الشرق الأوسط الملتهب

ينطوي الشرق الأوسط على أكثر المشاكل تعقيدا، وهو المُبتلى بعدم الاستقرار المزمن، نظرا لكونه موقع تقاطع المصالح الاستراتيجية.
وما نشهده في هذه الأيام من توتّر بين القوى الكبرى في المنطقة إنّما هو حرب بالوكالة، قد تتحوّل إلى مواجهة مباشرة سيكون ميدانها الشرق الأوسط من دون شكّ. وهو المصير الذي سيغيّر وجه العالم بمختلف تشكّلاته. يحدث كل ذلك على حساب الشعوب العربية التي يُصادر حقّها في التقدّم والحياة الكريمة لحساب القوى التي تحرّك السياسة الشرق أوسطية. وإن كان صراع التموقع وتوسيع النفوذ هو العنوان الأكبر الذي يجعل المنطقة خاضعة لإكراهات الهيمنة والتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا.
ولا يخفى على أحد أنّ ارتباط الولايات المتحدة الدائم بإسرائيل، وتقديمها الدعم اللامتناهي لهذا الكيان، يُعدّ من أهمّ أسباب التوتّر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنّ هذا الفعل هو الدافع الرئيس لاستفزاز العرب والمسلمين، الذين يؤمنون بالقضية الفلسطينية ويرفضون زرع كيان غاصب يقتلُ ويُشرّد ويحاصر بأسلحة أمريكية، ويتلقّى الدعم السياسي والدبلوماسي من المؤسسات الأممية التّابعة، وهو يجتهد من خلال لوبي «الايباك» وغيره في جعل الدعم الامريكي اللامشروط لإسرائيل مصلحة قومية أمريكية مع أنّه ليس كذلك في حقيقة الأمر.
هكذا تصبح أمريكا «ولي النعمة الكبير» الذي وفّر لإسرائيل منذ حرب 1967 مستوى من الدّعم، قزّم مستويات الدّعم المتوفّرة لأي دولة أخرى. ويجمع على ذلك الباحثين الأمريكيين والإسرائيليين، وهذا الدّعم وصل سنة 2003 إلى ما يزيد عن 140 مليار دولار، حسب تقارير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
واسرائيل هي الوحيدة التي لا تُطالبها أمريكا بتقديم كشف عن سُبل صرف المساعدة التي تتلقّاها. حينئذ يصبح تمويل الصناعات الحربية الدفاعية والهجومية من أولويات إسرائيل في توظيف هذه المخصّصات، إضافة إلى بناء المستوطنات التي تكتفي أمريكا بالتنديد بها لا غير، ومؤخّرا اكتفت في مجلس الأمن بالامتناع عن التصويت بخصوص القرار الذي يدين إسرائيل في ما يخصّ بناءها المتواصل للمستوطنات في الضفة الغربية وغيرها.
تتلقّى إسرائيل أحدث أنواع الأسلحة الأمريكية المتفوّقة من طوّافات «البلاك هوك» إلى مقاتلات الإف 16، ينضاف إلى ذلك الدعم الدبلوماسي المتواصل الذي يتغاضى عن امتلاك إسرائيل لترسانة من الأسلحة النووية، زد على ذلك استخدام حقّ النقض عديد المرّات لمنع تمرير قرارات مجلس الأمن الدولي المنتقدة لإسرائيل. وأيضا تمكين إسرائيل من المعلومات الاستخباراتية. في المقابل كانت إسرائيل الذراع العسكرية الأمريكية في احتواء التوسّع السوفييتي في المنطقة وبدا ذلك جليّا منذ الحرب الاسرائيلية ضدّ مصر وسوريا تحديدا سنة 73، فهي حرب أمريكا ضدّ السوفييت، وإن كانت بالوكالة، فهل نراها تتواصل اليوم؟ أم أنّ السؤال المطروح: هل ما زالت إسرائيل تُمثّل ذخرا استراتيجيّا، كما هي الحال أيام الحرب العربية الاسرائيلية في الستينيات والسبعينيات؟ أم أنّها تحوّلت إلى عبء استراتيجي ولم تعد قادرة على حماية نفسها، ما بالك بحماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؟
أسئلة قد نجد بعض تفسيراتها في الردّ السّوري الأخير على هجوم المقاتلات الاسرائيلية، وتوازن الردع بين الكيان الصهيوني وحزب الله، الأمر الذي يجعل حكومة نتنياهو تحسب ألف حساب قبل أن تأخذ قرارا عسكريا، ليؤول الأمر أخيرا إلى الضربات الأمريكية على قاعدة الشعيرات السورية.
كاتب تونسي

الشرق الأوسط الملتهب

لطفي العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dinars:

    ما يسمى بالشرق الأوسط وقوده بشر تؤججه أموال الوقود ، النفط ،

إشترك في قائمتنا البريدية