جابوتنسكي كان سيقسم البلاد

حجم الخط
0

في ضوء استئناف المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين، يمكن الافتراض بانه ليس بعيدا اليوم الذي سيقف فيه بنيامين نتنياهو أمام حسم عملي بالنسبة لتقسيم بلاد اسرائيل. أحد الاعتراضات الحادة التي من المتوقع أن يصطدم بها داخل حركته، سيكون على اي حال الاعتراض الايديولوجي في أن مجرد البحث في تقسيم بلاد اسرائيل يتناقض تناقضا قطبيا مع المبادئ الاصلاحية الصهيونية بشكل عام، والفكر الوطني السياسي لمؤسسها، زئيف جابوتنسكي بشكل خاص.
لا ينبغي الاستخفاف باعتراضات من هذا القبيل. فالشائعات في أن العالم في ايامنا يعيش في عهد ما بعد موت الايديولوجيات كانت مبكرة، وبالتأكيد عندنا في اسرائيل، التي قتل فيها رئيس وزراء لاسباب ايديولوجية. وعليه، فان المسألة الايديولوجية في ان فكرة تقسيم البلاد التي قد يتبناها رئيس الليكود بجدية في مرحلة ما من المفاوضات، تتعارض والعقيدة السياسية لمؤسس الحركة الام لليكود، هي مسألة ثقيلة الوزن.
ظاهرا، لا توجد مسألة أغرب من هذه يمكن طرحها على جابوتنسكي ومواقفه السياسية القومية. أفليس معروفا للجميع ان مبدأ الاصرار على وحدة بلاد اسرائيل كان أساس الاسس في صهيونيته. من لا يتذكر خطاباته الملتهبة ضد توصيات لجنة بيل في 1937 لتقسيم بلاد اسرائيل الانتدابية الى دولة يهودية ودولة عربية، أو حقيقة أنه حتى آخر ايامه وجد صعوبة في ان يسلم بفقدان شرق الاردن؟
ولكن يجدر الصعود من هاوية الفكر الى المبدأ الاسمى الملزم في مذهب جابوتنسكي القومي، الذي كانت كل باقي المبادئ خاضعة له. ‘القومية هي فردية الشعوب’، هكذا أنهى في كانون الثاني/يناير 1903 مقاله ‘عن القومية’ في الصحيفة الليبرالية الروسية ‘اوديسسكايا نوفسكي’. حذار على اي شعب أن يقمع الشخصية القومية لشعب آخر، هكذا قرر قبل بضعة اشهر من ذلك في مقاله ‘عن الصهيونية’، بل واضاف هناك بان لا شيء اكثر سخافة من الفرضية بان اليهود ‘يحتاجون الى دولتهم كي يتاح لهم خنق وقمع شعوب اخرى’.
اقوال بهذه الروح، ترفض رفضا باتا الاستعباد القومي لشعب من شعب آخر، اطلقها جابوتنسكي المرة تلو الاخرى، وبجملة اللغات التي عرفها، بما فيها اللغة العبرية، على مدى كل ايام نشاطه العام. كيف إذن يستوي تمسكه بهذا المفهوم مع تأييده غير المتحفظ لفكرة حكم اليهود على بلاد اسرائيل الكاملة، حيث يوجد سكان قومية غير يهودية؟
الجواب على هذا السؤال ليس معقدا جدا. ففي ايام نشاط جابوتنسكي الصهيوني، كان العنصر الاقليمي الفلسطيني في الهوية القومية لعرب بلاد اسرائيل/فلسطين بارزا للعيان اقل من صلتهم العربية العامة. ولهذا السبب فان جابوتنسكي، مثل العديد من الصهاينة من ابناء تلك الفترة، اعتبر عرب البلاد اولا وقبل كل شيء جزءا من أمة عربية وحيدة الدين وواسعة النطاق، بينما صلتهم المحلية لبلاد اسرائيل لم تبدو له ضرورية لاعطاء تعبير كامل عن شخصيتهم الوطنية الجماعية. ما بدا له مهما بلا قياس كان الصلة الثقافية والروحية لعرب بلاد اسرائيل بالمنطقة العربية.
من أجل الابقاء على هذه الصلة بلا عراقيل، كما اعتقد، سيكون كافيا لعرب بلاد اسرائيل حكم ذاتي جماعي ثقافي وطني واسع في دولة ذات اغلبية يهودية، في اطارها يتاح لهم الابقاء على علاقات ثقافية وثيقة مع المنطقة العربية المحيطة خارج بلاد اسرائيل الكاملة. وكتب في 1930 يقول ان ‘بلاد اسرائيل تقع في الحبل السري لعدة بلدان ثقافتها عربية وستبقى عربية. وسيتمتع عرب بلاد اسرائيل دوما بميزة قدرة الوصول الى التأثيرات العربية خلف الحدود’.
في اثناء نحو ثلاثة اجيال منذ وفاة جابوتنسكي، وقعت تطورات عميقة في ميل تبلور الهوية القومية لعرب بلاد اسرائيل/فلسطين. وكرد على خطاب الحقوق التاريخية الصهيوني على البلاد، كنتيجة لصدمة النكبة واللجوء، وفي ضوء المصادرة التي لا تتوقف للاراضي الفلسطينية، فان الصلة السياسية الاقليمية للوطن الفلسطيني اصبح عنصرا سائدا في الشخصية الجماعية للفلسطينيين في الضفة الغربية، في قطاع غزة، لدى الفلسطينيين من مواطني اسرائيل، وكذا في أوساط الشتات الفلسطيني في العالم. ومن هنا فان منع تحقق حق الفلسطينيين في تقرير المصير في حدود قابلة للعيش داخل مجال بلاد اسرائيل/فلسطين يشكل مسا جوهريا بـ’فردية’ الشعب العربي ـ الفلسطيني، ولهذا فانه يتعارض بشكل قطبي مع المبدأ الاساس للمذهب القومي الجابوتنسكي، الذي يرفض المس بـ’فردية’ كل شعب وشعب.
لما كانت الصلة الاقليمية السياسية ببلاد اسرائيل فلسطين تحتل في عصرنا مكانا مركزيا في الشخصية القومية الجماعية لليهود والفلسطينيين على حد سواء، فان السبيل الوحيد لتطبيق عقيدة الفردية القومية لجابوتنسكي هي السعي الى تقسيم البلاد الى دولتين الحدود بينهما مفتوحة، وفي كل واحدة منهما توجد أقلية قومية فلسطينية في اسرائيل ويهودية في فلسطين تتمتع بحقوق المواطنة والحقوق الجماعية القومية الكاملة.
ما أن يبدأ إذن السير في المسار المؤدي الى تقسيم البلاد، على نتنياهو أن يفهم وان يستوعب انه ليس فقط لا يوجد في ذلك ‘خيانة’ لعقيدة الاصلامية الجابوتنسكية، بل العكس، يوجد في ذلك ما يكمل بشكل تام مبادئها الاساس، التي يدوسها حزب الليكود الحالي طالما كان يحث سياسة الاستعباد القومي لشعب آخر.

هآرتس 1/8/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية