سيفتقد العديد من المغاربة شخصية عبد الإله بن كيران الذي ملأ الدنيا لأكثر من خمس سنوات، بعدما أعفي ـ عشية أول أمس الأربعاء ـ من التكليف برئاسة حكومة جديدة، بسبب وصول مشاوراته مع جل الأحزاب إلى الباب المسدود.
سيفتقدون طريقته في الكلام التي كانت تجعل الكثيرين يترقبون ظهوره على شاشة التلفزيون، سواء خلال نقل الجلسات العامة للبرلمان المغربي، أو خلال الإدلاء بالتصريحات والحوارات الصحافية، إلى حد أنه صار نجما إعلاميا، بجانب نجوميته السياسية. تلتقي حوله أنظار الجميع، أنصاره والمعجبين به من جهة، وخصومه السياسيين والناس المحايدين من جهة أخرى.
كلام بن كيران مزيج من العفوية والطرافة والصدامية (نسبة إلى الصّدَام وليس إلى الرئيس الشهيد صدّام حسين)، مما جعله شخصية استثنائية، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع كلامه ومواقفه.
سيتذكر المحللون السياسيون والمؤرخون والإعلاميون المحايدون أنه حاول زعزعة الماء الراكد في السياسة المغربية، من خلال مواجهته الذكية وغير المباشرة مع المُقرَّبين من دوائر القرار السياسي والاقتصادي، وعدم انصياعه لهم ومجاراتهم في محاولة رسم الخريطة السياسية المغربية كما يحلو لهم. لقد رفع في وجههم عبارة «لا»، ولم يقتدِ بشخصية «كالي كاي» في مسرحية برتولد بريخت الشهيرة «رَجُـلٌ بِـرَجُـل».
بمعنى آخر، إنه ـ طيلة خمس سنوات من ترؤسه الحكومة ـ كان يرفض وجود ما يطلق عليه «الدولة العميقة»، وهي «الدولة» التي اختار لها تشبيهات تذكّر بكتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع. لقد أطلق على خصومه المتوارين في الظلال والظلام ألقاب التماسيح والعفاريت. وبحسّه الفكاهي الساخر، استحضر من المأثور الشعبي نكتة البدوي الذي كان يعتزم بيع جَمَل له؛ وبينما هو يسير في الطريق نحو السوق، لقيه شخص، وطلب منه أن يُجلِس الجَمَل ثم يُوقِفه كطريقة لمعاينة صحته وقوته، وحين فعل البدوي ذلك، قال له الرجل: «كم سنطلب في الجمل؟» (عوض أن يقول له: كم تطلب فيه؟) بمعنى أنه صار شريكا معه فيه. هكذا تحدث بن كيران عن علاقته مع السياسي ورجل الاقتصاد، عزيز أخنوش، المقرّب من دوائر القرار، الذي أخذ يُملي عليه شروطا عديدة خلال المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة، كما لو أنه هو المكلف بهذه المهمة، مثلما قال بن كيران، فما كان من هذا الأخير سوى أن أقفل باب المشاورات معه، وأصدر بلاغه الشهير بـ «انتهى الكلام». ولعله كان يدرك أن ذلك القرار الجريء سيكلفه غاليا، وهو ما حصل فعلا. لكنه لم يستسلم، ولم يضع المفاتيح، كما طُلب منه وكما كان يتوقع البعض، ولم يبع الجمل الوارد في النكتة، بل ظل صامدا، إلى أن نزل قرار الإعفاء بردا وسلاما على خصوم زعيم «العدالة والتنمية» الذين لا شك أنهم سيشربون نخب إزاحة شخص «عنيد» ـ في نظرهم ـ من على سنام الجَمل.
ربما من سوء حظ بن كيران أنه لا ينتمي إلى حزب يساري، فلو كان كذلك لحيا الكثيرون مواقفه البطولية، ولكان موضع احتفاء وتكريم من طرفهم. ولكن ما يحول دون ذلك، السبحة التي يضعها دائما في يديه واللحية التي يشذّبها بعناية!
الشرقاوي وأخنوش و«ميدي 1 تي في»!
ليس بن كيران وحده من أُعفي من مهامه بسبب موقفه من السياسي ورجل الأعمال عزيز أخنوش، فقبله ببضعة أسابيع «أُعفي» الباحث الأكاديمي عمر الشرقاوي من المشاركة في البرامج السياسية لقناة «ميدي 1 تي في»، حيث جاء في تدوينة «فيسبوكية» للباحث نفسه: «قلتُ: إن أخنوش بالغ في بعض مطالبه تجاه تشكيل الحكومة، فصدر قرار من مدير بقناة ميدي1 تي في بمنعي من المشاركة في البرامج السياسية. ولا قدّر الله ـ أقول لا قدر الله حتى لا تفهموني غلط ـ لو قلت إن أخنوش ضعيف سياسيا، كان بطبيعة الحال سيصدر قرار بنفيي خارج التراب الوطني. أيها السادة! أخنوش وغيره من السياسيين يؤخذ من كلامهم ويردّ، يناصَرون وينتقدون. ومن أراد التيقار (عدم الإزعاج) فليبتعد عن السياسة والمجال العام».
وأوضح الشرقاوي في تدوينة أخرى أنه نادم على مشاركاته «التطوعية» في قناة «ميدي1 تي في»، معلنا أنه سيستمر من داخل منبر «الفيسبوك» في انتقاد أخنوش وغيره بالأخلاق اللازمة.
«أمودو» برنامج أمازيغي بلسان عربي فصيح!
حسنًا فعل «الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية» في المغرب حينما احتفى بالفنان حسن بوفوس، مخرج البرنامج التلفزيوني الوثائقي «أمودو»، يوم الجمعة الماضي في الرباط، على هامش المؤتمر الوطني الرابع للغة العربية. ذلك أن البرنامج المذكور اجتمعت فيه كل محاسن العمل التلفزيوني، من حيث الإعداد الجيد والإخراج الإبداعي والمونتاج المتقن والتعليق العذب. كما أن ذلك العمل استطاع أن يقرّب جغرافية المغرب وتضاريسه المتنوعة وبيئته الحضارية من المشاهدين حيثما وجدوا، مما أهله لنيل جوائز رفيعة في العديد من المهرجانات التلفزيونية.
ومن بين عناصر تميز البرنامج كذلك اعتماده على اللغة العربية الفصيحة في نصوص التعليقات، وعدم انسياقه مع الموجة السائدة التي تكرس الابتذال والإسفاف ورداءة اللسان، من خلال التركيز على عامية مغربية منحطة في مجموعة من البرامج التلفزيونية والإذاعية.
برنامج «أمودو» (الذي يعني السفر في اللغة الأمازيغية) تنتجه شركة خاصة يوجد مقرها في مدينة أغادير. وهنا مكمن المفارقة العجيبة والمحمودة، فمنتجو هذا البرنامج ينتمون إلى بيئة أمازيغية، ولكنهم اختاروا العربية الفصيحة لغة لنصوص التعليقات، مجسّدين انفتاحهم ونضجهم وعدم انسياقهم لدعاوى البعض بالاقتصار على اللغة الأمازيغية. وهم بذلك، يسيرون على هدي المفكرين الأمازيغ المشاهير الذين خدموا الثقافة والفكر والإبداع المغربي من خلال كتابتهم باللغة العربية.
كاتب من المغرب
الطاهر الطويل
ما لاحضته على بن كيران أنه يمتاز بكاريزما خاصة وعنيد برز بشكل خاص في أزمة تشكيل الحكومة في الآونة الأخيرة.متفتح كذلك مع الجمهور ويشهد له بنظافة اليد طيلة تقلد مهامه الزوارية.
فعلا يا أخ كروي هي الخطوة الأولى في سباق الألف ميل فلا يمكن تغيير الأوضاع المتراكمة بين عشية وضهاحا،فأن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا.