سجل أنا عربي!
سجل أنا عربي! يحكي أن معظم أصدقاء العلامة الكبير الراحل إحسان عباس وطلابه ومريديه لم يكونوا يعرفون مسقط رأس الرجل. ومع ذلك، لم يكن لأحدهم أن يتجرأ، أو يفكر ابتداء، ويبادر إلي سؤاله عن أصله وفصله، خشية ما قد يوحيه مثل ذلك السؤال من نزوعات قطرية أتي عليها حين من الدهر كانت مرفوضة ومستهجنة تماماً لدي الكثيرين من أبناء وطننا العربي. أما اليوم، فلم يعد أحد يتحرج من طرح مثل ذلك السؤال المؤسف لتتبع جذور المرء ومنبته، الأمر الذي يبرز بكل أسف النجاح الكبير الذي أحرزته الدولة القطرية المسخ التي أوجدها الاستعمار وأذنابه في فرض مفاهيمها المقيتة، حتي بين أوساط المثقفين، الذي يفترض فيهم أن يكونوا أكثر خلق الله وعياً بمخاطر التوجهات القطرية وحذراًَ وتحذيراً منها.درج العبد الفقير إلي الله كاتب هذا المقال علي أن يعرّف نفسه في الملتقيات العلمية والثقافية بوصفه باحثاً عربياً والسلام، مفترضاً أن مثل هذا التعريف لا يمكن أن يشكل مدعاة لاستفزاز أحد أو غضبه، وبخاصة في أوساط المثقفين العرب! لكنه فوجئ أكثر من مرة بالبعض يتساءلون: فهمنا أنك باحث عربي يا أخي، ولكن من أين أنت!؟ ليس هذا وحسب، بل تمادي البعض من أصحاب التوجهات القطرية الذميمة وبلغت بهم الصفاقة حد التساؤل بغيظ واضح لا يخلو من محاولة رخيصة للتوريط والإحراج: ألست تحمل جنسية ذلك القطر، فلماذا لا تجاهر بانتمائك إليه!؟ أم أنك لا تعتز بذلك الانتماء وتخجل منه!؟ يبدو أن أمثال هؤلاء من أرباب الانغلاق القطري الأحمق ينظرون إلي العروبة باعتبارها هوية معادية تتناقض مع هوياتهم القطرية الضحلة، فلا يتصورون أن يكون الإنسان لبناني الولادة مثلاً، وعربياً في الوقت نفسه. بل يصرون علي منح الأولوية والتفضيل وربما أحادية الاختيار للهوية القطرية، التي باتت ترتبط بطبيعة الحال بتأمين مصالحهم الأنانية الخاصة والآنية والضيقة، ولتذهب العروبة وأهلها إلي الجحيم! فيما أزعم، العربي الحقيقي هو الذي لا يجد مسوغاً علي الإطلاق للمفاضلة بين هويته القطرية التي يدرك قبل غيره تهافتها، وبين هويته القومية الجامعة، بل إنه هو الذي يعطي الأولوية لهذه الأخيرة، في ضوء وعيه بأن نظيرتها القطرية ـ وشتان بين الهويتين ـ قد فرضت عليه بحكم ترتيبات السياسة ومصالحها الانتهازية، وربما بحكم مؤامراتها!العربي الحقيقي ـ فيما أزعم أيضاً ـ هو الذي لا يفرق بين تراب عربي وآخر، فمحبة تونس عنده هي نفسها معزة دمشق، واستعداده للتضحية من أجل تحرير القدس هو نفس استعداده للقتال من أجل الجزائر. إنه لا يؤمن حتماً بشعارات بائسة من قبيل: مصر أولاً، أو المغرب أولاً، أو الأردن أولاً… الخ. فهو من الذين يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهو الذي يحب لأخيه العربي ما يحبه لنفسه.هذا هو العربي الحقيقي ـ فيما أزعم ـ أيها العرب الشرفاء، فهل ما زال بإمكاننا الحديث عن عربي حقيقي في هذا الزمان القطري الرديء!؟خالد سليمان[email protected]