنى الخَواءُ؛
سأقوم بكَسَرِ نِّصف الكُوْب الفارغ
مع تناثر الزجاج سارمي بزَهْر النَّرد على الطاولة المزخرفة،
وأراهن على ارتفاع الفقاعات،
وتشتت الفضيلة مع الشظايا
وأراقب كيف سيجدف النمل في النِّصف التالِف الممتلئ
بمجرد الانتهاء من هذه الفوضى
سأنثر الماء المقدس، وأصفق لكوميديا الوجود
وأرقص مع أحلامي
أحلامي تلك غير المُتَوَقعة والمُتَوَقعة عن الحُبّ وعن الحَرَبِ،
وتلك لتَّقرير المَصِير
أحلامي تنبع من عيني
أترك بعضها لذلك «الآخر
هُلاَمُية على طَّاولة ضوء
وبابتسامة مكسورة؛
أغلق عينيّ على العَالَم
وروحي تذهب هناك حيث الغابات
لكنها انحرفت بغتة لتدخل أبواب الغافلين في المدن،
كغزال ضاع بين أشباح الحدائق والحشائش الجافة
وأرعبته أضواء النيون
*
2- المسافة

«كل المسافات تبدو طويلة
المسافة بين فنجان القهوة ويدي المفتوحة
بين إسمي والغيوم البعيدة في زرقة سماء الجنوب

3- الغياب

أجرجرُ وَراء ظَهْري جذع غيابكَ
جُذوركَ العَميقة التصقت بعمودي الفقري
وكُل خطوة مثقلة بالحنينِ اختبار أطول للنبضِ والصمت
حين أمر بالجدران المتشققة من الرصاص ورائحة البارود
أتوقفُ؛
سبب غيابكَ اُخدود الحَرب المفتوحة لجِهَةِ الموت

4 – الحنين
أنا مذياع عتيق وكامل من الأغاني القديمة،
امرأة قروية على جانب النهر والغابة
هذه الرغبة العميقة في الغناء تتزايد
حيث تبدأ عيناك
النافذة التي شاهدت فيها النهر يأتي ويتراجع
وقوارب الصيادين المتموجة
الطيور وغروب الشمس
حتى رائحة الطفولة الحلوة،
قبل أن تاتي القبيلة والحرب
كلما حاولت أن أكتب قصيدة حب
أقول لنفسي: ها أنا أكذب بوقاحة
أنفض الشعر من نهر عيني،
وأبدأ في تنظيف آثار الضحايا
الذين غرقوا في الكلمات الماكرة
وانغمس في تحضير روح مختفية في الأثير
أثير بتدفق في دمي مثل حرقة العطشى
ثم أترك قلبي بعيدا حين أنام.
فلا تآسره طقوس السحرة والحمى

5- البيت

في هذا البيت،
كل شيء ولادة مستمرة لملح الدموع
ومأزق الشمال والجنوب
أتجاهل الحنين وأتدبر بصمت إعداد العشاء،
بنفس وتيرة الطبيعة الحارقة ـ لملح الدموع ـ تنضج الحروف في يدي
يرتد صدى «قصائدي كساكسفون قديم
واقول في سري: ربما سيكون هذا «العشاء الأخير
وأريده أن لا يفتقر إلى الملح
في زاوية بعيدة في هذا البيت
الصمت مجرد اختيار،
لحياة محمومة مصفوفة في الخوف، مخبأة تحت أمواج الغربة
أو سفينة عائمة تتقلب في العرق السائل من الأيدي بحثا عن الأرض الغائبة
أو كنيران كثيفة من حرارة العمر المجروش،
لصهر البنادق والنشيد الوطني مع الألوان الثلاثة للعلم وساريته،
جنبا إلى جنب مع الحرب ورماد الموت وغرف القلب
الغارقة في الذكريات كمعطف بلا أزرار
وفي ممرات هذا البيت ـ أعني جمرة روحي المشتعلة ـ
تطرق خطواتي مترافقة مثل أبناء عمومة في طريقهم للشجار مع غرباء

٭ جمهورية جنوب السودان

الفراغ

نيالاو حسن آيول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتورجمال البدري:

    ربّما أجد أنّ التقديرالأول يجب أنْ يقدّم إلى محررالصفحة الثقافية في جريدة القدس ؛ فهوصاحب الآصرة التي تربطنا بمثل هذا الكلام الجميل ؛ في الزمن المتوّحش القبيح…لأول مرّة أقرأ لشاعرة عذبة الرّوح ؛ سامقة الدوح ؛ ذات رفرف بريح ؛ لجناح جريح ؛ تخاطب الفراغ بالامتلاء المترع البوح ؛ واللانهاية بالبداية الطموح..من بلاد مزروعة بالندوب والجروح ؛ كجراح آلهة الإغريق في الزمن الذي لا ينتهي إلا عند صخرة تطلّ على الجنوب لتنوح ؛ تحياتي للآصرة التي تجتهد التنوّع بالتكامل الناطق ؛ وتحية للشاعرة التي لخصت معاناة أهلها بتعوذة منتصرة على دخان البنادق.ولنردد : وعلى الأرض غصن سّلام لحمامة نوح.

  2. يقول طه مصطفى:

    نثر شعري رائع ومميز
    تحياتي!

  3. يقول منى حسن- السودان:

    وهي أيضا القائلة:
    راكضةٌ أنت
    كما يركضُ النمرُ بجانبِ طَريقِ النَهر
    راكضةٌ لأنَّ الشَّارعَ مَلغومٌ
    و الطريقُ ملتويٌ بشَهوةِ القَتلِ ،
    الدّقائقُ تَمرُّ ،
    و القَصفُ تَحَوّلَ إلى سيقانٍ طَويلةٍ جداً
    سيقانٍ مِن هيكلٍ عَظمي
    مَغموسَةٍ في أحذيةِ الأحلَامِ المَحرُوقةِ
    و يُطاردُك الموتُ بنكهاتهِ المُختَلفة . . .
    أُركُضي ومَزّقي كلَّ الصورِ الظلّية
    في ذاكرةِ كاميراتِ العالمِ الضخمةِ
    وليذهبْ وجهُ طفلك
    سليماً متعطشاً من آثار الدهشة
    أركضي لتغلق النوافذ ويستدل الستار
    على منصاتِ قلبك
    أركضي أيتها المرأة
    أيتها الآلهةُ الهاربةُ من نيرانِ الحرب
    من نبضِ إيقاعِ الأنين
    أُركضي
    ودَعينا نتعلم كيفَ نركضُ و نُحرر أنفسنا ببطء!

    هذه اللغة الجميلة، والشاعرية المرهفة، إن دلت على شيء فهي تدل على مدى توحد شمال السودان في جنوبه وتماهيه معه تماهيا يصعب فصله بقوانين وضعية، وقد ربطته إرادة إلهية.
    تحية للشاعرة السودانية الجميلة نيالاو حسن آيول، وللقدس العربي حاضنة الجمال

  4. يقول د. سامي عبد الستار الشيخلي سويسرا:

    قصيدة نثر بخمسة مقاطع بلا تناسق وبلا قافية ووزن ولا سجع ؛ هو نثر شعري الايحاءآت والافكار والمشاعر يُخالج حديث النفس على الواقع الحالي المُزري لبلدها. حروفها الشعرية صرخة آه وألف آه لمعاناتها العميقة لواقع الحال والمءلآل. إنه سراب ما تراه في عدم انبثاق حل إيجابي للطبقة الحاكمة المتناحرة على السلطة والتسلط بلا حلول ممكنة. تصف هذه الطبقة الفاسدة بأوصاف دلالية نفسية رائعة:
    للتماهي مع مَعنى الخَواءُ؛
    سأقوم بكَسَرِ نِّصف الكُوْب الفارغ
    مع تناثر الزجاج سارمي بزَهْر النَّرد على الطاولة المزخرفة،
    وأراهن على ارتفاع الفقاعات،
    وتشتت الفضيلة مع الشظايا
    وأراقب كيف سيجدف النمل في النِّصف التالِف الممتلئ\
    هذه القصيدة النثرية فيها مجال واسع للتحليل الاجتماعي ونفس الشاعرة فلها قدرة رائعة في التعبير الادبي عن النفس والواقع لا يمكن الاسترسال به هنا ؛ لها تحياتي لسمو مشاعرها في التعبير.

إشترك في قائمتنا البريدية