الناصرة ـ «القدس العربي»: اعتبر التقرير الاستراتيجي لعام 2017 الصادر عن المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» أن إسرائيل اتجهت أكثر نحو تصعيد خطاب الضم وتفكيك حلّ الدولتين، والتنصل من مبادرات إنهاء الاحتلال، انسجاما مع ما تشهده داخليا من تكريس اليمين الجديد لنفسه.
واستبعد أن يسفر الذهاب إلى انتخابات مبكرة تفرضها قضايا الفساد المحيطة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن إضرار بما كرّسه اليمين من مكاسب.
وركز التقرير السنوي الذي أطلقه «مدار» في مؤتمر خاص في رام الله، أمس، الضوء على مواصلة اليمين مساعيه الدؤوبة، لتعميق سيطرته على النخب، وامتلاك مفاتيح مؤسسات الدولة المختلفة، وما يعتبرها قلاعا تقليدية لليسار، مثل الإعلام والمحكمة العليا، وسط تشديد خطابه على يهودية الدولة على حساب «قيم الديمقراطية»، وتحويل أيديولوجيته المعادية للفلسطينيين، إلى سياسة يومية أكثر عدوانية وعنفا.
وتضمن تقديما تأصيليا يضع التغيرات الآنية في إطارها التاريخي البعيد تحت عنوان: «إسرائيل بين المستعمرة والدولة: الثابت والمتحول بعد مئة عام على بلفور، 70 على التقسيم، و50 على الاحتلال». وعاد تقرير «مدار»، ليؤكد الخلفية العميقة لتحكم اليمين الجديد في إسرائيل، ممثلة بالتغيّرات الاجتماعية – التاريخية التي مرت بها إسرائيل، من حيث تحوّلها التدريجي إلى مجتمع أكثر تديناً ومحافظة، ودخول الشرقيين للنخب بعد أن كانت غربية خالصة، وزيادة قوة المستوطنين مع الأفول المستمرّ للنخب التقليدية للصهيونية المؤسسة بقيادة حزب «مباي».
تبخر فرص الدولة الفلسطينية
ومقابل أفول هذا اليمين، شهدت إسرائيل صعوداً مستمرّاً لـ»اليمين الجديد»، الذي يتألف من كل من الأحزاب الحريدية (المتزمتة دينياً)، والأحزاب المتدينة القومية، والمستوطنين، وأعضاء الكنيست المتطرفين وحركات مثل «إم ترتسو» وغيرها. وأشار التقرير إلى تقاطع تكريس اليمين لنفسه في إسرائيل مع انعطافات عالمية شبيهة في أوروبا توّجت بانتخاب ترامب الأمر الذي يؤثر على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وعلى فرص إنهاء الاحتلال، ويفتح أمامها مساحات واسعة للالتفاف على أي محاولات للضغط عليها، ويعطيها فرصة للمناورة السياسية ولفرض وقائع على الأرض تحوّل إقامة دولة فلسطينية حقيقية إلى مهمة مستحيلة.
وقال التقرير إن الحكومة الإسرائيلية توظّف حالة الاضطراب الدموية السائدة في العالم العربي والحركات الإسلامية المتطرفة من أجل التهرب من إنهاء الاحتلال، وادّعاء أن المواجهة مع الفلسطينيين هي مواجهة ثقافية وحضارية بين «العالم المتحضر» و»العالم الظلامي»، عزفا على وتر اليمين الجديد في أمريكا وبعض الدول الأوروبية.
في المقابل يزعم التقرير أن التقاطع مع اليمين العالمي، يحمل بالذات بذور ترسيخ صورة إسرائيل بوصفها دولة احتلال عنصرية، تقف هي واليمين الفاشي، والجديد العنصري، في المربع ذاته، ما قد يؤول إلى نزع الشرعية عنها والذي تعتبره خطرا استراتيجيا عليها. وفي هذا الإطار يشير « مدار « أن أطرافا عقلانية في إسرائيل حذرت من ما يحمله اليمين الأميركي والأوروبي من مخاطر انعاش النزعة اللاسامية التي قد تضر باليمين لجانب مخاطر التعامل مع ترامب كورقة مضمونة مائة بالمائة.
ولخّص استنتاجاته بأن حكم اليمين الجديد في إسرائيل، بقيادة نتنياهو، ينعكس في ثلاثة محاور أساسية منوها أن 2016 شهد محاولات مستمرة لترسيخ مكانة المستوطنين ضمن الإجماع الرسمي، وتعدّت هذه المحاولات الأدوات التقليدية، من حيث سيطرة الدولة ومنظومتها على أدوات قضم الأرض عبر المصادرة إلى تبييض سرقة الأراضي على يد الأفراد بشكل رجعي. كما استغل أقصى اليمين الإسرائيلي فرصة صعود ترامب من أجل مطالبة نتنياهو بالتراجع نهائياً عن حلّ الدولتين. غير أن نتنياهو امتنع لاحقاً عن ذلك، وما يظهر من تصريحاته حاليّاً هو أنه يسعى إلى إدارة ملف الاحتلال بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب وإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني. كما يرصد التقرير استمرار حكومة بنيامين نتنياهو بالتعامل مع الفلسطينيين في الداخل على أساس كونهم مصدراً للخطر، سواء الأمني أو الديموغرافي، كما تجلى بحظر الحركة الإسلامية والتحريض ضد القائمة المشتركة، وتمديد العمل بقوانين عنصرية تستهدفهم، كقانون لم الشمل وهدم المنازل . وحري بالقائمين على التقرير التنبه أيضا لمحاولات نتنياهو استخدام فلسطينيي الداخل فزاعة بدلا من إيران ضمن استراتيجية الترهيب لضمان بقائه بالحكم حيث بات هذا الهدف لا يقل أهمية عن قضايا ومصالح عامة جوهرية.
النخب الإسرائيلية الجديدة
ومن ناحية بنية الدولة، أشار التقرير إلى ادعاء إسرائيل الدائم للحفاظ على التوازن بين المركب الديموقراطي واليهودي، فيما أدى الصعود المستمر لليمين الجديد إلى تطور ثقافة شعبوية، تسعى نحو ترسيخ البنية القومية اليهودية للدولة، ومساعي السيطرة على النخب التي تحولت من نخب أشكنازية علمانية عمالية، إلى نخب استيطانية متدينة ويمينية وشرقية.
وانقسمت فعاليات المؤتمر إلى ثلاث جلسات تناولت الأولى محوري «اسرائيل والمسألة الفلسطينية»، و«المشهد السياسي الحزبي الداخلي»، تولى التعقيب عليها النائب قيس عبد الكريم «أبو ليلى». ورأى أنه «إذا كان التصور التاريخي للحركة الصهيونية يقوم على الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض، مع أقل عدد من السكان، فإن التطورات في المنطقة قد تدفع هذا النمط في التفكير الإسرائيلي إلى مداه الأقصى»، معتبرا أن الوضع القائم في إسرائيل، يجسد حقيقة مفادها أنه ليس هناك شريك سلام في إسرائيل. أما في الجلسة الثانية، فقد تم تناول محوري «المشهد الأمني والعسكري»، و»مشهد العلاقات الخارجية»، وتولى التعقيب عليه أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة «بيرزيت» د. غسان الخطيب.
وفي هذا السياق، أبرز التقرير فيما يتصل بمشهد العلاقات الخارجية، أن اسرائيل في حالة مرحلة تمدد على المستوى الدبلوماسي، وإن كانت تنجح في مواقع، وتخفق في أخرى.
وبين أنه لا بد من عدم المراهنة على ثبات موقف المجتمع الدولي من الانتهاكات الإسرائيلية والحقوق الفلسطينية على الأمد البعيد. وركز التقرير، فيما يتعلق بـ «المشهد الأمني والعسكري»، على جانبين أساسيين في هذا المشهد، يتمثلان في التحولات الداخلية في جيش الاحتلال، وتعمل على الدفع قدما بما يطلق عليه «البعد الميليشيوي» في هذا الجيش، علاوة على تغير التحديات العسكرية والأمنية في البيئة الاقليمية لإسرائيل.
وفي تعقيبه على مشهد الفلسطينيين في إسرائيل قال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ان السنوات الأخيرة تحمل مشروعا إسرائيليا يحمل ثلاثة عناوين: يهودية الدولة، تحويل الصراع الى صراع ديني، ومحو الخط الأخضر.
وأشار الى ان الاقتصاد الإسرائيلي يشهد طغيانا مطلقا لرأس المال ويتسم بتهميش وإقصاء الأقليات، ما يتشابه في معطياته مع الأنظمة الفاشية. من جانبه، أورد الخطيب بعض الملاحظات على التقرير، موضحا أن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية ربما لا يكون كافيا وحده لتفسير التقدم، و»الإنجازات» في السياسة الخارجية الإسرائيلية، وأن التوجه اليميني في أوروبا لم يحسم بعد على العكس من الواقع في أمريكا، مقترحا التركيز حول مكاسب ومخاسر اسرائيل في الساحة الدولية، ومؤسساتها مثل مجلس الأمن.
ويعدّ التقرير طاقم من الباحثين المختصين في الشأن الإسرائيلي. وقد حررت إصدار العام الحالي الواقع في 300 صفحة، د. هنيدة غانم، وأعدّه كل من: عاطف أبو سيف، مهند مصطفى، انطوان شلحت، عاص أطرش، نبيل الصالح، وهمت زعبي.
وديع عواودة