من أسوأ الأشياء في مصر الآن، أن النكات السخيفة تتحول كثيرا إلى قرارات وقوانين.
وعلى طريقة التعديل العجيب الذي أقره مجلس النواب في قانون السلطة القضائية، الذي يعطى رأس السلطة التنفيذية حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وإهدار مبدأ الأقدمية الذي تعارف عليه القضاء المصري طوال تاريخه، وإهدار حق الجمعيات العمومية في اختيار رؤساء محكمة النقض ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وغيرها، بل إهدار المبادئ الحاكمة للدستور ذاته، التي أكدت على الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، وعلى أولوية الفصل والتوازن بين سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء، ومنع تغول سلطة بذاتها على غيرها، وتصوير سلطة التشريع كأنها مطلقة، أو أن مجلس النواب هو «سيد قراره» والحاكم بأمره، وهي روح تسلط تبدو غريبة وطريفة، إذ أن البرلمان الحالي أقرب إلى «ميني برلمان»، انتخبه «ميني شعب».
ووصل غالب النواب لكراسيهم بعشرة بالمئة فقط من إجمالي الناخبين المقيدين، وقد لا يؤثر ذلك في شرعيته القانونية المجردة، وإن كان يأخذ من حساب الأهلية السياسية الفعلية.
نعم، سلطة التشريع لها حدود، ولها قواعد مرسومة في الدستور، الذي يؤكد على ضرورة أخذ رأي السلطة القضائية في أي تشريع يخصها، وهو ما كان موضعا لعملية دهس خشنة من مجلس النواب، ومن نواب تصوروا أن لهم سلطة إلهية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقضاء، أو حتى بالأزهر الشريف نفسه، الذي تحدث نواب عن نوايا إصدار تشريع جديد، يعطي رأس السلطة التنفيذية حق تعيين وإقالة شيخ الأزهر، بينما يعطى الدستور حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية لجمعياتها العمومية، ويعطي هيئة كبار العلماء حق انتخاب شيخ الأزهر، ويعتمد رئيس الجمهورية تعيين الأشخاص المختارين، بينما لا يبالي بعض النواب بأحكام الدستور، ويتعاملون مع نصوص الدستور كأنها «مناديل كلينكس»، يحق لهم أن يغيروها متى شاءوا، أو أن يسقطوها من الحساب، حتى لو لم تتغير حروفها، وكأنها مجرد حبر يجف فوق الورق. وهذه كارثة حقيقية، سبق لمصر أن ابتليت بها طوال ثلاثين سنة من حكم المخلوع، جرى فيها وضع الدستور تحت الأقدام، وتعديل نصوصه بحسب المزاج والمقاس العائلي، وكان الانقلاب على الدستور انقلابا على الشرعية، وأساسا قانونيا للثورة التي اكتسحت حكم العائلة، وهو ما قد يصح أن يتذكره المتحمسون لإهدار نصوص الدستور، وعلى ظن أن أوراق الدستور هي «أوراق كوتشينة»، يمكن التلاعب بها تيسيرا لشؤون النفاق العمومي، مع أن أبسط الناس يدرك العواقب، ويعي جيدا درس ما جرى قبل الثورة الشعبية، ويعرف أن الانقلاب على الدستور هو انقلاب على نظام الحكم، وقد طرح المنافقون علنا ومرارا أفكارا لتعديل مدد الرئاسة المقيدة بمدتين في الدستور، مع أن الدستور نفسه ينص على حظر تعديل مواد الرئاسة والحقوق والحريات وكأن المشرع الدستوري كان يتحسب لتكرار المهازل، وفتح مدد الرئاسة من دون سقف، على طريقة التعديل الذي لم يستفد به الرئيس السادات لاغتياله في حادث المنصة، وورط البلد في حكم بليد راكد فاسد متخلف، امتد لثلاثة عقود كاملة، وكان يمكن أن يتصل زمنه إلى اليوم، لولا أن ثورة الشعب المصري سبقت إلى خلع مبارك وعائلته.
ولا بأس أن ينتبه ويتيقظ مجلس النواب إلى دوره التشريعي، ولكن ليس بالتغول على سلطة القضاء على نحو ما جرى ويجري، وإهدار أحكام نهائية باتة من محكمة النقض، على طريقة إهدار حكم النقض في إبطال عضوية نائب بعينه، وتوالت الشهور الطويلة دون أن ينفذ الحكم، مع أن الدستور أعطى لمحكمة النقض كلمة الفصل بالخصوص، ولا يعطي لمجلس النواب حق التعقيب، فما بالك بالتعويق، وإهدار نص الدستور وحكم النقض في نفس واحد، في الوقت الذي لا يكاد يسمع فيه أحد إلى صوت مجلس النواب، لو تعلق الأمر بدوره التشريعي والرقابي الأساسي، وبالذات في مواجهة تغول السلطة التنفيذية، التي تصدر القرارات دون رقابة حقيقية، ودون نظر استجواب واحد في البرلمان حتى الآن، والحكومة توقع على الاتفاقيات الدولية وتنفذها، ثم تتذكر متأخرة أن هناك شيئا اسمه مجلس النواب، لا بد من أخذ توقيعه بالمرة على ما جرى، وعلى طريقة الاتفاق الحكومي مع صندوق النقد الدولي، الذي وافق عليه البرلمان بعد أن شبع تنفيذا، وحصلت الحكومة على التوقيع البرلماني المضمون في أقل من ثلث ساعة، بينما يستأسد البرلمان في العصف بكرامة القضاة، ويتصور أن دوره هو مراقبة الشعب لا محاسبة الحكومة.
استبدال العدو
مقايضة إيران بإسرائيل هي ما يراد لنا بالضبط، أي أن تصبح إيران هي العدو المركزي، وأن تغدو محاربة إيران هي القضية المركزية للأمة العربية، بينما تكون إسرائيل هي الجار الطيب، والحليف المستتر ـ فالظاهر ـ لدول عربية أساسية، توصف في السياسة الأمريكية بمعسكر الاعتدال العربي، وتطلق عليها إسرائيل وصف «المعسكر السني»، وكأننا بصدد حلف سني ـ يهودي ضد إيران النووية الشيعية.
واللعبة جديدة قديمة، عمرها من عمر ذهاب ريح الأمة العربية، وهلاك المشروع القومي العربي، واندثار النظام الإقليمي للعرب، وتحول الجامعة العربية إلى قبر من رخام، وانعقاد القمم العربية في مراسم عزاء سنوى باهت، يوقع فيه السادة القادة على قرارات جف حبرها على الورق، تكاد لا تلتفت إلى القضية الفلسطينية، التي كانت سببا في اجتماع العرب، وفي إنشاء الجامعة العربية، وفي إصدار معاهدة الدفاع العربي المشترك، وفي توزيع الأدوار بين دول المواجهة ودول الدعم عقب هزيمة 1967، وفي قيادة الأمة إلى نصر تاريخي على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، ثم كانت الغمة والظلمة المدلهمة، وخذلان السياسة لنصر السلاح، والاندفاع على طريق الخطيئة، إلى أن وصلنا إلى محطة عام 1979، وقتها كانت مصر تخرج رسميا من قيادة المشهد العربي، وتخلي مكانها المتقدم في مواجهة إسرائيل، وتعقد ما يسمى معاهدة السلام، بينما كانت ثورة الخميني تقوم في إيران، وتنهي علاقة التحالف القديم بين إيران وإسرائيل، وتتقدم إلى دور متزايد ومتصاعد في دعم فصائل المقاومة ضد إسرائيل، وتبني لنفسها قوة عسكرية وعلمية هائلة، أي أن شمس إيران كانت تشرق، وفي اللحظة نفسها، كانت شمس العرب تغرب، وكان المشروع الإيراني يتوسع كل يوم، ويكسب أرضا جديدة، بينما تميد الأرض وتتزلزل من تحت أقدام العرب، إلى أن صار المشرق العربي مغربا إيرانيا، ووصلت حدود إيران الاستراتيجية إلى شواطئ البحر المتوسط.
والحاصل أن العرب هم الذين حطموا أنفسهم، وأضافوا لقوة الجار الإيراني مددا لا ينقطع، فقد فقدوا أولا بوصلة التماسك من حول القضية الفلسطينية، وانقطعوا عن سياق مواجهة الخطر الأصلي لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، ثم كانت ما تسمى «دول الاعتدال العربي» عونا لأمريكا في عملية غزو واحتلال العراق، فلم يكن بوسع واشنطن غزو العراق بريا بدون تسهيلات عربية، وبدون سلسلة من القواعد العسكرية في خدمة الأمريكيين، وكان تحطيم العراق لفائدة توسع النفوذ الإيراني بطبائع الجوار المتداخل، فالحياة لا تعرف الفراغ، وكل فراغ تتركه خلفك يحتله غيرك، ثم كانت السقطة الأفدح، التى اندفعت فيها الفوائض المالية البترولية، لدعم اللعبة الاستعمارية القديمة «فرق تسد»، وإنفاق مئات المليارات لتغذية أحقاد وحروب السنة والشيعة، وهو ما كانت أمريكا وإسرائيل تريدانه بالضبط، بينما كانت إيران أول المستفيدين فعليا من حروب تكفير الشيعة، فالشيعية عنوان تماسك جامع في إيران، وهي دولة متعددة القوميات، لا يشكل الفرس فيها سوى ثلث عدد السكان، بينما المذهبية الشيعية تضم تسعين بالمئة من الإيرانيين، وتصوغ نوعا من القومية البديلة، وأضافت الدعايات السلفية التكفيرية مددا قوميا عظيما لإيران، فقد دفعت الشيعة العرب إلى حضن إيران، وجعلتهم جزءا مباشرا من «التابعية» الإيرانية، وأدوات جاهزة لخدمة طهران و»الولي الفقيه»، وهكذا حل التيار القومي الإيراني محل التيار القومي العربي في التحكم بوجدان ومصائر المنطقة.
توسع النفوذ الإيراني ـ إذن ـ من صناعة العرب الأكثر ثراء وغفلة، ومن نتاج الخطيئة الأصلية للعرب، فقد ترك العرب مواقعهم في مواجهة إسرائيل لإيران، ثم ترك العرب شيعتهم زادا إضافيا سائغا لإيران، ثم يريدون توريطنا الآن في عار الخدمة العلنية المباشرة لأمريكا وإسرائيل، وتصوير محاربة إيران كواجب ديني وقومي، وتصوير طهران كأنها العدو الأولى بالحرب، ودفع تريليونات الدولارات لواشنطن، ومنها إلى إسرائيل المندمجة استراتيجيا مع أمريكا، وجعل ترامب ونتنياهو من أولياء الله الصالحين، والاستهداء بإرشاداتهم الجليلة في الذود عن حياض «أهل السنة والجماعة»، والتزوير الشامل للإسلام والعروبة، وجعل الاستسلام والتحالف مع إسرائيل سنة واجبة، وأداء صلاة الجماعة من خلف إسرائيل.
هذا هو العار الذي يريدونه لنا، و»العمى الحيثي» عن رؤية العدو الأصلي، وإحلال إيران محل إسرائيل، وإشعال المزيد من حروب التمزيق الذاتي في المنطقة العربية الإسلامية، وهو ما لا يفيد أحدا سوى إسرائيل، ويهلك ما تبقى من وجود العرب المنهمكين في حروب داحس والغبراء.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
” إذ أن البرلمان الحالي أقرب إلى «ميني برلمان»، انتخبه «ميني شعب».” إهـ
نفس الشيئ ينطبق على السيسي ! أي ميني رئيس إنتخبه ميني شعب
ولا حول ولا قوة الا بالله
كيمياء بين السيسي وبوتين اضيف لها الاسبوع الفارط كيمياء مع ترامب قائد القوة العظمى الاولى
الكاتب المحترم؛ كل مايحدث فى مصر بعد ( سوّرة 30 يونيو المجيدة ) هو نفاق للسفاح وعصابة العساكر للتقرب منهم زلفا، فالنفاق آفة قديمة فى مصر قِدم مصر الفرعونية نفسها فقد كان المصريون القدماء والكهنة يعرفون تمام المعرفة ان الفرعون لا هو إلة ولا يحزنون ولكنهم كانوا ينافقونة حتى اقنعوة هو نفسة انة ألة ( يعنى كذب الكذبة وصدقها ! )
اما عن مقايضة ايران بإسرائيل …
سيظل العدو الصهيونى هو العدو الأول للشعوب العربية ( فهو حليف لمعظم مغتصبى السلطة ! ) ولكن العدو المجوسى لا يقل خطورة عن العدو الصهيونى واسألوا أهلنا فى سوريا !!
العدو المجوسى يلتحف بلحاف الإسلام الشيعى ليلتف حولة الشيعة العرب وهو ماحدث بالفعل لذلك اكرر العدو المجوسى لا يقل خطورة عن العدو الصهيونى !
وتحيا البيادة
تأخرت الأنتخابات البرلمانية ليتم ترتيب برلمان على مقاس السيسي، وما يقوم به البرلمان اليوم من قضم لما تبقى من هيئات مستقلة بأسم الديمقراطية، يتم بتوجيه من السلطة التنفيذية على رأسها السيسي لكي نخلص لنظام الفرد المطلق الذي يتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية وإعلان حالة الطواريء سوف يعزز هذا التوجه لدى سلطة السيسي.