أنت عنصري «وأنا كمان…»

حجم الخط
8

نهاجم العنصرية والعنصريين دون أن ننتبه الى أن العنصرية قد تنتقل إلينا، فالعنصرية مرض ينتقل بالعدوى كجرثومة في الرّئة كنت تظن أنها لن تصيبك.
علّمني والداي أن أحكم على الناس من خلال أعمالهم وليس لانتماءاتهم العرقية أو الدينية أو العائلية، وضد الأفكار المسبقة التي قال فيها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه «الناس أعداء ما جهلوا».
قبل صيف رافقت طلابًا في جولة ترفيهية تعليمية توجّهنا بعدها إلى مركز تجاري في عكا، الحارس الذي التبس عليّ فلم أعرف أهو يهودي أم عربي سأل عن مرافق الطلاب، قلت أنا وسائق الحافلة والمُدرسّة، فقال يجب أن تدخلوا إلى مكتب الإدارة أولاً.
بلا شك أنها خطوة عنصرية، فلماذا يجب أن ندخل أولاً إلى مكتب مدير المركز! المُدرّسة المرافقة غضبت واستنكرت: هل هذه المعاملة لأننا عرب أم ماذا! وهل هذا الإجراء يطبّق على الجميع أم على العرب فقط! رد الحارس بأن هذا إجراء يشمل العرب واليهود.
توقعتُ أن الإدارة ستطلب منا المحافظة على الأولاد وستحذرنا من مغبة قيامهم بممارسات فوضوية مزعجة وهذا قد يحدث فعلاً، ورحت أفكر كيف نسيطر على الأولاد بضبط تصرفات الأولاد دون أن نشعرهم بنقص عن الأطفال الآخرين. لست صاحب القرار بدخول هذا المكان، كان هذا قرار المُدرّسة، وفي قرارة نفسي لم أكن مرتاحًا.
فوجئت بأن مديرة المركز رحبت بنا وقدمت لكل واحد منا بطاقة لطعام الغداء على حساب المركز وبطاقات تنزيلات بنسبة 50٪ على بضائع من حوانيت في المركز، وقالت: نرحّب بكم وزوروا مَجْمعنا دائمًا وأحضروا لنا طلابكم وعائلاتكم.
عندما يتعلق الأمر بالربح فهو يتجاوز العنصرية، ممكن القول إنها طريقة تسويق، أجواء العنصرية العامة ذهبت بتفكيرنا إلى الاتجاه السلبي، نسينا عنصر التسويق والربح الذي يُحرّك معاملات البشر حيث توضع العنصرية على الرّف، خصوصًا عندما تكون أنت المستهلك ولست المنافس، ولكنها ترفع رأسها وتظهر وجهها البشع عند المنافسة وتضارب المصالح.
قبل يومين هبطت أسهم شركة يونايتد إيرلاينز الأمريكية للطيران بنسبة 4.4٪ وذلك أن رجال الأمن فيها سحبوا رجلاً آسيوياً على أرضية الطائرة لنقله إلى طائرة أخرى رغماً عنه، واضطرت الشركة للاعتذار لزبائنها عبر العالم على هذا التصرف المشين بحق زبونها المسحول تفادياً لمزيد من الخسائر.
كثير من الشركات الإسرائيلية أو المحلات العامة تضطر للاعتذار لزبائنها العرب على تصرف عنصري قام به أحد موظفيها مراعاة للزبائن، والعنصرية لا تلاحق العرب فقط، بل تلاحق الأثيوبيين أو الشرقيين أصحاب الملامح العربية خصوصًا في النوادي الليلية وأماكن الترفيه، وهذا يتفاقم عند وقوع حوادث أمنية.
الأرضية خصبة للعنصرية بسبب الوضع العام والأفكار المسبقة، لكن حتى خلال هذا المد العنصري المتوحش لا بد من رؤية شعاع إنساني يجب علينا التمسك به مهما كان ضئيلاً. وأظن أن مليارات البشر من مختلف الأمم والأديان والمذاهب مستعدون للتعايش معًا لولا جشع وأطماع الساسة ، بدون استبداد واحتلال وعنصرية وفوضى خلاقة، وبدون فرض قناعات فكرية على الآخرين مهما كانت صادقة في نظرك.

نظرات عنصرية

قبل مدة كنت مشتركاً في نادٍ رياضي في منطقة عكا يؤمّه عرب ويهود وروس، وقفت على جهاز للمشي وكان بالقرب مني شاب على جهاز آخر، كان ينظر إليّ نظرات غير مريحة، قلت لنفسي، العنصرية في نظرات هذا اليهودي واضحة، إنه ينظر إليّ شزرًا، إنه وقح، لا أفهم لماذا يكرهوننا بهذه الصورة، يفعلون ما يفعلونه ضدنا وضد شعبنا ويكرهوننا! أنا أيضاً سأنظر إليه شزرًا، مرت دقائق وهو يلتفت بين فينة وأخرى وأنا أرد عليه بالمثل، نظرات متبادلة تعبر عن عدم ارتياح تحولت إلى تحدٍ صامت قابلٍ للانفجار، أقرأ النظرة العنصرية في عينيه كأنه يقول لي لماذا أنت هنا، هذا المكان ليس لك، اذهب إلى قريتك أيها العربي. كيف عرف أنني عربي! بالتأكيد في جهاز الأمن العام الشاباك يجرون دورات للتعرف على العرب من ملامحهم، ما هي ملابسهم وأحذيتهم المفضلة، في حقبة تاريخية ما كان تسعون بالمئة من العرب ينتعلون الأحذية السوداء نفسها من طراز واحد، وكانوا محافظين جدًا بالنسبة لثيابهم وحتى أحزمتهم وطريقة حلق رؤوسهم وشواربهم، إضافة إلى لهجتهم الواضحة عندما يتحدثون بالعبرية.
في لحظة ما دخل أحدهم فصافح الشاب الذي كنت أنظر إليه وينظر إليّ شزرًا وراحا يتحدثان بالعربية، وإذ بهما صديقان، وتبين لي أن صاحب النظرات التي حسبتها عنصرية عربي مثلي، صار لدي فضول بأن أعرف سبب نظراته العنصرية، بلا شك أن لديه الفضول نفسه.
التقينا في الحمّامات وحينئذ قال لي: أنت تشبه صديقًا قديمًا، يا الله كم تشبهه.
على كل حال التعارف سُنّة.
تغيرت الأمور كثيرًا واختلطت ألوان الوجوه والملامح والملابس، لدينا خلطات روسية وأوروبية وأمريكية، قبل أيام صادفت لدى صديق سيدة يابانية وزوجها العربي، وتمنيت لو أرى خليطهما بملامح تويوتا فلسطينية.

العروس الفلبينية

يوم أول من أمس الثلاثاء، حضر المدعوون إلى حفل زفاف في إحدى القاعات في الجليل، حضر العريس وذووه وحضر والدا وشقيقتا العروس، العريس تعرّف على فتاة فلبينية في كندا فقررا الزواج وعيّنا موعدًا للزفاف في بلده بين أهله. وصلت الأسرة الفلبينية يوم الأحد، ولكن عندما سُئلت الفتاة عن هدف زيارتها اعترفت بأنها أتت للزواج من شاب عربي، فسمحوا لأسرتها بالدخول وأعادوا العروس من حيث أتت لسبب غير واضح.
اشتغلت الوساطات ودفع مال كتحية شكر من تحت الطاولة لإدخالها، لأن التراجع عن موعد حفل الزفاف لم يعد ممكنًا والقاعة محجوزة، أقيم حفل الزفاف مساء الثلاثاء بدون العروس، لم تكن الأجواء بطبيعة الحال فرحة، حفل زفاف بدون عروس ولا تجلاية ولا شموع، على الأرجح لو كان العريس من الشعب الآخر لمرّ الأمر بسلاسة أكثر، والدليل أنه بعد تدخل الواسطة عادت العروس ولكن بتأخير يوم واحد عن ليلة الدخلة، ألف مبروك للشعبين الفلسطيني والفلبيني، الآن السيد مندوزا والد العروس ينتظر رؤية حفيده أو حفيدته من عريسنا زين الشباب.

أنت عنصري «وأنا كمان…»

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    التطبيع مع محتل مرفوض لأنه ينظر للطرف الآخر نظرة السيد للعبد
    الإحتلال هو الإحتلال, أي لا يوجد محتل مسالم
    المقاومة واجب شرعي ووطني
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول حمزه فلسطين:

    رائع كالعاده يا استاذ سهيل, انا لا يفوتني قراءة اي مقال تكتبه.

  3. يقول رؤوف بدران- فلسطين:

    العنصرية اخي سهيل هو سلوكٌ مرفوض وتصرفٍ منبوذ ولربما هو موروثٌ وراثي (جيني) ؟!
    في الفقرة “نظرات عنصرية” اوضحت ان العنصرية تعشعش في تفكير جميعنا ؟! كيف عرفت اخي سهيل ان نظراته لك هي نظرات عنصرية ؟ هو كان ينظر اليك بشقارك وزرقة عينيك واناقتك انك يهودي وكذلك الامر بالنسبة لك فقد ظننت انه يهودي ربما لانه يملك نفس المواصفات التي تملكها؟
    اخي الغالي سهيل نحن نعيش في نفس المنطقة ونعاني جميعنا من نفس التعامل …ولكن اذا كان تصرفنا حضاري وانساني لن يتعرض احداً لنا هكذا كوننا عرب ليس الا؟! علينا جميعاً ان نتصرف بحكمة وعقلانية وموضوعية حتى يتغير حالنا العصيب الى منعطفٍ خصيب .
    دائماً اخي سهيل متألقاً وفي قمة العطاء الابداعي والسلام.

  4. يقول خليل ابورزق:

    من المعروف تعصب الفرنسيين للغتهم و تعمدهم عدم الاجابة اذا سالتهم عن الطريق مثلا باللغة الانجليزية. و لكني فوجئت انهم يتحدثون معي بالعربية بصعوبة جدا في المحل التجاري توددا لي لعلي اشتري شيئا. فالمبادئ تتوارى وراء المصالح. هكذا هي حال الكثير من الافراد و الجماعات و الدول.
    اما التعصب فهو تربية و جهل و نوع من الغباء. و لا نستغرب ان يكون المتعصب من اهل الفكر او القيادة احيانا فكل انسان فيه ذكاء و غباء في نفس الوقت و فيه علم و جهل ايضا في نفس الوقت. فلكل عالم هفوة او حتى غلطة كبيرة و لكل جواد كبوة او حتى سقطة مميتة

  5. يقول Samaher:

    بورك قلمك فقد جسدت الواقع بدون تزييف بحذافيره بهذا المقال، وهذا ما يميز كتابتك بأنها مأخذوة واقع نعيشه يوميا. البشريه بكاملها خلقها الله من نفس واحدة وتراب واحد ووهبها حياة على كوكب واحد وجعلنا شعوبا وقبائل للنتعارف بيننا ..بلا شك لكل منا وطنه وجنسيته التي ينتمي اليها ويفتخر بها وينحاز إليها ومن الجدير بنا ويحق لنا ان نسمو بالوطنية لكن أن تتجلى بعظمة العمل الإيجابي الذي يتجلى بالفخر والسمو أمام الشعوب الاخرى وليس بالعنصريه بهذا المرض الخبيث الذي نال من العقل البشري وجعل من بعض فئاته عنصريين تحت سيادة التفرقه يفشون العنصرية ويطالعونها كل يوم في مظهر جديد ليبتلي بها الضحايا، غلبت العنصرية عليهم والتصقت بهم إلا من بعض مواقف مزيفه لمآرب ومصالح آنية، ولا تكمن العاطفة والمحبة فيهم إلا لحاجة أو مصلحة في نفس يعقوب

  6. يقول نسيمة حرة من الجزائر:

    من أسوأ ما يتعرض له الإنسان هو العنصرية، وغالبا لا يجدي نفعا المعاملة بالمثل فعموما من يبادرون بمثل هذا السلوك أشخاص غير أسوياء.
    “صاحب النظرات التي حسبتها عنصرية” ، أستاذ سهيل أرى أنه ثاني مرة يلتبس عليك الأمر، الأولى عن الحارس ( :
    أفهم أنه صعب أن تعيش مع أناس يكرهونك و تظطر للتعامل معهم.

  7. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    الإنطلاق من فكرة ” الجماعة ” الدين , الطائفة , القبيلة غالبا مايؤدي للعنصرية. الجماعة ترتفع بنفسها وتمجد من حضارتها على حساب الآخرالمختلف عليها . السنة والشيعة اليوم . الجنس الآري والسامي إلخ…
    العنصرية لايخلو منها كائن حي , في الدول المتحضرة وضعوا قوانين وأسس إجتماعية للحفاظ على السلم الإجتماعي وإرضاء ضمير جرب مظالمها, لكن عند المخاطر العظمى تخلق العنصرية مفاجآت لا تكون في الحسبان.

  8. يقول ناديه:

    متألق دائما كنجم ساطع ابا سمير تنير بمقالاتك سماء ادبنا الفلسطيني ، العنصرية سم يسري في عروق أبناء عمنا ورثوه في الجينات ، العنصرية في مناطقها ما زالت في طور الولادة لكن لو عشت في القدس كمان عشت اثناء سنوات دراستي العليا للقب الأول لوجدت ان العنصرية هناك قد تجذرت وتشعبت على فروع لا حدود لها من الحقد والكراهية لكل من ينطق لغة الضاد وهذا يذكرني بقول لعائشة العبدالله : الوطن الذي يهاجم الحب يبارك العنصريه .

إشترك في قائمتنا البريدية